بادية الونوس ـ ميليا إسبر:

تعد مشاهد الطوابير
أمام الصرافات الآلية التي نشهدها مع بداية كل شهر، انتظاراً جديداً يضاف
إلى قائمة العذابات الأخرى، حتى بات حديث مجتمع أي مؤسسة(موضوع الحصول على
الراتب) وعدد الصرافات التي جال عليها البعض و أي منطقة قصد ليحظى براتبه،
حتى تحولت لحظة «القبض» على الراتب إلى لحظة احتفالية ومن باب الحظ السعيد
بعد انتظار وجهد ولهاث من منطقة إلى أخرى.
أسباب تعطل الصرافات وخروج أعداد منها من الخدمة يسوغها المعنيون بأن العمر
الفني لهذه الصرافات انتهى، وتالياً من الصعوبة تأمين القطع التبديلية في
ظل العقوبات الاقتصادية الظالمة المفروضة علينا, مؤكدين في الوقت ذاته أن
الفرج قريب من خلال التعاقد على صرافات جديدة (عقارية وتجارية) مع إحدى
الشركات, سيتم توزيعها على مختلف المناطق وستكون الحصة الأكبر للمناطق
الأكثر تضرراً, حاولنا في موضوعنا هذا أن نسلّط الضوء على موضوع أسباب تعطل
الصرافات والحلول التي من الممكن أن تساهم في حل هذه المعاناة لذوي الدخل
المهدود.

رأي الشارع
لا شك في أن التعامل مع الصراف الآلي بقصد قبض الراتب كل أول شهر, سمة
حضارية في كل بلد شرط أن تكون كذلك قولاً وفعلاً، لكن في الواقع يتكبد
المواطن عناء كبيراً للوصول إلى أقرب صراف, ليعطيه إشارة أن الجهاز معطل أو
خارج الخدمة ليتجه إلى آخر، أو عبارة لا يوجد المبلغ المطلوب وهكذا
دواليك، الأمر الذي يتطلب منه التنقل من منطقة إلى أخرى أو حتى إلى إدارة
المصرف ليجد ضالته بعد رحلة عناء لا يستهان بها.
لهاث وانتظار
يبدأ اللهاث نحو الصرافات الكائنة في مركز المدينة، ولكن الازدحام الشديد
يمنع البعض من التفكير للتوجه إليها لأنها إما معطلة و إما أن الازدحام
يمنعك من الوقوف طويلاً وغالباً ما تكون الأسباب لغياب الشبكة أو العبارة
الأكثر استفزازاً نفاد المال منها، وغير ذلك من الأسباب التي تزيد الطين
بلة على المتلهف للحصول على مصروفه اليومي!
هذه التفاصيل تحتاج أعباء ليست في وارد حساباته كالجهد والمواصلات والوقت
كحال الموظف الذي يقطن في الضواحي ويقصد مركز المدينة أملاً منه أن يجد
الوضع أفضل حالاً من مناطقهم.
تعطل بعد فترة قصيرة
عندما تم تركيب صراف عقاري في جامعة دمشق فرح جميع الموظفين بهذا الاختراع
الحضاري الذي خلّصهم من مزاجية المحاسب، واعتقدوا أن هذه التقنية ستوفر
عليهم عناء الوقوف في طوابير الصرافات التي تقع خارج حرم الجامعة، هذا ما
تؤكده سهام (موظفة في جامعة دمشق) لكن للأسف هذه الأمر لم يستمر طويلاً,
ليصبح خارج الخدمة بعد شهور قليلة من تركيبه.
رنا- موظفة في إحدى الدوائر الحكومية في منطقة باب شرقي ومع بداية كل شهر
عليها أن تقصد ساحة المحافظة ومنها إلى إدارة المصرف العقاري لتنضم إلى
الأعداد التي تشكل رتلاً طويلاً، وهذا كله يكون بعد إجازة ساعية من إدارة
العمل.
حنين إلى أيام زمان
سوء خدمات الصرافات الآلية جعلت الناس «تترحم» على أيام زمان وأول كل شهر،
لاستلام الراتب حين كان يشي البعض بوصول المحاسب وتزاحم الموظفين أمام
الباب ,كان حينها يلتزم بالموعد، لأنه يعرف أهمية كل ساعة للحصول على
الراتب عند كل موظف، فالمحاسب هو الأقدر والأعمق إحساساً بذوي الدخل
المهدود, وماذا تعني خيبة أن يصل موظف لاهثاً ليجد باب المحاسب مغلقا في
وجهه؟..يتساءل مؤيد (موظف) لماذا لا يتم تفعيل موضوع القبض من قبل محاسبين
في كل مؤسسة ففي حال عدم توافر خدمة الصراف الآلي يتم الاتجاه إلى المحاسب
وتحل المشكلة.؟.
تدعو علا إلى عودة المحاسب قائلة: إن تلك الأيام أجمل بكثير من التعامل مع
الآلي بالرغم من أهمية وسرعة استجابته حيث الحركة والضجة والحيوية لحظة
إيجاد البعض من الزملاء في مكتب المحاسب كان يضفي جواً من الألفة والمحبة،
بينما التجهم والعبوس وملامح التعب تبدو على وجوه الطوابير المنتظرة.
يتطلب رحلة!
أمل مدرسة متقاعدة تقول: إنها من ريف مصياف ويتطلب منها قبض الراتب الذهاب
إلى مصياف ولأن أعداد الصرافات معدودة جداً حيث لا تتجاوز الـ 3 صرافات،
والوحيد الذي يعمل هو الصراف الكائن بجانب «مول»، ما يجعل الزحمة على
أشدها، ولاسيما أن جلهم من المتقاعدين، كما إن الصرافات البقية غالباً ما
تكون خارج الخدمة أو عبارة الاعتذار عن توافر المبلغ المطلوب, الأمر الذي
يجبرنا بالاتجاه إلى مدينة حماة والبحث عن صراف «شغال» ويكون غالباً القبض
لمجموعة وتالياً الانتظار أطول..
ما الحل؟
بالتأكيد الوضع مسوغ في الأعوام السابقة والتخريب والفوضى التي كانت آنذاك،
في ذروة سنوات الحرب أما في الوقت الحاضر ما الذي يسوغ للجهات المعنية ترك
الصرافات على هذه الحال من سوء الخدمة والأعطال؟ ولماذا لم يرمم النقص في
الأعداد؟ أين الصيانة الدورية أو ما يسمى الجولات التفقدية؟ ولماذا يترك
«الحبل على الغارب» كبقية تجاوزات تفاصيل حياتنا اليومية؟
أمريكية
يسوغ مدير المصرف التجاري-د. علي يوسف أن صرافات التجاري هي صناعة أمريكية
وعمرها الفني ما يزيد على عشر سنين بمعنى الصلاحية انتهت، وتالياً تكمن
المشكلة في عمليات الصيانة وصعوبة تأمين القطع التبديلية بسبب الحصار
الاقتصادي، ولفت إلى أنه يتم حالياً الاعتماد على جهود المهندسين الفنيين
المحليين في المصرف لإجراء الإصلاحات اللازمة، وفي حال ورود شكوى لأي صراف
نتعامل معها فوراً، ونعمل على علاجها ضمن الإمكانات المتاحة.
لحلب وحمص الحصة الأكبر
يضيف د.يوسف أنه تم توقيع عقد لتوريد الصرافات الجديدة، وأن المصرف حالياً
في طور تحديد مواقع تركيب الصرافات مع دراسة لإعادة هيكلة الصرافات على
مستوى القطر,مبيناً أنه يختلف الضغط والطلب على الصرافات من منطقة لأخرى
بسبب الضغط السكاني، على سبيل المثال الضغط السكاني على مدينة جرمانا خلال
فترة الحرب بسبب الهجرة وهذا الأمر يتطلب وجود عدد أكبر من الصرافات.
ولفت إلى أنه ستتم دراسة وضع كل منطقة وخصوصيتها لتموضع الصرافات فيها،
فالمناطق التي تعرضت للتدمير والتخريب بسبب الحرب مثلاً: مدينتا حلب وحمص
لهما الحصة الأكبر من الصرافات الآلية التجارية الجديدة.
خارج الخدمة
يشير د: يوسف إلى خروج حوالي 125 صرافاً من الخدمة من أصل 375 صرافاً بسبب
الحرب وأعمال التخريب، لافتاً إلى أنه تتم متابعة آلية عمل الصرافات مباشرة
من قبل مهندس مختص ببرنامج إلكتروني يظهر كل عمليات السحب، كما توجد
تقارير دورية يومية أو أسبوعية تبين عدد العمليات التي تمت في كل صراف،
إضافة إلى قيمة العمليات وعملية التغذية، مؤكداً وجود الرقابة الشديدة على
موضوع الصرافات لكن ما يحدث أحياناً أن انقطاع الشبكة والاتصالات تؤثر
سلباً في موضوع عملية السحب من الصرافات.
متابعة
يؤكد د. يوسف وجود متابعة مباشرة من إدارة المصرف مع مديرين الفروع
المعنية، حيث يقوم المصرف التجاري السوري بتغذية الصرافات من خلال الموظفين
الموجودين لديه، وهذا الأمر يشكل عبئاً على عملية التغذية، ولاسيما في
المناطق البعيدة، مثلاً الفرع /6/ في دمشق يغذي صرافات مشروع دمر، كما إنه
مسؤول عن تغذية حوالي 20 صرافاً، مبيناً أنه تم إعطاء التوجيهات بأن تغذى
الصرافات بفئة 2000 بشكل رئيس إضافة إلى فئة الألف.
نقص في عدد السيارات
كبقية سائر المؤسسات، لابد من وجود عقبات تعرقل سير العمل، يبين مدير
المصرف التجاري في وجود مشكلة أخرى تضاف إلى خروج أعداد من الصرافات من
الخدمة، وهي وجود النقص الكبير في عدد السيارات المصفحة حيث توجد سبع
سيارات مصفحة فقط، وأضاف أنه يتم الاعتماد في التغذية على سيارة الخدمة أو
بطرق خاصة وعلى مسؤولية مدير الفرع، فضلاً عن موضوع ضغط النفقات و الكميات
المخصصة من البنزين للسيارات للمصرف وهذا ما انعكس سلباً على آلية العمل.
مليارات شهرياً
يقوم المصرف التجاري بالتغذية بشكل مباشر وليس عن طريق شركة خاصة من
خارج المصرف، وهذا يؤثر بشكل كبير في عملية نقل الأموال لتغذية هذه
الصرافات التجارية على مستوى القطر.
يبين مدير المصرف التجاري أن صرافات التجاري تغذى شهرياً بحدود 15 مليار
ليرة، بينما العقاري يغذي بحدود 8 – 9 مليارات، موضحاً خشية الاعتماد على
شركة أخرى متخصصة لنقل تغذية الصرافات حيث سيتسبب هذا بمشكلتين: الأولى
التكلفة العالية، والثانية الخشية من تبعات أن تعمل الشركة في أموال
التغذية في العملات الأجنبية، لذلك فإنّ مشكلات الاعتماد على الموظفين أقل
خطورة إلا أنها تشكل عبئاً أكبر على عمل المصرف، فضلاً عن مشكلة نقص
الكوادر الكبير التي يعانيها المصرف.
صعوبة تأمين قطع الغيار
لم تختلف أسباب تعطل الصرافات العقارية كثيراً عن التجارية حيث يؤكد د.
مدين علي -مدير المصرف العقاري أن الفرج قريب جداً، وذلك من خلال توريد
100صراف عقاري بقيمة 800 مليون ليرة بعد الانتهاء من إجراءات التعاقد مع
إحدى الشركات، وهذا سيساهم في حل مشكلة تعطل الصرافات، مشيراً إلى أن أسباب
تعطل الصرافات العقارية وخروجها من الخدمة يعود إلى أن عمرها الافتراضي
انتهى، فضلاً عن صعوبة تأمين قطع الغيار التبديلية اللازمة بسبب العقوبات
الاقتصادية الجائرة المفروضة على بلدنا.
تكلفة الصيانة أكبر
استعرض معاون مدير المصرف العقاري- أكرم درويش واقع الصرافات العقارية،
مبيناً أنه يوجد 195 صرافاً في الخدمة على مستوى القطر، منها 40 صرافاً
خارج الخدمة فضلاً عن أن الصرافات الموجودة حالياً مستهلكة وعمرها
الافتراضي منتهٍ، وتالياً أعطالها كثيرة وعملية إصلاحها غير مجدية
اقتصادياً، لأن التكلفة الاقتصادية للصيانة تزيد عن قيمة تركيب الصرافات
الجديدة.
وأضاف درويش أن توريد الصرافات الجديدة من شأنه أن يخفف الضغط عن بعض
المناطق، لافتاً إلى أنه سيتم تخصيص العدد الأكبر من الصرافات الجديدة
للمناطق الأكثر تضرراً وستكون الحصة الأكبر لمحافظتي ريف دمشق وحلب.
في الخدمة
يقترح درويش إلزام كل المصارف بشراء صرافات وجعلها في الخدمة وهذا يساهم في انتشارها جغرافياً، وفي كل المصارف وليس فقط في التجاري والعقاريز
فالصراف موجود لأي زبون له حساب في المصرف، هذه الخدمة متاحة لكل زبائن
المصرف بغض النظر سواء كان موظف توطين راتب أو حساب جارٍ أو توفير.
واختتم حديثه بالصعوبات التي تعرقل سير العمل كمشكلة نقص عدد السيارات الذي
لا يتجاوز الـ 3 سيارات لمتابعة أمور الصرافات، وهي غير كافية إضافة إلى
أن مخصصات البنزين غير كافية للشهر كله، لافتاً إلى وجود مراقبة مستمرة
ودورية تتابع آلية عمل الصرافات.
Views: 9