بَدا رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، وهو يوجّه رسالته في الذكرى الثالثة لانتخابه، كَمَن يتلو خطاب قسم جديد مشحون بالتطوّرات الجارية من الانتفاضة الشعبيّة إلى استقالة الحكومة، مُحدّداً مواصفات الحكومة الجديدة لتكون «منسجمة وقادرة على الإنتاج، ولا تُعرقلها الصراعات السياسيّة والمناكفات، ومدعومة من شعبِها»، وفق ما قال. وإذ لم يأت عون على ذكر الاستشارات الملزمة التي عليه أن يجريها لتسمية من سيكلفه تأليف الحكومة الجديدة، علمت «الجمهورية» انه يستأخِر الدعوة الى هذه الاستشارات في انتظار حصوله من مختلف الافرقاء على أجوبة حول الحكومة العتيدة رئيساً وشكلاً ومضموناً، فيما يعكف هؤلاء على مراجعة ما جرى تمهيداً لتحديد خياراتهم ازاء الحكومة العتيدة، في ظل انطباع مفاده انّ المرحلة ما تزال تفرض بقاء الحريري في رئاسة الحكومة بغضّ النظر عمّا سبق استقالته ورافقها وأعقبها من مضاعفات، فالواقع السائد هو واقع احتوائي وليس واقعاً يفرض الدخول في تصفية حسابات سياسية، وإنما يفرض الذهاب الى خطوات عملية لتجنيب البلاد خطر الانهيار المالي. وليلاً كشف مسؤولان اميركيان لـ«رويترز» عن تجميد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساعدات عسكرية بقيمة 105 ملايين دولار كانت مخصصة للبنان.
تحدّث عون في رسالته عمّا قامت به الحكومة المستقيلة من خطوات شاقة وإقرار لمشاريع وخطط مهمة، “ولكن مشكلتها كما سابقاتها انّ المقاربات فيها سياسية اكثر ممّا هي تقنية وتنفيذية، وشرط الاجماع الذي اعتمده البعض حال دون التوصّل الى الكثير من القرارات الضرورية”.
وعن الحكومة الجديدة، دعا الكتل النيابية الى تسهيل ولادتها محذّراً القيادات والمسؤولين من “انّ استغلال الشارع في مقابل آخر هو أخطر ما يمكن ان يهدد الوطن وسلمه الاهلي”، وقال: “انّ الاعتبار الوحيد المطلوب هذه المرة هو ان تلبّي الحكومة طموحات اللبنانيين وتنال ثقتهم، ولذلك يجب ان يتم اختيار الوزراء وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية أو استرضاء للزعامات، فلبنان عند مفترق خطير، خصوصاً من الناحية الاقتصادية، وهو بأمسّ الحاجة الى حكومة منسجمة قادرة على الانتاج، لا تعرقلها الصراعات السياسية، ومدعومة من شعبها”. ولفت الى انّ لبنان سيدخل بعد شهرين نادي الدول المنتجة للنفط، بعد ان أصرّ على إقرار الحكومة مراسيم استخراج النفط والغاز، ما سيؤمّن متنفّساً اقتصادياً على المدى الطويل.
وتوجّه عون الى اللبنانيين الذين شاركوا بالاعتصامات، ولاسيما منهم الشباب، قائلاً: “على رغم من كل الضجيج الذي حاول ان يخنق صوتكم الحقيقي ويشَوّش عليه ويذهب به الى غير مكانه، تمكّنتم من ايصال هذا الصوت الذي صَدح مطالباً بحكومة تثقون بها، وبمكافحة الفساد الذي نَخر الدولة ومؤسساتها لعقود وعقود، وبدولة مدنية حديثة تنتفي فيها الطائفية والمحاصصة”.
وأضاف: “أمامنا وإيّاكم عمل دؤوب لإطلاق ورشة مشاورات وطنية حول الدولة المدنية، لإقناع من يجب إقناعه بأهميتها وضرورتها”.
وعلى صعيد آخر، لم يبرز اي مؤشر حتى الآن الى عزم رئيس الجمهورية الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، قبل انتهاء حركة المشاورات التي ستجريها الكتل النيابية والقوى السياسية بين بعضها البعض لتحديد خياراتها، حول مَن سترسو عليه التسمية في الاستشارات، وهو أمر يفترض ان يتبلور في الايام القليلة المقبلة، علماً أنه ثمة كلاماً عن انّ رئيس الجمهورية سيدعو يوم الاحد الى الاستشارات الملزمة لتبدأ الاثنين المقبل، إلّا انّ هذا الامر لم تؤكده دوائر القصر الجمهوري.
وفي هذا السياق، اكدت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” انه حتى الآن لم يتم الدخول في أسماء المرشحين لتشكيل الحكومة، وهذا معناه انّ كل الخيارات مفتوحة، وانّ الحريري هو أحدها، إنما ليس خياراً نهائياً بعد.
ولفتت المصادر الى انّ المسألة معقدة لجهة التكليف والتأليف ايضاً، فالتكليف غير محسوم لأحد بعد، وامّا التأليف فهو يرتبط بشكل الحكومة التي لم يُتّفق عليه بعد، وكذلك مكونات هذه الحكومة التي لا يمكن ان تنطلق بإبعاد مكونات سياسية أساسية عنها، سواء أكان تيار “المستقبل” او غيره.
وكان البارز أمس، التواصل المباشر بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري، عبر الوزير علي حسن خليل الذي زار الرئيس المستقيل لساعة ونصف.
وامتنع بري عن الخوض في تفاصيل اللقاء، إلّا انه اشار الى انه “بداية بحث، ويؤمل ان يتم الخروج من هذا الواقع وتشكيل حكومة في اقرب وقت”.
وليلاً، أعادت كلمة رئيس الجمهوريّة الزخم إلى المحتجّين الذين عاوَدوا قطع الطرق التي كان الجيش والقوى الأمنيّة قد فتحاها صباحاً، وأبرز الطرق التي أُقفلت: جسر الرينغ على المسلكَين في بيروت، طريق صيدا عند تقاطع إيليا، أوتوستراد طرابلس والجيّة. فيما عمل الجيش ليلاً على فتح معظمها من دون حصول إشكالات، باستثناء تَدافع حصل بين القوى الامنية ومتظاهرين عند جسر الرينغ.
امّا في طرابلس، فتوجّه عدد من الشبّان والشابّات إلى بعض المؤسّسات العامّة ومكاتب المنطقة التربوية والمكاتب الرئيسيّة لشركتي الخلوي وسنترال الميناء وبعض المصارف، حيث أقفلوها وأجبروا الموظّفين على مغادرتها.
وللمرة الاولى منذ نحو أسبوعين، تعود السوق المالية في لبنان الى العمل، مع اعادة فتح المصارف أبوابها امام الزبائن. ويترقّب المتابعون حجم الحركة التي ستشهدها المصارف ونوعيتها ليبنوا على الشيء مقتضاه. فهل ستكون هناك حال هلع وجنوح نحو سحب أكبر مقدار من السيولة، أو محاولات تحويل اموال الى الخارج، أم انّ الحركة ستكون مقبولة انطلاقاً من استقالة الحكومة الحالية، وإمكان تشكيل حكومة جديدة يمكن ان توحي بالثقة وتوقِف النزف المالي؟
والسؤال الأهم ما هي الاجراءات التي ستعتمدها المصارف للحَد من النزف المالي؟ وهل من قيود غير معلنة ستتضّح معالمها اليوم؟ وما هي تأثيراتها على الحركة المالية عموماً؟
الى التساؤلات المطروحة، من المؤكد أنّ المصارف ستشهد زحمة غير اعتيادية، ليس للراغبين في سحب المال فحسب، بل ايضاً للذين تأخّروا عن تسديد فاتورة أو سند أو استحقّت إيداعاتهم في خلال الاقفال ويرغبون في تغيير وضعية ودائعهم. وبالتالي، سيكون الضغط كبيراً على المصارف. وقد سجلت حملات لناشطين تحت عنوان “اسحبوا بس اللي عايزينو، الاقتصاد مسؤوليتنا”، في محاولة لعَقلنة سلوك المواطنين في اليوم الأول لإعادة فتح المصارف.