رغم أنه لا يبدو أن هناك تغييراً كبيراً في السياسة الأميركية في المستقبل القريب، فإن “إسرائيل” ستراقب العلاقات الأميركية – الإيرانية بقلق بعد رحيل جون بولتون.
لا شك أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزل مستشاره للأمن القومي جون بولتون لم يلقَ قبولاً حسناً في “إسرائيل” ولدى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو والأوساط المؤيدة له في الولايات المتحدة الأميركية.
صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” وصفت في تقرير لها أمس بولتون بأنه أحد أقرب حلفاء “إسرائيل” في البيت الأبيض وأحد مؤيديها البارزين في انتهاج خط متشدد ضد إيران. وقالت إنه “يُعتبر واضع سياسة البيت الأبيض المتشددة تجاه إيران”، عازية سبب الإقالة إلى خلافات قوية حول عدد من القضايا السياسية.
وقالت الصحيفة إن خروج بولتون من الإدارة يأتي في الوقت الذي يقترب فيه ترامب من إجراء محادثات مباشرة مع إيران، وإنه من المحتمل أن يشير ذلك إلى تحول في استراتيجية الإدارة نحو خط أكثر ليونة مع طهران. وكشفت الصحيفة أن بولتون شعر بالاستياء لأن ترامب أشار إلى أنه مستعد للقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني لإعادة التفاوض على اتفاق نووي.
وقد كتب مراسل الصحيفة رون كامبياس من واشنطن مقالة نشرت اليوم قال فيها إن مصدر الخلاف المباشر بين بولتون وترامب هو أفغانستان، حيث حاول بولتون منع ترامب من القفز إلى اتفاق سلام مع “طالبان”، وقِيل إن ضغوطه كانت وراء إلغاء اجتماع كان سيعقد هذا الأسبوع في منتجع كامب ديفيد لإعلان الصفقة.
لكنه قال إنه كانت هناك توترات أخرى بين الرجلين تهم مصالح “إسرائيل” تتعلق بالسياسة الأميركية تجاه إيران، إذ أن بولتون هو الذي قاد الجهود الأميركية لعزل إيران وهو الذي ضغط من أجل رد عسكري على إسقاط إيران لطائرة أميركية بدون طيار في حزيران / يونيو الماضي، وهي ضربة وافق عليها ترامب ثم ألغيت فجأة.
وأضافت “ذا تايمز أوف إسرائيل” أن الأسوأ من ذلك هو قول ترامب إنه يتخلى عن بولتون لأن بينهما “خلافات قوية” بشأن السياسة، وتأكيد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أن الرئيس ترامب مستعد للقاء نظيره الإيراني حسن روحاني من دون شروط مسبقة.
وكشفت الصحيفة أنه في الشهر الماضي، ورد أن نتنياهو سارع إلى التدخل بعد ظهور تقارير عن لقاء محتمل بين ترامب ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي ظهر مفاجأة في قمة مجموعة السبع في فرنسا. وقد أجرى ظريف محادثات في بياريتز في 25 آب / أغسطس 2019 مع الرئيس الفرنسي ماكرون ووزير الخارجية جان إيف لو دريان.
وصرّح بومبيو بعد ظهر أمس في مؤتمر صحافي عقد على عجل لتخمين التكهنات حول إقالة بولتون، أن ترامب مستعد للاجتماع مع الرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر. وقال بومبيو “بالتأكيد، لقد أوضح الرئيس تماماً أنه مستعد للقاء من دون شروط مسبقة”.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إنه بينما هلل الإيرانيون لرحيل بولتون، حيث قال مستشار للرئيس الإيراني، حسام الدين آشنا، إنه “علامة حاسمة على فشل إستراتيجية الضغط الأميركية القصوى” تجاه إيران، فإن الإسرائيليين يخشون من أن يؤدي اجتماع ترامب-روحاني إلى حد كبير إلى نتائج على غرار القمم بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، حيث يظهر ترامب تقاربه مع كيم بالتزامن مع استمرار اختبار الأسلحة في كوريا الشمالية.
وقبل ساعات قليلة من مغادرته، نشر بولتون تغريدة على “تويتر” قال فيها: “الآن وقبل أسبوعين من اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، يمكنك التأكد من أن إيران تعمل ساعات إضافية على الخداع”.
وقد نقلت الصحيفة عن دانييل بليتكا، نائبة رئيس معهد “ذا أميريكان إنتربرايز”، حيث عمل بولتون أيضاً في السنوات التي لم يكن فيها في الإدارة الأميركية، تحذيرها من تصور رحيل بولتون كإشارة إلى حدوث تغيير جذري في السياسة الأميركية تجاه “إسرائيل”. وأشارت بليتكا إلى أن آخرين في الإدارة، بمن فيهم بومبيو وجاريد كوشنر، وهو صهر ترامب ومستشار كبير له، موالون لإسرائيل مثل بولتون. وقالت “لا أعتقد أن جون بولتون هو واضع السياسة الأميركية تجاه إسرائيل”.
وأشار بومبيو إلى نقطة مماثلة في مؤتمره الصحافي، قائلاً إنه لا ينبغي قراءة الكثير في رحيل بولتون. وقال: “لا أعتقد أنه ينبغي لأي قائد في العالم أن يفترض أنه لمجرد أن أي واحد منا يغادر بأن السياسة الخارجية [للرئيس ترامب] مختلفة”.
وقالت “ذا تايمز أوف إسرائيل” إن القلق الأوسع لـ”إسرائيل” يمكن أن يكون تعزيز اتجاهات ترامب الانعزالية حيث كان يُنظر إلى بولتون في كثير من الأحيان على أنه يستفز لاتخاذ موقف عسكري أميركي أكثر قوة، وهو اتجاه قاومه ترامب.
وأوضحت “الصحيفة أنه “لعقود، رأى الزعماء الإسرائيليون السياسة الأميركية من خلال مؤشرين اثنين: تفاصيل التحالف الثنائي، بما في ذلك المساعدات المالية وغيرها من المساعدات لإسرائيل، والإسقاط العالمي للقوة الأميركية، الذي يميل إلى إسرائيل كواحد من أقرب حلفائها”.
ففي السابق، كان يُنظر إلى ترامب على أنه تحسن عام عن أسلافه من الرؤساء، حيث اتخذ خطوات مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بمطالبة “إسرائيل” بالجولان السوري المحتل “وتشجيع الدول العربية السنية على التحالف مع إسرائيل حتى في غياب التقدم نحو اتفاق سلام مع الفلسطينيين”، بحسب الصحيفة.
ورأت الصحيفة أنه في المؤشر الثاني، تثير إقالة بولتون مخاوف. وقالت دانييل بليتكا “هناك أشخاص في الدائرة الداخلية للرئيس يختلفون مع القيادة العالمية الأميركية. هناك أشخاص داخل البيت الأبيض يعتقدون أن الإنفاق الدفاعي والمساعدات الخارجية مضيعة ويجب أن نتعامل مع الأمور في الداخل”.
ومما يضاعف المخاوف – بحسب الصحيفة – هو النبرة المريرة لرحيل بولتون. فعلى تويتر، تناقض بولتون مع ترامب وأصر على أنه استقال. وقام كل من بومبيو ووزير الخزانة ستيف منوشين بالتصويب على بولتون، واستشهد منوشين بدعم بولتون لحرب العراق عام 2003 كأحد أسباب إقالته، كما لو كان الأمر لم يكن واضحاً عندما عُين بولتون مستشاراً للأمن القومي في عام 2018.
وقام وكلاء بولتون بالرد. ونقلت قناة CNBC عن “مصدر مقرب من بولتون” قوله: “منذ أن عمل السفير بولتون مستشاراً للأمن القومي على مدار الـ17 شهراً الماضية، لم تكن هناك أية صفقات سيئة”.
وقد حصل بولتون على وداع مؤثر من “الائتلاف اليهودي الجمهوري” RJC، وهي المجموعة التي احتضنت رئاسة ترامب بحماس في العام الماضي. وقال مات بروكس، المدير التنفيذي للائتلاف على موقع “تويتر”: “شكراً على صداقتكم الطويلة والوضوح الأخلاقي والدفاع القوي عن أميركا وحلفائنا، وبخاصة إسرائيل”.
وقالت “ذا تايمز أوف إسرائيل” إن الديمقراطيين بدأوا بالانقضاض على إدارة ترامب التي شهدت تغيراً كبيراً في صفوفها العليا. ونقلت عن هالي صيفر، المدير التنفيذي للمجلس اليهودي الديمقراطي الأميركي، تغريده على موقع تويتر: “هذا الدور لمجس الأمن القومي والحكومة لم يسبق له مثيل ودلالة واضحة على قيادة ترامب الفاشلة، محلياً وعالمياً. إنه يشير أيضاً إلى عدم اتساق وخطر سياسة ترامب الخارجية غير المنتظمة.”
وكان بولتون، أحد صقور الحرب الذي شغل سابقاً منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في إدارة جورج دبليو بوش، قد قاد سياسة “الضغط الأقصى” للإدارة ضد إيران والتي تهدف إلى شل اقتصاد البلاد وربما إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية.
وذكّرت الصحيفة بأنه تم التهليل بتعيين بولتون بشكل كبير من قبل حكومة “إسرائيل” اليمينية، التي دفعت الإدارة إلى التخلي عن الاتفاق النووي واتخاذ موقف أكثر تشدداً تجاه إيران. وهو يرتبط بولتون بعلاقات عميقة مع الجالية المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة والتي تعود إلى دفاعه الصريح عن “إسرائيل” خلال فترة عمله كسفير للأمم المتحدة في منتصف العقد الأول من القرن العشرين وإلى دوره المحوري كمسؤول في وزارة الخارجية في أوائل التسعينيات في إلغاء قرار الأمم المتحدة باعتبار “الصهيونية عنصرية”.
ولم يفصح ترامب عن الخلافات القوية بينه وبين بولتون، لكن التقارير ذكرت أن الاثنين اختلفا بشأن نطاق خطة السلام التي يأمل ترامب في انتزاعها من حركة “طالبان” في أفغانستان. فقد شعر المحافظون التقليديون الذين يتعاطفون مع بولتون بالفزع الشديد لقيام ترامب بدعوة حركة طالبان إلى كامب ديفيد لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق السلام قبل أيام من ذكرى هجمات 11 أيلول / سبتمبر التي نفذت في عام 2001 من قبل حليف “طالبان”، تنظيم القاعدة. وقد ألغى ترامب اتفاق السلام في نهاية الأسبوع الماضي.
وضمن مواقف بولتون في السياسة الخارجية، عدد الصحيفة أن بولتون قد دعا إلى توخي الحذر بشأن تقارب الرئيس ترامب مع كوريا الشمالية وكان ضد قرار ترامب العام الماضي بسحب القوات الأميركية من سوريا. وكان العقل المدبر لحملة هادئة داخل الإدارة ومع الحلفاء في الخارج لإقناع ترامب بإبقاء القوات الأميركية في سوريا للتصدي لبقايا “داعش” والنفوذ الإيراني في المنطقة. كما قاد موقف الإدارة العدواني تجاه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
ترجمة وإعداد: هيثم مزاحم – الميادين نت
Views: 6