إسرائيل تُهدِّد بجعل سورية فيتنام ثانية لإيران.. والانتقال من الرّدع إلى الهُجوم لإخراج قوّاتها.. هل تنجح؟ ولماذا نتوقع العكس؟ وما هي أسباب طَيران نِتنياهو إلى لشبونة للِقاء بومبيو بشَكلٍ عاجِل؟ وكيف سيَكون الرّد الإيرانيّ؟
عبد الباري عطوان
تتصاعد التّهديدات الإسرائيليّة بتوجيه ضَرباتٍ قويّة ضِد إيران هذه الأيّام حيثُ تُفيد تقارير استخباريّة أنّ بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيليّ، يُريد استِغلال موسم الانتخابات الأمريكيّة والحاجَة الماسّة للرئيس ترامب للحُصول على دعمِ اللّوبي الإسرائيلي للفوز فيها لولايةٍ ثانية من أجل توقيع مُعاهدة دِفاع أمريكي إسرائيلي مُشتَرك لشَنِّ حَربٍ مُوسّعةٍ ضِد إيران خلال الأشهر السّتة المُقبلة حتى يبقى في السّلطة، وما زيارته العاجِلة إلى لشبونة للِقاء مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكي، وتدفّق الجِنرالات في الجيش الأمريكي إلى تل أبيب بشَكلٍ لافتٍ الأُسبوع الماضي إلا أحد التحرّكات الرئيسيّة في إطار الاستِعدادات للحرب.
نفتالي بينيت، وزير الحرب الإسرائيلي الجديد، هدّد في مُؤتمرٍ أمنيّ نظّمته صحيفة “مكور ريشون” الإسرائيليّة بأنّه سيُحوِّل سورية إلى فيتنام أُخرى بالنّسبة إلى إيران، وتعهّد بإنهاء الوجود الإيرانيّ فيها، مُطالبًا حُكومته بالانتقال من الرّدع إلى الهُجوم في سورية.
وتزامن هذا التّهديد من قبل بينيت مع آخر أطلقه يسرائيل كاتس، وزير الخارجيّة، في مُقابلةٍ مع صحيفة “كويرا دي لا سيرا” الإيطاليّة، وقال فيه إنّ حُكومته تَدرُس إمكانيّة قصف إيران لمَنع حُصولها على أسلحةٍ نوويّة.
***
الإسرائيليّون يَشعرون أنّ اشتعال فتيل الاحتِجاجات في الدول الحليفة لإيران مِثل العِراق ولبنان، بالإضافة إلى إيران نفسها يُشَكِّل “فُرصةً نادرةً” لتوجيه هذه الضّربات في إطار مُعاهدة الدّفاع المُشترك مع الولايات المتحدة التي هِي قيد الدّرس حاليًّا، ولم يَستبعِد الوزير كاتس ضَم كُل من السعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة إليها.
الذّريعة التي يستخدمها نِتنياهو ووزراؤه لتبرير حربهم المُفتَرضة ضِد إيران وتسويقها للشّعب الأمريكيّ هو نجاحها “في إقامة طَوق ناريّ حول إسرائيل في سورية ولبنان وغزّة وأماكنٍ أُخرى”، مِثلَما قال كاتس في النّدوة المَذكورة آنِفًا.
عندما جرى توجيه سؤال إلى بومبيو في لشبونة عن جوهر مُحادثاته الطّارئة مع نِتنياهو قال “إيران أوّلًا.. إيران ثانيًا.. إيران ثالثًا”، أمّا نِتنياهو فيُريد مُعاهدة الدّفاع المُشترك مع أمريكا التي يضغط للتّعجيل بها هذه الأيّام، للحُصول على “أُم القنابل” الضّخمة القادِرة على تفجير المَحطّات النوويّة الإيرانيّة في أعماق الجِبال، وهو النّوع من القنابل الذي لا يملكه إلا الجيش الأمريكي، وجرى تجربته في جبال أفغانستان ضِد ما قيل إنّه مَلاجِئ لتنظيم “الدولة الإسلاميّة” أو “داعش” قبل عام، ويبلُغ حجم هذه القنابل العِملاقة عَشَرَة أطنان.
ما زال من غير المعروف ما إذا كانت هذه التّهديدات جديّة، أم أنّها في إطار الحرب النفسيّة المُتصاعِدة في هذا المِلف في الوقت الرّاهن، ولكن ما هو معروف أنّ إيران ماضيةٌ قُدُمًا في استِعداداتها لمُواجهتها، فقد نجحت في إنهاء الاحتجاجات التي أرادت تقويض النّظام من الدّاخل، وقدّم الرئيس حسن روحاني اليوم تَصوُّرًا عن مِيزانيّة للعام الجديد بحواليّ 134 مِليار دولار حمَلت عُنوان “مُوازنة الصّمود ومُواجهة العُقوبات الأمريكيّة”، تتضمّن رفع رواتب مُوظّفي القِطاع العام بنسبة 15 بالمئة، وتخصيص 36 مِليار دولار لمُساعدة الطّبقات الفَقيرة على مُواجهة العُقوبات، وكَشف الرئيس روحاني عن استِثمارٍ روسيٍّ قيمته 5 مِليارات دولار.
أمّا الاستِعدادات العَسكريّة فتضمّنت إنتاج طائرة مُسيّرة جديدة من طِراز “سميغ”، وفرقاطة عسكريّة عِملاقة انضمّت إلى سِلاح البحَريّة، بينما أعلن علي أصغر زارين، نائب رئيس مُؤسّسة الطّاقة الذريّة، أنّ إيران ستَكشِف قَريبًا عن جِيلٍ جديدٍ من أجهزة الطّرد المركزيّ لتَسريع تخصيب اليورانيوم.
***
إنّها أجواء حرب يقرع طُبولها نِتنياهو ورهطه، سواءً داخل فِلسطين المُحتلّة أو في أروِقَة البيت الأبيض، ووزارة الدفاع الأمريكيّة “البنتاغون”، ولعلَّ ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن عزمِ ترامب إرسال 14 ألف جُندي أمريكي إلى القواعد الأمريكيّة في الخليج إلا أحد حلَقات هذه الحرب المُحتَملة، فنَفِي هذه الأنباء لا يعني عدم صحّتها مِثلَما أثبَتَت الأيّام الماضِية.
إسرائيل لن تستطيع تحويل سورية إلى فيتنام ثانية بالنّسبة إلى إيران وقوّاتها فيها، بل ربّما يَحدُث العَكس تَمامًا، أيّ أن تكون سورية فيتنام إسرائيل القادِمة، لأنّ السّوريين وحُلفاءهم الإيرانيين الذين صمَدوا ثماني سنوات في وجه مُؤامرة كونيّة بقِيادة أمريكا، وسيَردّون الصّاع صاعَين ومعهم أذرُع حركات المُقاومة وبدَعمِ الغالبيّة السّاحقة من الشّعوب العربيّة والإسلاميّة.
جميع الحُروب التي خاضَتها إسرائيل مُنذ عام 1973 خسِرَتها جميعًا ورغم الجسر الجويّ الأمريكيّ، وباتت أطول حرب تخوضها مُنذ حرب غزّة عام 2014 لا تزيد مُدّتها عن يومين سُرعان ما تهرَع إلى القاهرة لطلبِ النّجدة والتوصّل إلى تهدئة.
فإذا كان فصيل “الجهاد الإسلامي” الصّغير عَدديًّا نِسبيًّا، الكبير في إرادة مُقاتليه، قد شَلَّ نِصف الشّعب الإسرائيلي في المُواجهةِ الأخيرة، وأحدث خسائر بمِلياريّ دولار في يومين، فكيف سيكون الحال لو اشتَركت سورية والعِراق و”حزب الله” و”حماس” إلى جانِب إيران في أيّ حَربٍ قادِمَة؟
فليتَحوّل بينيت، وزير الحرب الإسرائيليّ، من الرّدع إلى الهُجوم في سورية.. ولنَر النّتائج، ومن الخاسِر والرّابِح، ومن هو صاحب النّفس الأطوَل الذي لن يَصرُخ أوّلًا، ونحنُ في الانتِظار.. والأيّام بيننا.
Views: 2