ديكلان والش – ديفيد كيركباتريك
هناك إشارات إلى أن التوترات الأخيرة مع
إيران تقوم بتغيير الحسابات السعودية واحتمال قيام صراع مع إيران قد أقنع
السعوديين بالتوصل إلى سلام مع الحوثيين.
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تقريراً لمراسليها ديكلان والش وديفيد كيركباتريك تناولت فيه انسحاب معظم القوات الإماراتية من اليمن وتأثير ذلك على الجهوج السعودية في الحرب واحتمال أن يكون الانسحاب مؤشراً على الاقتناع بضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية. والآتي ترجمة نص التقرير:
على مدار أربع سنوات، كانت الإمارات العربية المتحدة العماد العسكري
للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، حيث قامت بتوفير الأسلحة والمال
والآلاف من القوات البرية لحملة لطرد المتمردين الحوثيين في اليمن. قادت
القوات الإماراتية كل تقدم كبير أحرزه التحالف. الآن قرروا أنهم لا
يستطيعون الذهاب أبعد من ذلك.
يقوم الإماراتيون بسحب قواتهم على نطاق واسع وبسرعة ما يشير إلى أنهم
يستبعدون حدوث المزيد من التقدم الأرضي، وهو اعتراف متأخر بأن حرباً طاحنة
قتلت الآلاف من المدنيين وحولت اليمن إلى كارثة إنسانية لم يعد من الممكن
كسبها.
يقول المسؤولون الإماراتيون منذ أسابيع عدة إنهم بدأوا انسحاباً تدريجياً وجزئياً للقوات يقدر بنحو 5000 جندي قبل بضع سنوات.
لكن الدبلوماسيين الغربيين والعرب الذين أطلعوا على الانسحاب يقولون إن
هناك انخفاضاً كبيراً قد حدث بالفعل، وأن الإماراتيين مدفوعون في الغالب
برغبتهم في الخروج من حرب أصبحت تكلفتها مرتفعة للغاية، حتى لو كان ذلك
يعني غضب حلفائهم السعوديين.
في الشهر الماضي، قلّص الإماراتيون انتشارهم حول الحديدة، ميناء البحر
الأحمر الذي كان ساحة القتال الرئيسية للحرب في العام الماضي، بنسبة 80 في
المائة إلى أقل من 150 رجلاً، وفقاً لأربعة أشخاص أطلعوا على الانسحاب. لقد
قاموا بسحب المروحيات الهجومية والأسلحة الثقيلة، مما حال فعلياً دون أي
تقدم عسكري في المدينة.
وقال مسؤول إماراتي رفيع، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته وفقًا لسياسة
حكومته، إن الهدف من الانسحاب هو دعم وقف إطلاق النار الهش الذي توسطت فيه
الأمم المتحدة في الحديدة والذي دخل حيز التنفيذ في كانون الأول – ديسمبر
الماضي.
وقال المسؤول “إن التزامنا تجاه اليمن لا يزال قائماً”، مضيفا أن القوات
الإماراتية دربت 90 ألف جندي يمني على ملء الفراغ بعد رحيلهم.
تدخلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن في عام
2015 لدحر محاولة الاستيلاء من قبل الحوثيين (أنصار الله)، وهو فصيل تدعمه
إيران، واستعادة حكومة اليمن الهشة المعترف بها دولياً. وقالوا إن الحرب،
وهي مبادرة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وبدعم من الولايات المتحدة،
ستنتهي في غضون أشهر. بعد أربع سنوات، فشلت الحرب في طرد الحوثيين وحولت
اليمن إلى ما أسمته الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
أخبر مايك هيندمارش، الجنرال الأسترالي المتقاعد الذي يتولى قيادة الحرس
الرئاسي الإماراتي، الزوار الغربيين مؤخراً أن اليمن أصبح مستنقعاً حيث كان
الحوثيون “هم فيتكونغ اليمن” في إشارة إلى الثوار الفيتناميين ضد
الأميركيين.
وقال مايكل ستيفنز من المعهد الملكي المتحد للخدمات، وهو مجموعة بحثية في
لندن، إن الانسحاب “سيكشف للسعوديين حقيقة أن هذه الحرب فاشلة. إنه يخبرنا
أن اثنين من الخصمين الرئيسيين على جانب التحالف، السعودية والإمارات، ليس
لديهما نفس الفكرة عن شكل النجاح.”
وقال دبلوماسيون إن السعوديين شعروا بخيبة أمل عميقة من القرار الإماراتي.
قال دبلوماسي غربي مطلع على الأمر إن كبار المسؤولين في البلاط الملكي
تدخلوا شخصياً مع الزعماء الإماراتيين لمحاولة إثنائهم عن الانسحاب.
وقال العديد من الأشخاص الذين أطلعهم الإماراتيون على الأمر أنهم تجنبوا إعلان قرارهم علناً جزئياً لتقليل تعاسة السعوديين.
لكن مسؤولاً في السفارة السعودية في واشنطن نفى أن يكون قادة المملكة “غير سعداء” بالأمر.
وقال المسؤول، شريطة عدم الكشف عن هويته وفقًا للقواعد السعودية، فإن “قادة الدولتين يظلون متفقين استراتيجياً مع أهداف اليمن”.
وقال المسؤول “إن التغييرات التكتيكية أو العملياتية أثناء الحملات أمر
طبيعي ويتم تنفيذها بالتنسيق مع التحالف”، مضيفاً أن أي فراغ تركه الانسحاب
الإماراتي سوف تملأه القوات اليمنية التي تم تدريبها على الوقوف بمفردها.
ويؤكد المسؤولون الإماراتيون أنهم لن يغادروا اليمن بالكامل. إن مهمة
مكافحة الإرهاب التي تركز على ملاحقة متشددي تنظيم القاعدة، وهو مصدر قلق
أميركي أساسي في اليمن، لم تمس.
سوف يحافظ الإماراتيون على تواجد منخفض في عدن، المدينة الرئيسية في
الجنوب، وسيواصلون دعم تحالف يضم نحو 16 ميليشيا يمنية، يقدر عدد عناصرها
بنحو 20000 رجل، وهم يقومون بمعظم القتال على طول ساحل البحر الأحمر في
منطقة الحديدة.
لكن قيادة القوات اليمنية المنقسمة حولت إلى السعودية. قال مسؤول يمني رفيع
المستوى يوم الخميس إن الضباط السعوديين تولوا المسؤولية في قاعدتين
إماراتيتين على البحر الأحمر، في المخا والخوخا.
لكن السعوديين لديهم خبرة قليلة على تلك الجبهة، وأثارت التغييرات المفاجئة
المخاوف من أنه من دون الإماراتيين المدججين بالسلاح للحفاظ على السلام،
يمكن أن يبدأ اليمنيون في الخلاف فيما بينهم.
وقال مايكل نايتس، وهو زميل بارز في “معهد واشنطن” إن “الشيء الوحيد الذي
يمنع الحوثيين من السيطرة على اليمن هو القوات الإماراتية المسلحة. الآن
يتم سحب الغراء الذي كان يمسك اليمن ببعضه”.
يمكن أن يدفع الانسحاب الحوثيين إلى الاستفادة من الفراغ وإطلاق محاولات
جديدة للاستيلاء على الأرض التي خسروها أمام مجموعة القتال بقيادة
الإماراتيين العام الماضي. اشتد القتال بالفعل في بلدات استراتيجية عدة في
السهول جنوب الحديدة، مما يهدد خطوط الإمداد للقوات التي تقودها السعودية
المتمركزة حول المدينة.
ويحذر مسؤولو الإغاثة من أن القتال قد يؤدي إلى تعميق الوضع الإنساني
الخطير بالفعل في تلك المناطق، مما يهدد بارتفاع مستويات الأمراض وسوء
التغذية في بلد هدد بالمجاعة منذ العام الماضي.
تعرض السعوديون والإماراتيون لانتقادات دولية متزايدة بشأن عواقب حملتهم
الجوية، التي أودت بحياة نحو 8000 مدني، وفقاً لتقرير مشروع بيانات الأحداث
والمنازعات المسلحة، وللسياسات المتعلقة بالحرب الاقتصادية التي أدت إلى
تقييد إمدادات الغذاء في الكثير من مناطق الشمال التي يسيطر عليها
الحوثيون. كما اتُهم الحوثيون بالمساهمة في المشكلة عن طريق تحويل
المساعدات الدولية أو التلاعب بها.
مع تصاعد الضغوط، تباعدت المصالح السعودية والإماراتية في اليمن. لقد حقق
الإماراتيون هدفهم إلى حد كبير في حماية طرق الشحن في خليج عدن وأماكن أخرى
في اليمن. ومع ذلك، فإن السعوديين قد انخرطوا في حماية حدودهم الطويلة مع
اليمن. فمنذ بدء القتال في عام 2015، قام الحوثيون بمضايقة السعودية
باستمرار بالصواريخ وطائرات بدون طيار وغيرها من التوغلات في الأراضي
السعودية، مما رفع المخاطر على الرياض.
أطلق الحوثيون مؤخراً صواريخ على المطارات السعودية رداً على الحصار
السعودي لمطار صنعاء، العاصمة التي يسيطر عليها الحوثيون. في حزيران –
يونيو الماضي، أصاب صاروخ محطة وصول القادمين في مطار أبها السعودي، مما
أسفر عن إصابة 26 شخصاً.
في العام الماضي، قاد الإماراتيون تقدماً عسكرياً كاسحاً على ساحل البحر
الأحمر إلى ضواحي الحديدة، القناة الرئيسية لاستيراد الأغذية إلى اليمن.
لكن الحملة توقفت بسبب المقاومة الحوثية وصيحة دولية بسبب المخاوف من أن
ميناء الحديدة قد يغلق، مما يعرض الإمدادات الغذائية لملايين اليمنيين
الذين تهددهم المجاعة.
أصبح الدعم الأميركي للتحالف الذي تقوده السعودية، بما في ذلك الدعم
الاستخباراتي واللوجستي بالإضافة إلى بيع الطائرات والقنابل، أكثر إثارة
للجدل في الولايات المتحدة مع تزايد الخسائر المدنية في الحرب. في الولايات
المتحدة، انتشرت معارضة الحرب بعد قيام عملاء سعوديين بقتل الصحافي المنشق
جمال خاشقجي في الخريف الماضي.
أصدر الكونغرس قراراً من الحزبين لإنهاء التدخل الأميركي، لكن الرئيس
دونالد ترامب، الذي كان مؤيداً قوياً لولي العهد السعودي، اعترض عليه. وعلى
الرغم من دوره في الحرب، فقد حذر قادة البنتاغون لسنوات من أن النصر
العسكري غير ممكن، وحض التحالف الذي تقوده السعودية على التفاوض على تسوية
سياسية.
ومن بين المسؤولين الأميركيين الذين شجعوا الإماراتيين على الانسحاب من
الحديدة وزير الدفاع السابق جيم ماتيس، ووزير الخارجية السابق جون كيري،
والسيناتور ليندسي غراهام، وهو جمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية.
وقال مسؤول أميركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة تقييمات الحكومة
الداخلية، إن الإماراتيين “سئموا ببساطة من احتمالات الجمود والآفاق
المظلمة للانتصار في ساحة المعركة”.
لكن السعوديين، برغم ذلك، ربما لا يزالون يؤمنون بالنصر العسكري. وقال بيتر
ساليسبري من “المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات”: “هناك أصوات في الرياض
تعتقد أن الحوثيين يمكن أن يتعرضوا لألم يكفي لفعل ما تريده السعودية. لكن
هذا يبدو وكأنه تفكير بالتمني، وهو ليس بديلاً جيداً للاستراتيجية”.
هناك علامات على أن التوترات الأخيرة مع إيران تقوم بتغيير الحسابات
السعودية. احتمال قيام صراع مع إيران، في الوقت الذي تقاتل فيه المملكة لصد
صواريخ الحوثيين التي تعبر الحدود الجنوبية للمملكة، قد أقنع السعوديين
بالتوصل إلى سلام مع الحوثيين، وفقاً لمسؤول غربي التقى بالسعوديين.
وقال المسؤول السعودي إن أهداف المملكة كانت دائماً “حلاً سياسياً للصراع،
وهو الحل الذي يوفر سلاماً واستقراراً مستدامين”. وأضاف أن الهدف العسكري
هو “الضغط على ميليشيا الحوثيين للعودة إلى طاولة المفاوضات.”
لكن الحكومة اليمنية، التي يوجد مقرها حالياً في مدينة عدن الجنوبية، قد
تكون أقل اهتماماً بالتوصل إلى تسوية سلمية. وفي صراع مرتبط ارتباطاً
وثيقًا بإرث الأمير محمد بن سلمان، فإن أي تسوية سياسية تتطلب إيجاد وسيلة
لحفظ ماء الوجه لكلا الجانبين.
قال سالزبوري: “إن أفضل طريقة لإنهاء الحرب هي أن يكسر الجانبان الخبز. لكن
تكلفة إنهاء الحرب قد تكون مرتفعة للغاية بالنسبة للسعوديين، من حيث حفظ
ماء الوجه. ويمكن عرقلتها من قبل الحكومة اليمنية”.
ترجمة: هيثم مزاحم – الميادين نت
Views: 8