من بعيد تنظر أم العبد باتجاه أرضها المنبسطة أمام ناظريها في ريف حماة، من دون أن تتمكن من دخولها كل سنوات الحرب، هكذا أصبح حال الكثير من الأراضي الزراعية، فمنها من لا يمكن دخوله بسبب سيطرة الإرهابيين، ومنها من حَالَ التلوث بين أصحابها وإمكانية زراعتها.
الإحصاءات تشير إلى أن نسبة المساحات التي خرجت من الخدمة تقدر بنحو 20% من إجمالي المساحات القابلة للزراعة والمقدرة بنحو 6,5 ملايين هكتار قبل الحرب الإرهابية على سورية.
خروج هذه المساحات وتعثر الواقع الزراعي، يعني أضراراً كبيرة على العاملين في هذا المجال من جهة، وعلى المنتجات التي كانت تحقق الاكتفاء الذاتي قبل أن نتحول إلى مستوردين للكثير منها،
إذ إن التقديرات السابقة تشير إلى أن القوى العاملة في الزراعة كانت تقدر بنحو خمسة ملايين نسمة.. رئيس مكتب الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين محمد الخليف يؤكد أن المساحة التي خرجت من الخدمة خلال سنوات الحرب الإرهابية على سورية تصل إلى أكثر من 429 ألف هكتار، ولكنّ بعد استعادتها نحو 1007 هكتارات، وأن أكثر المناطق التي تضررت هي محافظة ريف دمشق (الزبداني، والغوطتان الغربية والشرقية) ويرى الخليف أن الأضرار الزراعية كانت شاملة لكل الأنواع سواء النباتية أو الحيوانية وكذلك المحاصيل الاستراتيجية والأشجار المثمرة والخضر، وهذا أثر في تنفيذ الخطة الزراعية والإنتاج عموماً على امتداد الوطن.
وذكر الخليف أن عدد الأسر التي تمت إعادتها إلى قراها وأراضيها تقدر بنحو 314,4 ألف أسرة. هنا نستعرض واقع الأراضي الزراعية والزراعة في أغلب المحافظات، وبصمات الحرب عليها.
أضرار كبيرة في حماة
يصعب فهم التأثير الهائل للحرب التي تشنها المجموعات الإرهابية على الزراعة من دون قراءة متأنية لمعدل تراجع كميات إنتاج المحاصيل الاستراتيجية، إذ تراجع إنتاج القمح إلى ثلث ما كان عليه قبل الحرب والشوندر إلى واحد في المئة مما كان والقطن إلى خمس الواحد في المئة بعد أن خرجت 24,5% من المساحات المروية من الاستثمار بسبب سيطرة المجموعات الإرهابية عليها وحرمت 16,6% من مساحة الأراضي الخصبة من مياه الري نتيجة تخريب الإرهابيين أقنية الري وسيطرتها على سدود الغاب وسرقة وتخريب تجهيزاتها، والمشكلة ليست كمية فحسب إنما لها بعدها الكيفي فلم تعد تتوافر يد عاملة كافية للعمل الزراعي وارتفعت تكاليف الإنتاج لدرجة أرهقت الفلاحين في محافظة حماة.
فبعد أن كان معدل الإنتاج السنوي للقمح /275/ ألف طن في سنوات ما قبل الحرب انخفض إلى /84/ ألف طن في الموسم الماضي وانخفض إنتاج الشوندر من /300/ ألف طن إلى أقل من أربعة آلاف طن والقطن من /100/ ألف طن إلى /221/ طناً ويعود هذا التراجع بالإنتاج إلى سيطرة المسلحين على مساحة /31900/ هكتار من الأراضي الزراعية المروية وحرمان مساحة /21564/ هكتاراً من مياه الري وذلك من إجمالي المساحات المروية البالغة /130/ ألف هكتار في محافظة حماة في وقت كان لسيطرة الجفاف دوره السلبي المؤثر الذي أدى إلى تراجع تخزين سدود قطينة والرستن ومحردة لدرجة لم تعد تتوافر مخازين كافية في هذه السدود لتنفيذ خطة زراعات صيفية في السنوات الأخيرة الماضية، وفي المقابل فإن أغلب الآبار الارتوازية تعرضت تجهيزاتها للسرقة والتخريب وتحولت مساحات كبيرة من الأراضي المروية إلى بعلية.
وأكد المهندس وفيق زروف- مدير الثروة النباتية في الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب أن مساحة /18/ ألف هكتار في مجال إشراف الهيئة لا تزال بمناطق سيطرة المسلحين وعلى خطوط التماس معهم والتي تمتد وسط الغاب من (الجيِّد) إلى (الزيارة) و(قلعة المضيق) وفي (الجبين) و(كرناز)، في حين يروي حسان محفوض مدير الري في الهيئة أن توقف استثمار سدي أفاميا A وقسطون اللذين يتسع كل منها لتخزين /27/ مليون متر مكعب نتيجة سيطرة الإرهابيين عليهما وسرقة وتخريب تجهيزاتهما حرم مساحة /6564/ هكتاراً في الغاب من مياه الري، أضف إلى ذلك، أن المساحات التي كانت تروى من شبكة الطار الشمالية والبالغة /8000/ هكتار لا تزال محرومة من مياه الري بسبب تخريب الشبكة ووقوعها على خطوط التماس مع المسلحين التي كانت تستجر المياه من سد محردة إلى شيزر وتل ملح والجبين والشيخ حديد، حيث أكد فضل الحسين رئيس الرابطة الفلاحية بمحردة أن عدد الآبار بزمام هذه الشبكة يتجاوز 300 بئر ارتوازية كلها معطلة بسبب سرقة تجهيزاتها.
وأشار المهندس ماهر طجيني- رئيس دائرة زراعة محردة إلى أن مساحة /3000/ هكتار في قرى الزلاقيات وحلفايا لاتزال خارج الاستثمار لوقوعها على خط التماس مع مناطق سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة، كما أكد حسام فرج- رئيس دائرة زراعة كفر زيتا أن مساحة /10900/ هكتار من الأراضي الخصبة المروية في قرى (كفر زيتا والزكاة – الصياد – لطمين) لا تزال تحت سيطرة المسلحين، كما لفت مصطفى الخاني- رئيس دائرة زراعة حماة إلى أن المساحات الواقعة في زمام شبكة ري حمص – حماة التي تقارب /7000/ هكتار فقدت مصدر الري بعد توقف استثمار الشبكة نتيجة تعرضها للتخريب في بعض المناطق، حيث تحولت هذه الأراضي المروية إلى أراضٍ بعلية تزرع بأنواع الحبوب والزراعات البعلية باستثناء مساحات قليلة منها تم حفر آبار ارتوازية فيها حيث تمتد هذه الأراضي من الرستن وغور العاصي جنوباً حتى كفر بهم وحماة.
الزيتون أول الضحايا في درعا
المساحات القابلة للزراعة تبلغ في درعا 232 ألف هكتار أي ما نسبته 62% من إجمالي مساحة المحافظة، وكان معظمها يزرع بمختلف المحاصيل إلا أن الأزمة أدت إلى خروج مساحات ليست بقليلة من الخدمة وتراجع كبير في الإنتاج.
المهندس عبد الفتاح الرحال- مدير زراعة درعا أوضح أن محصول الزيتون هو الأكثر تضرراً حيث قدرت الأشجار الهالكة لأسباب مختلفة بحوالي 1.5 مليون شجرة وهناك أكثر من مليوني شجرة دخلت طور الإثمار لكنها لم تثمر لغياب الري والتسميد عنها، وذلك ما أدى الى تناقص الإنتاج من 75 ألف طن من ثمار الزيتون إلى 23 ألف طن والزيت من 11 ألف طن إلى 3 آلاف طن، كما أن معظم مزارع العنب خرجت من الخدمة وتراجع عدد الأشجار من 1,6 مليون شجرة إلى 600 ألف شجرة والإنتاج من 61 ألف طن إلى 16 ألف طن، علماً أن هناك مساحات من مزارع العنب تم تحويلها إلى رمان ليزيد عدد أشجار الرمان من 93 ألفاً إلى 408 آلاف شجرة والإنتاج من 3 آلاف إلى 32 ألف طن، وتقوم مديرية الزراعة حالياً بحصر أعداد الأشجار الهالكة والمتبقية بغية الوقوف على عدد دقيق لها، ولجهة محصول البندورة بيّن الرحال أن مساحته تراجعت من 3068 هكتاراً إلى 2400 هكتار والإنتاج انخفض من 550 ألف طن إلى حوالي 350 ألف طن، وذلك بسبب خروج مساحات من الري وخاصة على الشبكات الحكومية، كذلك مساحة الخضر الصيفية المختلفة تراجعت من 2649 هكتاراً إلى 1626 هكتاراً.
رئيس دائرة التخطيط والإحصاء المهندس صالح المقداد أشار إلى أن المساحات بالنسبة للقمح والشعير والحمص لم تنخفض باستثناء القمح المروي الذي تراجعت مساحته من 15287 هكتاراً إلى 6214 هكتاراً، إلا أن الإنتاج هو الذي تناقص كثيراً بسبب ضعف الرعاية وقلة تقديم الريات والأسمدة لارتفاع تكاليفها، وتشير الأرقام إلى انخفاض إنتاج القمح من 128 ألف طن لموسم 2010/2011 إلى 27 ألف طن لموسم 2017/2018 والشعير من 11568 طناً إلى 2055 طناً والحمص من 9139 طناً إلى 3250 طناً والبطاطا من 44490 طناً إلى 27720 طناً.
ولفت المقداد إلى أن قطاع الزراعة في المحافظة يلاقي بشكل خاص إقبالاً كبيراً بعد حلول الاستقرار حيث يسعى الفلاحون لزراعة كامل المساحات، مبيناً أنه على الرغم من بعض الصعوبات التي اعترضت الفلاحين خلال الموسم الجاري ولاسيما قلة توفر البذار والمحروقات وعدم التمكن من زراعة بعض المساحات بسبب الألغام بانتظار نزعها من الجهات المختصة، فإن المساحات المزروعة بالمحاصيل الشتوية قاربت حتى تاريخه المخطط في بعض المناطق فيما زادت عليه في مناطق أخرى ما يبشر بإنتاج وفير خاصة مع الهطلات المطرية الجيدة والتمكن أكثر من تقديم الرعاية والخدمات المطلوبة.
في الحسكة
تعد محافظة الحسكة من أهم المناطق الزراعية في سورية، إذ تبلغ مساحة المحافظة مليونين و333 ألف هكتار منها مليون و566 ألف هكتار مساحة الأراضي القابلة للزراعة أي نحو 67% من مساحة المحافظة.
وقد أكد مدير الزراعة المهندس عامر حسن أن جميع أراضي المحافظة الزراعية مستثمرة، رغم الصعوبات العديدة التي تواجه قطاع الزراعة وأبرز هذه الصعوبات عدم توافر مستلزمات الإنتاج الزراعي ولاسيما البذار والسماد، حيث بلغت كمية البذار التي تم توزيعها على المنتجين خلال الموسم الحالي نحو 5 آلاف طن فقط وهو ما يعادل جزءاً يسيراً أقل من 5% من الحاجة، في حين لم يتم توزيع أي كمية من السماد على المنتجين منذ سنوات، يضاف إلى ذلك صعوبة أخرى وهي عدم توافر حوامل الطاقة من كهرباء ومحروقات، الأمر الذي أدى إلى خروج عدد كبير من الآبار الارتوازية من الاستثمار وتحول مساحات واسعة من الحقول الزراعية المروية إلى بعلية. وتشكل الظروف الأمنية السائدة في المحافظة أحد أبرز المعوقات أمام القطاع الزراعي، إلى جانب هجرة الأيدي العاملة وعدم توافرها في المحافظة.
وقد أدت هذه الصعوبات إلى تراجع المردود الإنتاجي في وحدة المساحة وتراجع مساحة الأراضي المزروعة ببعض الأصناف كمحصول القطن الذي تراجعت فيه المساحة المزروعة من نحو 60 ألف هكتار إلى 6 آلاف هكتار فقط، والمردود الإنتاجي من نحو 250 ألف طن إلى نحو 17 ألف طن فقط، ناهيك بتراجع نوعية الإنتاج وإصابته بالآفات الزراعية كديدان اللوز نتيجة البذار غير المعتمد ومجهول المصدر، والأمر ينسحب على بقية المحاصيل.
وأوضح المهندس حسن أن قطاع الزراعة ورغم هذه الصعوبات مازال من القطاعات العاملة في المحافظة لكونه يشكل عصب اقتصاد المحافظة وارتباط الظروف المعيشية لأغلبية السكان بهذا القطاع، يضاف إلى ذلك اعتماد المنتجين على أنفسهم بتأمين بعض مستلزمات الإنتاج وخاصة البذار بطرقهم الخاصة.
وخلال الموسم الحالي بلغت المساحة المزروعة بالقمح المروي نحو 130 ألف هكتار بنسبة 44% من المساحة المخططة البالغة نحو 298 ألف هكتار، وبالقمح البعل بلغت المساحة المزروعة نحو 337 ألف هكتار بنسبة 76 % من المساحة المخططة البالغة نحو 445 ألف هكتار وبالشعير المروي نحو 18 ألف هكتار بنسبة 76% من المساحة المخططة البالغة نحو 24 ألف هكتار وبالشعير البعل بلغت المساحة المزروعة نحو 416 ألف هكتار بنسبة 125% من المساحة المخططة البالغة 333 ألف هكتار، ويتضح من هذه الأرقام التوسع بالمساحة البعلية على حساب المروية.
وفي دير الزور
أثرت الظروف سلباً في واقع الزراعة في دير الزور سواء نتيجة الحصار الخانق الذي فرض على أحياء المدينة من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة أو بسبب خروج الكثير من المناطق من السيطرة حيث تقدر مساحة المحافظة الزراعية بالكامل حوالي 149 ألف هكتار المزروع منها يقدر بـنحو 50 % منها.
مدير زراعة دير الزور محمود حيو قال: إن هناك عدداً من المحاصيل تمت زراعتها في الوقت الحالي منها: محصول القمح حيث تبلغ المساحة المقرر زراعتها 107,694 هكتاراً والمساحة المزروعة 47 ألف هكتار وسبب عدم تنفيذ كامل الخطة يعود لعدة أسباب منها: توقف مشاريع الري الحكومية بالقطاع الثالث الذي يمتد من المريعية حتى بداية (بقرص)، والقطاع الخامس الذي يمتد حتى القورية، والقطاع السابع يمتد حتى بلدة الجلاء، وتعرضت أغلبية المعدات والمضخات لأعمال التخريب والسرقة من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة، لأن هذه المناطق كانت خارج السيطرة، وما زالت هناك مناطق لم تتم زراعتها حتى الآن.
أما بالنسبة لمحصول الشعير فالمساحة المقررة زراعتها 19,973 ألف هكتار المزروع منها: 14 ألف هكتار، والخضر الشتوية المساحة المخططة زراعتها 2200 هكتار والمساحة المزروعة 2200 هكتار بنسبة تنفيذ 100% ومنذ فك الحصار عن مدينة دير الزور وتحرير الريف قامت مديرية الزراعة هناك بجولات على قرى وبلدات الريف للوقوف على واقع هذه الأراضي واحتياجات الفلاحين، وكان هناك تأثير كبير على واقع الزراعة في المحافظة نتيجة الظروف الصعبة التي مرت فيها، ولكن ما يتم زراعته يغطي حاجة المحافظ، وهناك أراض على الضفة الشرقية لنهر الفرات ما زالت خارج السيطرة حتى الآن، وتقدر المساحات الزراعية التي خرجت من الاستثمار حوالي 20 ألف هكتار ولكن هناك خطة لتعود الزراعة كما كانت في السابق.
اعتداءات مختلفة في طرطوس
تشكل الزراعة العمود الفقري لمحافظة طرطوس وهي السلة الغذائية لسورية من حيث إنتاج الخضر والفاكهة وغيرها من المنتجات الزراعية المتنوعة ومن المعروف أن مساحة المحافظة كما بيّن علي محمد رئيس دائرة التخطيط في مديرية الزراعة في طرطوس لا تتجاوز /189620/ هكتاراً منها /122570/ هكتاراً مساحة قابلة للزراعة المستثمر منها /122520/ هكتاراً و/50/ هكتاراً غير قابلة للاستثمار الزراعي وخلال العقود الماضية وحتى اليوم تشهد المحافظة نهضة عمرانية كبيرة أدت الى قضم مساحات من الأراضي الزراعية لصالح الكتل الإسمنتية وهذا الواقع مازال مستمراً، حيث تم إعدام عدد كبير من أشجار الزيتون والحمضيات وغيرها وخاصة في السهل الساحلي لطرطوس من أجل البناء، وحسب إحصائية مديرية الزراعة فإن المساحة التي خرجت من الاستثمار نتيجة التوسع العمراني أبنية مرافق عامة ولـ /5/ سنوات سابقة بحدود /50/ هكتاراً، وبيّن محمد أن هذه المساحة صغيرة ولا تؤثر في الواقع الزراعي في المحافظة ولم تشهد المحافظة خروج أي مساحات زراعية من الاستثمار بعيداً عن العمران حتى خلال العاصفة المطرية التي سببت غمراً للأراضي الزراعية بسهل عكار لا تحسب بأنها خرجت من الاستثمار الزراعي لأنها ستزرع بمواسم صيفية.
من ناحية أخرى، يمكننا أن نذكر بأن وزارة السياحة قامت باستملاك /480/ هكتاراً جنوب مدينة طرطوس بموجب المرسوم 2197/ لعام 1975 كما قامت باستملاك /21/ هكتاراً جنوب مدينة بانياس بموجب المرسوم 1682 لعام 1982 وذلك لغايات سياحية وإقامة مشروعات واستثمارات سياحية ولكن بعد مضي أكثر من أربعين عاماً على هذه الاستملاكات ما زالت هذه المساحات الزراعية الكبيرة التي خرجت من الدورة الزراعية على حالها ولم يتم تحقيق أي عائد للاقتصاد الوطني من تلك الاستثمارات.
وللحفاظ على الأراضي الزراعية لا بد من إعادة النظر في نظام ضابطة البناء في أرجاء المحافظة والاعتماد على التوسع الشاقولي حتى في الأرياف، إضافة إلى الالتزام بالحفاظ على المساحات الزراعية في السهل الساحلي من خلال تفعيل السكن المناطقي في مناطق المحافظة والذي تحدثوا عنه خلال السنوات الماضية.
Views: 8