في حوار مع “الميادين نت” يصرّح زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي أن إردوغان لم يكن يرى داعش تنظيماً إرهابياً لأسباب عقائدية، ويقول إنه كان بإمكانه أن يمنع جرائمه لو تصدّى له منذ البداية،
كليجدار أوغلو للميادين نت: إردوغان لم يكن يرى داعش تنظيماً إرهابياً
منذ بدايات الأزمة السورية اتّخذ حزب الشعب الجمهوري في تركيا وزعيمه كمال كليجدار أوغلو موقفاً واضِحاً وحاسِماً ضد سياسات الرئيس التركي وتدخّله المباشر في سوريا، وهو الموقف الذي اتّخذه عدد من السياسيين الأتراك بمَن فيهم عبداللطيف شنار نائب رئيس الوزراء سابقاً في حكومة إردوغان (2002-2007)، إضافة إلى يشار ياكيش وزير الخارجية في أول حكومةٍ للعدالة والتنمية بعد انتخابات 2002، ومعهم عدد من الصحافيين والأكاديميين والجنرالات والدبلوماسيين المُتقاعدين.
أحد هؤلاء سفير تركيا السابق في واشنطن فاروق لوغ أوغلو الذي التقى الرئيس بشّار الأسد في 5 أيلول/سبتمبر 2011 في دمشق مُمثّلاً عن كليجدار أوغلو.
ومنذ ذلك التاريخ اتّخذ كليجدار أوغلو موقفاً واضحاً ضد سياسات رجب طيب إردوغان في سوريا والمنطقة عموماً، وقال عنه إنه “يُنفّذ تعليمات أميركا في سوريا باعتباره شريكاً في مشروع الشرق الأوسط الكبير”.
من هذا المُنطلَق كانت مسألة سوريا بالضرورة الموضوع الأساس خلال لقائنا المطوَّل مع كليجدار أوغلو الذي تطرّقنا فيه إلى تفاصيل السياسة الداخلية التركية أيضاً.
زعيم حزب الشعب الجمهوري حمَّلنا عتباً على الإعلام العربي بسبب عدم الاهتمام بحزبه المُناهِض لسياسات إردوغان منذ بداية الأزمة السورية.
قلت له “في هذه الحال سوف ألخّص ما أسمعه منك للميادين نت ليكون هذا المُلّخّص بداية انفتاحك على الإعلام العربي، على الأقل المقاوِم منه، كما قاومت أنت ما يُسمَّى بالربيع العربي”. ابتسم مضيفنا قائلاً “وأنت أيضاً دفعت الثمن، فزجّوك في السجن لكنك ما زلت تكتب وتتحدّث هنا وفي الخارج”.
بدأنا مُقابلتنا من حديث الساعة، فكان أول ما تطرَّقنا إليه مقتل أبو بكر البغدادي، زعيم داعش. جواب كليجدار أوغلو جاء سريعاً وحاسِماً إذ قال “إن خطر داعش ما زال مستمراً على الرغم من مقتل زعيمه البغدادي وعدد من مُساعديه، والسبب في ذلك أن للتنظيم خلايا نائِمة في سوريا والعراق ودول أخرى، كما أن الآلاف من عناصر داعش وعائلاتهم موجودون في المخيمات التي تحميها الميليشيات الكردية بعد أن تم نقل المئات منهم إلى تركيا، فيما نُقِل آخرون إلى القواعد الأميركية غرب العراق”.
وتابع “كان للتنظيم خلايا وحلقات في 76 ولاية تركية، ولم يكن إردوغان يرى داعش، لأسبابٍ عقائدية آنذاك، تنظيماً إرهابياً. قام داعش بعددٍ من الأعمال الإرهابية في المدن التركية ومنها إسطنبول وأنقرة وغازي عنتاب، وأدَّت هذه العمليات إلى مقتل مئات المواطنين الأتراك والأجانب، وكان بإمكان السلطات التركية أن تمنعها، لكنها لم تفعل ذلك بأمرٍ من الحكومة، التي لو تصدَّت لداعش بشكلٍ جدي منذ عام 2014، عندما هدَّد بتدمير ضريح سليمان شاه قرب الرقة، لما وصل التنظيم إلى ما وصل إليه في سوريا والعراق”.
كليجدار أوغلو كرَّر موقفه المُعلَن عنه في أكثر من مناسبة في ما يتعلّق بالعمليات العسكرية التركية شرق الفرات وقال “إن منطق إردوغان خاطئ في الأساس لأنه وأتباعه يتحدَّثون عن الفتوحات وكأن أنقرة تُقاتِل لضمّ شرق الفرات إلى تركيا، كما أنه لا يستخلص الدروس والعِبَر من تجاربه الفاشلة في سوريا، فقد تحدَّث عن منطقةٍ آمِنة على طول الحدود مع سوريا بطول 480 كم، لكنه اكتفى بمنطقتين ضيّقتين بين رأس العين وتل أبيض، واضطر إلى إنهاء العمليات العسكرية بناء على تعليمات الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب”.
وأضاف “كان من الأولى عليه أن يبحث هذا الموضوع منذ البداية مع الرئيس السوري بشّار الأسد، لأن تركيا لا يمكن لها أن تتخلَّص من الإرهاب والإرهابيين إلا عبر المُصالحة وبالتالي التنسيق والتعاون المباشر مع الدولة السورية باعتبارها صاحبة الأرض شرق الفرات، ولأن القضاء على الإرهاب والإرهابيين هو من مسؤولية الدولة والشعب في سوريا أساساً، وما علينا إلا أن نساعدهما في حربهما ضد الإرهابيين أياً كانت تسمياتهم، من “النصرة” إلى “داعش” و”الجيش الحر” ووحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية وغيرها. كما أن تركيا لا تستطيع أن تُعالِج مشكلة اللاجئين إلا مع دمشق من دون أن ننسى أن إردوغان هو سبب هذه المشكلة أساساً”.
كليجدار أوغلو: سياسات إردوغان في سوريا والمنطقة تُعدّ مؤشِراً على إفلاس السياسة الخارجية بالكامل
وعن خلفيات وأسباب اتهامه للرئيس إردوغان في هذا الموضوع، عاد كليجدار أوغلو ليوضِح من جديد: “إردوغان هو مَن أرسل الأسلحة والمعدَّات القتالية إلى المجموعات الإرهابية في سوريا بالتعاون مع بعض الدول الخليجية والغربية، وهو مَن حرَّض المسلمين ليقتلوا بعضهم البعض، وسمح للآلاف من الإرهابيين الأجانب بدخول سوريا عبر الحدود المشتركة ونقل جرحاهم إلى المستشفيات التركية للعلاج، ثم عاد وأرسلهم من جديد إلى سوريا وأعلن أنه سيُصلّي في الجامع الأموي، فانتهج لهذه الغاية سياسات طائفية إخوانية وقومية عنصرية، وتصرَّف كأنه سلطان يُقرِّر كل شيء”.
وحمَّل كليجدار أوغلو إردوغان مسؤولية العزلة التي تعاني منها تركيا بسبب سياساته الاستفزازية والعدائية، بحسب تعبيره. وقال “بفضل هذه السياسات لم يعد لنا أيّ صديق في المنطقة، لا بل في العالم، بما في ذلك تلك الدول التي كانت حليفة لأنقرة في بدايات الحرب السورية”.
وأبدى كليجدار أوغلو استغرابه من حديث إردوغان المُتكرِّر عن التزامه بوحدة سوريا وسيادتها واستقلالها، وقال “إن إردوغان نفسه يستمر في مغامراته داخل سوريا ويرسل قواته إلى الداخل السوري ويدعم ويُسلّح ويُموّل عشرات الآلاف من المسلحين ضمن إطار ما يُسمّى “الجيش الوطني السوري” الذي تعتبره دمشق إرهابياً كما نعتبر نحن المليشيات الكردية في سوريا إرهابية”.
وناشد كليجدار أوغلو الرئيس إردوغان بالكفّ عن مُخطّطاته ومشاريعه العسكرية والتفكير بالانسحاب التدريجي من سوريا وإقامة علاقات دبلوماسية وصداقة وحُسن جوار مع الدولة والشعب السوريين، ليساهم ذلك في توطيد علاقات إقليمية أوسع مع دول الجوار لاسيما مع العراق وإيران، “حان الأوان لأن تتعاون هذه الدول وتتّفق في ما بينها لمُعالجة أزماتها معاً بعيداً من أيّ تدخلٍ خارجي مهما كان شكله، وهذا سيكون لصالح تركيا في جميع المجالات”، يؤكّد كليجدار أوغلو.
ويُشدِّد المُعارِض التركي على ضرورة خلق الظروف المُلائمة من أجل إيجاد الحل النهائي للأزمة السورية في إطار قرارات الأمم المتحدة وتوصيات منصّات أستانة وسوتشي وجنيف، ويدعو إلى مساعدة الشعب السوري بكل فئاته العِرقية والدينية والطائفية والاجتماعية والقبلية من أجل تقرير مصيره بشكلٍ حرٍ وديمقراطي من دون أية تدخّلات خارجية، كما يُشدّد على ضرورة حماية نظامه التعدّدي العلماني الحضاري في إطار الدستور الجديد من دون أيّ تدخل أو ضغوط خارجية، وهو الدستور الذي سيتّفق عليه أعضاء اللجنة الدستورية التي بدأت أعمالها في جنيف”.
ويقول كليجدار أوغلو “على إردوغان أن يوضح لنا لماذا تحوَّل فجأة إلى عدوٍ لدودٍ للرئيس الأسد وللشعب السوري، ولماذا استعدى الدولة السورية التي لم تفعل أي شيء ضد تركيا، على الرغم من كل ما فعله إردوغان ضدّها ورغم أنه ما زال يدعم الإرهابيين ويحميهم في إدلب، وعلى الرغم من تعهّداته في سوتشي”.
كليجدار أوغلو اعتبر أن شعار أتاتورك “السلام في الوطن والسلام في العالم” هام جداً ويصلح كقاعدةٍ تقوم عليها علاقات تركيا مع دول الجوار. يقول “لقد كان أتاتورك حريصاً أيضاً على عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى، وأوصى بعدم التدخّل في الخلافات العربية- العربية”.
وعبَّر كليجدار أوغلو عن انزعاجه من أسلوب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في رسالته لإردوغان، كذلك من تغريداته التي هدَّد فيها إردوغان وتوعَّد تركيا. وأوضح: “في العلاقات الدبلوماسية هناك ما يُعرَف بالمعاملة بالمثل، فإذا أهان ترامب إردوغان، على إردوغان أن يردّ عليه بالمثل، ليس ناطقاً باسمه فقط، بل باسم الدولة والأمّة التركيتين”.
وأضاف “يبدو أن إردوغان يخشى مُلاحقة القضاء الأميركي له بسبب ثروته الشخصية وثروة أولاده وعائلته. وأسلوب معاملة ترامب للرئيس إردوغان مادة تستحق أن تُدرَّس في كليات السياسة والعلاقات الدولية، بعد أن أثبت ولسببٍ ما أنه يخاف من ترامب، وما عليه إلا أن يُلغي زيارته المُقرَّرة إلى واشنطن في 13 الشهر الجاري”.
واعتبر كليجدار أوغلو أن سياسات إردوغان في سوريا والمنطقة تُعدّ مؤشِراً على إفلاس السياسة الخارجية بالكامل، الأمر الذي يدفعه إلى إلهاء الشعب التركي بأمورٍ خارجيةٍ حتى لا يُفكّر بمشاكله اليومية، أي الأزمة المالية وانعكاساتها على الغلاء وارتفاع الأسعار والضرائب وتدهور قيمة الليرة التركية، وهي مسائل شكًّلت مُجتمِعة، وفق كليجدار أوغلو، سبباً لهزيمة إردوغان في الانتخابات البلدية الأخيرة، حيث فاز مرشّحو حزب الشعب الجمهوري بالتحالف مع القوى الديمقراطية في عددٍ من المدن الهامة وفي مُقدّمها إسطنبول وأنقرة، “وهو ما سيكون بداية النهاية لحُكم العدالة والتنمية الذي دمَّر كل شيء”.
في نهاية اللقاء شكرت كليجدار أوغلو لاهتمامه الشخصي خلال فترة اعتقالي ومُحاكماتي المستمرة، فيما بدا أنه، أكثر من أيّ وقت مضى، مُتفائِلاً من وصول حزبه إلى السلطة في الانتخابات المقبلة، بعد أن أثبتت جميع الاستطلاعات استمرار تراجُع شعبية إردوغان بسبب أخطائه الفادِحة، والأهم مساعيه للسيطرة على جميع مؤسّسات ومرافِق الدولة لا سيما القضاء، الذي ينتظر منه إردوغان أن يساعده للتخلّص من جميع مُعارضيه ووضعهم في السجون، طالما هم يعترضون على سياساته في الداخل والخارج لاسيما في سوريا.
المصدر : الميادين نت
Views: 2