قضى البعض من المسؤولون السوريون يوم عطلتهم الأسبوع الماضي في مجمع صحارى لتعزيز النزاهة والحفاظ عليها في ورشة عمل تحت عنوان “تعزيز النزاهة من أجل التنمية”. بإشراف وزارة التنمية الإدارية -قائدة المشروع الإصلاحي، ورشة تستهدف إطلاق قانون الذمة المالية. وما أدراك عزيزي المواطن، مدى سعة ذمة مسؤولي البلد. رُبّما وسعها وسع البحر.
قانون للذمة المالية، في بلد أصبح فيه أثرياء الحرب – أثرياء – لانعدام ذمتهم، ليس المالية فقط، وإنّما الشخصية والوطنية أيضاً حيث أصبح العديد من المسؤولين، من أصحاب الذمم المالية الضخمة جداً، كل ذلك لعدم وجود قانون الذمة المالية المحاسب والرقيب.
من أين لك هذا؟ سؤال يُلخص ورشة العمل بكاملها. وجوابه ليس بالأمر العسير، “هذا من فضل ربي”، كما سيجيب كل من يُطرح عليه ذاك السؤال العجيب. يبدو أنّ الله لا يُنعم ويُفضل إلا على من هم في سلّم المسؤولية، ومن يدور في فلكهم القريب. وينسى من فضله البقية الباقية الواقعة خارج السلّم.
ورغم أنّ سورية من أكثر الدول فساداً، والأقل محاربةً له، وفقاً لتقرير منظمة الشفافية العالمية (2018) إلا أنّ ذلك لم يعنِ شيئاَ لمن هم مسؤولين عن محاربته على مدار سنوات وسنوات، حيث فكرة القانون (الكسب غير المشروع) موجودة من عام 1958، عهد الوحدة مع مصر. لكنها بقيت حبيسة الأدراج.
بلد تُعاني من تداعيات تسع سنوات حرب. خلّفت مآسي سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. ينشغل مسؤوليها اليوم بمشروع قانون الكشف عن الذمة المالية، في وقت يعاني السوري من شح موارده المالية إن لم نقل انعدامها. لكن مع ذلك يعقدون ورشتهم في جو من التفاعل والجدية والنية الحسنة في تطبيق وانفاذ ذاك القانون.
بلد لا يتجاوز دخل موظفيه ال 50$ شهرياً، ودخل/راتب رئيس حكومته ووزرائه ال 150$ شهرياً، يسعى لمكافحة الفساد ووضع قانون للحد من الكسب غير المشروع. معادلة رُبّما صعبة التحقق، ومشروع يبدو نظرياً جميل. لكن واقعياً قبيح إزاء حكومة تُمارس كل أشكال البذخ والثراء سواء في مؤتمراتها وورشها العلنية، وحتى غير العلنية منها.
“ليس بالخبز وحده يحيا الأنسان، إنّه يعيش على القوانين”. تلك مقولة لمونتسكيو. إلا أنّها تصح فقط في دولة القانون. لذلك اعذرني يا مونتسكيو، فحال السوري اليوم يقول، حتى الخبز لم يعد مُتاح كي نحيا به. فما بالك مونتسكيو بالقوانين التي دَعيت للالتزام بروحها وليس بنصها الجامد. وكم من القوانين السورية لم تطبق لا بنصها ولا بروحها.
وهذا حال وزارة التنمية الإدارية – صاحبة المشروع – التي عجزت منذ مطلع العام حتى اليوم عن تنفيذ قانونها المتعلق يتعين مدير تنمية إدارية في معظم الجهات العامة وفق معايير وضعتها بنفسها، فكيف بها تسعى اليوم للكشف عن الذمم المالية لكبار موظفي الجهاز الإداري؟ لك أن تتخيل ذلك عزيزي المواطن، وأن تُصدّق بأنّ ذلك ممكن الحدوث في بلاد الواق واق وليس في بلدك.
الأيام
Views: 7