د. ربيع رجب حسن – البلاد
أين سهوله وجباله ووديانه ، بحاره وأنهاره ، سماواته وأراضيه؟..ما بالي لم أعد أمعن النظر بتفتّح الأزهار ، بحجم قطتنا الذي يزداد ، لم أعد ألقي بالاً لانقلاب الفصول والمناخ ونمو المحاصيل؟
كنت في السابق أشعر أنني أنا الذي أتحكم بالكون الصغير الذي بنيته منذ بداية تكويني ، كنت أشعر أنني الذي بنيت منزلنا ، أنا الذي زرعت أشجارنا المعمّرة ، أنا الذي أنجبت نفسي..
لكن كأنّ كوني الصغير قد تمادى ، كأنه خرج عن السيطرة ؟، أصبح يلفظني عند كلّ محطة ، ينقلني من شهرٍ لآخر ، من فصل لآخر ، من سنةٍ لأخرى وعلى مزاجه ، لم أعد قادراً على كبحه مثل الأيام الخوالي!
على ذكر الأيام الخوالي ، إنّ حنيناً كبيراً بداخلي يعود ليطفو كلّ مرّة على بركة المياه الصغيرة مقابل بيتنا ، هذه البركة التي اعتدت النظر إلى انعكاس وجهي فيها ، بل إلى انعكاس كوني فيه ، أرسم ، أمحي ، أبني ، أهدم ، ثمّ أبدأ يومي الذي خططت له ، وأحذف من ذاكرتي كلّ ما يزعجني .
أمّا الآن ومع أنّ بقعة الماء ما تزال موجودة ، وأنا برأسي الضخم المزروع بيني أكتافي مازلت موجوداً ، لكن أصبحت أتجاوز بركة الماء تلك بكل برود ، دون أن أنظر إليها حتى ، أظن أن ذلك بسبب تبغي الذي ألفّه عند كل صباح ، أو هاتفي الذي يكبّل يداي ، أو لعلها تلك العيون الواسعة التي تشغلني على الدوام ، وعلى ذكر العيون ، كأنّ عيونك جميلةٌ يا صبيّة ، كأنّ ذلك الكون قد اختُصر فيهما ؟ ، أظن أن هذه الإيجابية الوحيدة في تمادي كوني ، فلولا تماديه لما عانقت رائحتك في بداية كل نهار ونهايته ، لم أكن لأفكر في استجماع قواي ولملتِ فتات كوني السليب ، لكي أحبسك بداخله ، وأحبس نفسي بين أضلاعك المرتجفة ..كوني الهادىء أساسه البراءة والبساطة والجمال ، فأيّ هدوء هذا إلا في جلساتنا المطوّلة ، وأي براءة أتحدث عنها دون أحاديثي المملة التي أحشوها في رأسك دائماً ، وأي جمال نتخيله دون جمال وردتك التي أسقيها؟ تعالي لنعيد بناء هذا الصرح أرجوكي ، فصدقيني اعتدت على العيش فيه ولطالما كنت محسوداً بسببه .
Views: 111