خلال السنوات الثماني الماضية، راهن أعداء سورية بسيف العقوبات على انهيار الدولة السورية وخلق الفوضى في البلاد، إلا أن صمود الشعب السوري كان ملحميا دون مبالغة، لكنه اكتسى بالدم والعرق والحرمان لمعظم أبنائه.
تنتظر الدول المعادية لسورية والتنظيمات الإرهابية وما يسمى بـ”المعارضة” الخارجية، هذا الأسبوع، موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ما أسماه الكونغرس ومجلس النواب بمشروع “قانون سيزر” وهو حزمة عقوبات ضد سورية وروسيا وايران، وكان هذا المشروع قد طرح في 2015 وتم المصادقة عليه من قبل مجلس الشيوخ في 2017 وصدق عليه الكونغرس منذ أيام.
وسمي مشروع القرار بهذا الاسم نسبة لأحد الإرهابيين الذي اشترك مع أعداء الوطن في مسرحية فاشلة حول “تعذيب وقتل مدنيين” والمفارقة أن مشروع “سيزر” أو “حماية المدنيين السوريين” هو سيف مسلط على حياة المدنيين السوريين لأنه يستهدف اقتصادهم!
في سياق متصل، تجدر الإشارة إلى أن تقارير غربية كشفت أن “سيزر” ليست مشروعا أمريكيا خالصا، بل هناك جهات دفعت ملايين الدولارات لرشوة أعضاء من الكونغرس الأمريكي لتمريره والموافقة عليه، في الوقت الذي رفضه 42 نائبا.
وفي حال وافق ترامب على مشروع القرار الجائر وهو أمر مرجح بشكل كبير، فسيتم فرض عقوبات اقتصادية لمدة 10 سنوات على مجالات البناء الطاقة والتجارة والنقل الجوي والقطاعين المالي العسكري على سورية وروسيا وايران، كما لم يستثن رجال الأعمال وشركاء البناء والخدمات الهندسية الخاصة وحتى شركات التكنولوجيا، إضافة الى استهداف شخصيات سياسية ورجال المال والاعمال.
ويرى محللون أن حزمة العقوبات الجديدة، هي بمثابة “تحذير” لكل من روسيا وإيران لمنعها من المشاركة في “إعادة إعمار” سورية، فيما اعتبرت صحيفة “واشنطن بوست” أن مشروع القانون، يهدف أساسا إلى الضغط على سورية وحليفتيها للتفاوض مع الولايات المتحدة.
هنا علينا التوقف عند الحليفة إيران التي ستتعرض مثل سورية وروسيا الى الضغط بسبب هذا القانون الجديد في حال صدق عليه ترامب، فهي بعد سلسلة العقوبات الأمريكية المتواصلة خلال عقود وخاصة بعد انسحابها من الاتفاق النووي وإعلان حرب دبلوماسية عليها، أصبحت مكتفية ذاتيا بنحو 90% في القطاعات الصناعية والزراعية والتكنولوجية وصناعة الأسلحة، فيما كانت سابقا دولة ريعية تعتمد على النفط، صحيح أن الوضع الاقتصادي للمواطن الإيراني ليس بالجيد، بسبب التضخم وانخفاض سعر الصرف، ولكن عجلة الاقتصاد لا تتوقف، فمثلا تم إنشاء شبكات وطرق كبيرة، منها مشروع طريق الحرير والاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الاوراسي وإيجاد منافذ جديدة لتصدير النفط عبر مؤسسات ودول صديقة للالتفاف على العقوبات.
روسيا التي يشملها “سيزر” الامبريالي، كانت ترى دوما أن الغرب وخاصة واشنطن تستخدم العقوبات ضدها لتحقيق أهداف انتهازية، واصفة الإجراءات ضدها بـ”اللعبة الغبية”. هذا وقد قامت خلال 2015 بتأسيس صندوق للأزمات بمليارات الدولارات ساعدت خلاله الشركات المتضررة من العقوبات، وطورت حلول وآليات بديلة تتجاوز النظام المالي الأمريكي بالتعاون مع الصين، بالإضافة الى تطوير القطاع الزراعي والتكنولوجي والصناعات الثقيلة والأسلحة، ما ساعدها على تحقيق نسب نمو عالية، كما دشنت تحالفات جديدة وعززت من علاقاتها مع حلفاءها التاريخيين مثل سورية والصين وكوريا الشمالية وإيران والعراق وتطوير التبادلات من خلال “الاوراسية” و”البيركس”..
في سورية، تم اتخاذ عدة إجراءات على مدى سنوات لمواجهة الإجراءات الاقتصادية الأحادية الجانب والقسرية على الشعب السوري، بالاعتماد على عدة بدائل منها الاعتماد على الصناعة الوطنية واستكشاف ابار نفط جديدة والاعتماد الذاتي والاتفاقيات مع الدول الصديقة ولكن الإجراءات الامريكية القسرية الجديدة تحتاج الى خطط مدروسة للالتفاف عليها.
قانون سيزر المشؤوم يستهدف إعادة الاعمار أولا، خاصة وأنه شمل الدول الحليفة ولمدة عشرات سنوات، كما استهدف الشركات الانشائية، ما يدل على أن الغرب الذي استبعدته سورية من إعادة الاعمار باعتباره العدو الأول في الحرب والداعم والممول للإرهاب.
ربما سيوقع ترامب على هذا القانون أو قد يحاول تأجيله في محاولة لعقد “صفقة” كعادته، ولكن القضية الأساسية هي التدابير الاستباقية التي من المفروض أن تكون موجودة على طاولة الحكومة قبل أن يصل “سيزر” إلى ترامب!
البعث ميديا | سلوى حفظ الله
Views: 1