الناشر: واشنطن بوست (Washington Post)
الكاتب: إيشان ثارور (Ishaan Tharoor)
تاريخ النشر: 26 حزيران/يونيو
يصعبُ استحضارُ مبادرة دبلوماسيّة أمريكيّة حديثة قد استُهْزِئ بها عالمياً كورشة عمل جاريد كوشنير المسماة بـ “السّلام من أجل الازدهار” التي عُقِدَت في البحرين. لقد دبّر صهر ترامب وكبير مستشاري الشرق الأوسط أمراً استغرق مدّة يومين، وانتهى يوم الأربعاء، ليكون خطة أساسية في حملته لإبرام “صفقة نهائية” بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن بالنسبة إلى مجموعة واسعة من الخبراء الأمريكيين والفلسطينيين والإسرائيليين، أوضحت الإجراءات في العاصمة البحرينية المنامة كلَّ ما هو خاطئ في نهج البيت الأبيض تجاه السلام في الشرق الأوسط.
على الورق، قد تبدو رؤية كوشنير لجمع 50
مليار دولار من الاستثمارات في المنطقة لمجموعة كبيرة من مشاريع البنية
التحتية والأعمال غير مقبولة، إلا أن مصدر هذه الأموال لا يزال غير واضح،
ومن غير المرجح الوصول إلى حلّ لذلك هذا الأسبوع. وعلاوة على ذلك، فإن
عدداً كبيراً من المقترحات المفَصَّلة في كتيّب من 96 صفحة، صدر عن البيت
الأبيض في نهاية الأسبوع الماضي، يراجع أو يعيد صياغة الخطط القديمة التي
سبق وأن حلمت بها الحكومات الأجنبية والبنك الدولي ومؤسسة راند وغيرها. لقد
فشلت هذه الجهود في معظمها، حسبما نبّهت إلى ذلك زميلتي كلير باركر: «في
غياب اتفاق سياسي يرضي الطرفين بشكل متبادل بين الإسرائيليين
والفلسطينيين».
ويظل هذا الغياب هو الأكثر وضوحاً الآن. ففي الوثيقة التي تحدد الرؤية
الاقتصادية للبيت الأبيض، لم يَرِد ذكر الدولة الفلسطينية أو إنهاء
الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية –وهما مطلبان فلسطينيان أساسان تم
الاعتراف بهما على الأقل من قبل الإدارات الأمريكية السابقة على نحو ثلاثة
عقود. لا يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو ولا
ترامب ولا مبعوثيه الكبار إلى الشرق الأوسط مهتمون بإنشاء دولة فلسطينية
مستقلة. أيّد سفير ترامب في “إسرائيل”، ديفيد فريدمان، مؤخراً الضم
الإسرائيلي لمناطق من الضفة الغربية إلى “إسرائيل”.
يُعَدُّ غير مستغرب أن يقاطع المسؤولون الفلسطينيون المبادرة في المنامة،
وأن يرفضوا أي حديث عن المساعدات الاقتصادية دون حل سياسي جاد. وجاء قرارهم
بعد أن قامت إدارة ترامب بشكل منهجي لقضّ مضاجع المحاورين الفلسطينيين
المحتملين وإبعادهم عبر عدد كبير من الإجراءات على مدار العامين الماضيين
التي قوضت المصالح الفلسطينية وعزّزت موقف نتنياهو السياسي المحلي. يتّخذ
مسؤولو الإدارة الأساسيون موقع “تويتر” بشكل روتيني لتعنيف المفاوضين
الفلسطينيين والتنمّر عليهم، إلا أنهم لا يتعارضون أبداً مع نظرائهم
الإسرائيليين.
هذا، ونتيجةً للمقاطعة الفلسطينية، لم ترسل “إسرائيل” وفداً رسمياً، إذ قال
أحد الدبلوماسيين الغربيين في المنامة لزميلي لوفداي موريس: «نحتاج إلى
طرفين لإتمام رقصة التانغو، وهما غير موجودين هنا».
فبدلاً من ذلك، يتميز المؤتمر في البحرين بمجموعة من الخطابات العامة
الجذابة واللوحات، ويضم العديد من كبار رجال الأعمال والشخصيات البارزة مثل
رئيس صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد ورئيس الوزراء البريطاني السابق
توني بلير. كما وتحضر بضعة وفود من الحكومات العربية، تقديراً لعلاقاتها
الوثيقة بواشنطن بشكل رئيس.
كتب جيرالد فايرستاين، دبلوماسي أمريكي سابق ونائب أول لرئيس معهد الشرق
الأوسط: «إن أولئك الذين يحضرون الحدث، يفعلون ذلك لأسباب سخيفة للغاية.
تتعرض إدارة ترامب للضغوطات لكي تُظهِر بعض النتائج للجهود المبذولة على
مدى أكثر من عامين من العمل الذي من المُفتَرَض أنه قد استُثمِر من قبل
كوشنير وفريقه في “صفقة القرن”». وفي مذكرة تم إرسالها عبر البريد
الإلكتروني، خلُص فايرستاين إلى أنه «من المحتمل أنه بعد يومين من الخطابات
الرنانة في عاصمة البحرين، سيعود المشاركون إلى شؤونهم الطبيعية، وسيتم
إرسال الورشة إلى مزبلة التاريخ قريباً».
يدرك كوشنير ومسؤولون أمريكيون آخرون الشكوى الرئيسة. فقد قال كوشنير في
كلمته الافتتاحية ليلة الثلاثاء: «لكي نكون واضحين، لا يمكن تحقيق النمو
الاقتصادي والازدهار للشعب الفلسطيني دون حل سياسي دائم وعادل للصراع». إلا
أنه قد أجّل هو وزملاؤه الإعلان عن تفاصيل خطتهم السياسية، على الأقل، إلى
ما بعد الانتخابات الجديدة وتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، ومن
المتوقع أن تنتهي هذه العملية بحلول تشرين الثاني/نوفمبر.
يتوقع العديد من المحللين أن البيت الأبيض المنحاز بشكل كبير إلى معسكر
نتنياهو اليمينيّ قد لا يطرح أي شيء يستدعي تنازلات إسرائيلية جادة، عدا عن
اقتراح لإنهاء الاحتلال رسمياً. بل على العكس، إذ قد يمهّد الطريق لشيء
مغايرٍ تماماً.
غرّد هاري رييس من (صندوق إسرائيل الجديدة New Israel Fund) على تويتر، وهي
مؤسسة ليبرالية غير ربحية مقرها الولايات المتحدة تدعم مجموعات المجتمع
المدني في “إسرائيل”، وقال: «إن ما قدّمه كوشنير قبل قمة البحرين يخلو من
أي محتوى سياسي. وقد تعمّد رفضَ معالجة التطلعات السياسية الأساسية
للفلسطينيين في تقرير المصير الوطنيّ. وذلك لأنها [الصفقة] غير مُصمَّمة
لخدمة الفلسطينيين. ولم يُخَطَّط لها ليتم تطبيقها. بل إنها مُصمَّمة من
أجل الحصول على رفضٍ فلسطيني. لماذا؟ لتضع “إسرائيلُ” الأسسَ اللازمة لها
كي تقوم بعمليات ضمٍّ للأراضي بشكل أحادي الجانب».
لقد كتب السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون، مقالة افتتاحية
في نيويورك تايمز هذا الأسبوع، يسلط الضوء فيها على المزاج السياسيّ في هذه
الأثناء –والشعور بالانتصار الذي تشعر به الحكومة الإسرائيلية– ويحث فيها
الفلسطينيين على “التخلّي” عن سعيهم من أجل وطن مقابل الصدقات الاقتصادية
التي يبحث فيها كوشنير. وأشار دانون إلى أن التطلّع إلى دولة فلسطينية
“يولّد ثقافة الكراهية والتحريض”، وأنه يود أن يرى “نهاية للأخلاقيات
السياسية والثقافية الحالية عند الفلسطينيين”.
إنه خطاب شديد اللهجة، عدا عن الاحتلال العسكري الإسرائيلي الدائم الذي
يتحكم بحياة ملايين الفلسطينيين ويقيدهم. ويؤكد أيضاً على مدى ضلالة مشروع
إدارة ترامب في البحرين.
كتب هادي عمرو، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية وزميل زائر في
معهد بروكينغز: «على مدى عقود، ظل الشعب الفلسطيني يعاني في مناطق شبه
مستقلة، حيث كانت حياتهم للأسف خاضعةً للاحتياجات الإسرائيلية. لقد قلبَ
ترامب أساسيات الحرية رأساً على عقب عندما وضع “العربة أمام الحصان” [نسف
حل الدولتين]. فمن المؤكد أن هذه الحالة لا تشبه (حفلة الشاي[1]) في بوسطن
التي أعلنت الولايات المتحدة فيها استقلالها عن بريطانيا، ولم تحصل على
استقلالها من خلال مؤتمر اقتصادي كما هو الحال في المنامة».
[1] حركة حفلة الشاي هي حركة سياسية محافظة من الناحية المالية داخل الحزب الجمهوري. دعا أعضاء الحركة إلى تخفيض الضرائب وتقليص الدين الوطني للولايات المتحدة وعجز الميزانية الفيدرالية من خلال انخفاض الإنفاق الحكومي، وقد أدّت هذه الحفلة إلى إعلان الاستقلال عن بريطانيا في 16 كانون الأول/ديسمبر عام 1773 [المترجم].
مداد – مركز دمشق للابحاث والدراسات
Views: 4