سقط مرشح الولايات المتحدة الاميركية نواف سلام على «ابواب» قصر بعبدا، قبيل ساعات على وصول نائب وزير الخارجية الاميركي دايفيد هيل الى بيروت، في «رسالة» شديدة الوضوح من قبل الاغلبية النيابية بانه حان الوقت لانتهاء «المناورات» الحكومية التي استمرت نحو 50 يوما حرقت خلالها الكثير من الاسماء وآخرها رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري الذي كان آخر الضحايا، وبعد يوم طويل من الاستشارات قبل الوزير السابق حسان دياب التكليف الذي حصل عليه من قبل 69 نائبا، واعلن انه لا يريد تشكيل حكومة مواجهة بعدما تجاوز بنجاح «المطب» الاول الذي نصب له من قبل الكتل السنية الوازنة في مجلس النواب من خلال محاصرته بغياب «الميثاقية» في ظل عملية تهويل ممنهجة بحصار دولي واقليمي لهذه الحكومة التي بدأ البعض عن سابق تصور وتصميم باطلاق عليها حكومة حزب الله، فيما جرى تحريك ممنهج للشارع وقطعت الطرقات في المناطق المحسوبة على تيار المستقبل في بيروت والشمال والبقاع، كما تجمع هؤلاء تحت منزل دياب في تلة الخياط، في «مناورة» جديدة من رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري الذي لا يزال يحاول الضغط على عملية التأليف، من خلال تحريك منضبط «للشارع» بالتزامن مع دعوة انصاره الى عدم التظاهرلان الوضع لا يحتمل اي تلاعب بالاستقرار، وهو بذلك ابقى «الباب» مواربا امام احتمال حصول تفاهمات مع الفريق الاخر بعدما التزم عدم تسمية احد، وامتنع عن «المواجهة» القاسية، وهو يترقب شكل الحكومة «ليبنى على الشيء مقتضاه»…
في هذا الوقت، ومنذ الاعلان عن تكليفه بدات حملة تستهدف شخص دياب وتتهمه بعدم الميثاقية، وبدأ التركيز في «ساحات» الحراك على رفضه دون تقديم اجابات مقنعة عن اسباب الاعتراض من قبل مجموعات طالما طالبت برئيس حكومة من «التكنوقراط»… وفيما تبدا الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة يوم السبت المقبل في المجلس النيابي وليوم واحد، بعد ان يزور دياب رؤوساء الحكومات السابقين، حيث «تهرب» الرئيس ميقاتي من استقباله «بداعي السفر»… تبقى الاسئلة مفتوحة على مصراعيها حيال قدرته على التأليف اذا ما تصاعدت الاحتجاجات المذهبية في الشارع السني، فيما يجري ترقب موقف المجتمع الدولي من الحكومة ورئيسها، وستكون اولى ملامح هذه المواقف الموقف الاميركي الذي سيبلغه هيل اليوم الى المسؤولين حيث سيبدأ جولته من بعبدا صباحا ثم يزور عين التينة وبيت الوسط…
وفي المقابل، لفتت اوساط مطلعة على الاتصالات الحكومية الى ان ثمة «ليونة» واضحة بدت في موقف كتلة تيار المستقبل النيابية التي امتنعت عن تسمية اي شخصية في مواجهة ترشيح دياب، وهذا كان مؤشرا واضحا على ان الرئيس الحريري لا يريد ان يخوض مواجهة مع الطرف الاخر، خصوصا انه يدرك جيدا بان «الثنائي الشيعي» كان صادقا في ترشيحه وعمل جاهدا لكي لا يكون الخيار البديل مستفزا له…
وقد سجلت الاستشارات النيابية الملزمة التي جرت في قصر بعبدا امس سابقة لافتة حيث تمت تسمية حسان دياب من قبل حزب الله للمرة الثانية بعد العام 2013 عندما سمى الرئيس نجيب ميقاتي، وقد اكدت مصادر «الثنائي الشيعي» ان تسمية دياب كانت ضرورية بعدما حصل الانسحاب المريب للرئيس الحريري من «السباق» الحكومي وبدا التسويق لاسم «مشبوه»، وتساءلت عن اسباب الاستعجال في اطلاق الاحكام على شكل ومضمون الحكومة قبل ان يبدأ دياب مهمته، وعن الميثاقية تشير تلك الاوساط الى ان حزب الله وحركة امل ظلا متمسكين بالرئيس سعد الحريري الى آخر لحظة الى ان قرر هو نهائياً عدم خوض غمار الاستحقاق الحكومي، وعندها كان لا بد من الذهاب الى خيارات أخرى…
وبحسب تلك الاوساط، فان بري قدم للحريري عروضا مغرية آخرها صيغتين حكوميتين، الاولى من 18 وزيرا تضم 6 سياسيين والباقي من الاختصاصيين، والثانية من 14 وتضم 4 سياسيين فقط وان تطلق يده في تسمية المستقلين او من يعتبرهم تكنوقراط لكن الحريري الذي استمهله بعض الوقت للاجابة على هذا الطرح، سرعان ما رفض العرضين…
ولفتت تلك المصادر الى ان هذا التكليف ليس لتسجيل الانتصارات على احد بل لمحاولة القيام بعملية انقاذية يفترض ان يشارك بها الجميع بالتضامن والتكافل، اما من يختار «العرقلة» او «النأي بالنفس» فعليه تحمل المسؤولية الكاملة عما ستؤول اليه الامور في البلاد…
اما عن شكل الحكومة فثمة قرار واضح لدى «الثنائي الشيعي» لتسهيل الامور والقيام بالمطلوب لانجاح مهمة الرئيس المكلف، وهذا يشمل نوعية الوزارات والوزراء حيث سيتم التفاهم مع دياب على كل ما هو مناسب لانجاح الحكومة التي يجب ان تولد في القريب العاجل…
من جهتها اكدت اوساط التيار الوطني الحر أن احدا لا يرغب في الدخول بمواجهة مع الرئيس سعد الحريري وهو من اختار الخروج من «السباق» ورفض ان يسمي شخصية تمثله، علما ان دياب منزه عن اي شبهة وكان اسمه قد ورد في لائحة الأسماء التي أودعها رئيس جامعة القديس يوسف الأب سليم الدكاش، ورئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري عندما التقيا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مؤخرا… ولفتت تلك الاوساط الى ان «التيار» يريد تشكيل حكومة من الاختصاصيين، ولا يرغب الوزير باسيل بالمشاركة في الحكومة، انسجاما مع مواقفه السابقة، لكن «الثنائي الشيعي» لديه رؤية مختلفة وهذا ما سيتم نقاشه مع الرئيس المكلف وهذا قد يؤدي الى توزير «وزراء لايت».
وكان رئيس الجمهورية بدأ في العاشرة والنصف من قبل ظهر امس في قصر بعبدا الاستشارات النيابية الملزمة وبدأت الجولة الاولى مع الرئيس سعد الحريري الذي اكتفى بعد لقائه الرئيس عون بالقول «كل عام وانتم بخير والله يوفق الجميع»، في حين لم يسم الرئيسان نجيب ميقاتي وتمام سلام احدا، كان لافتا تشكيك ميقاتي بقدرات دياب وتمثيله مع العلم انه كان وزيرا محسوبا عليه في حكومته، وقد انتهى اليوم الطويل بحصول دياب فقط على 6 اصوات من النواب السنة الـ27 ونال 69 صوتاً، فيما حصل السفير نواف سلام 13 صوتاً، وامتنع 42 نائباً عن التصويت، أمّا النائبة بولا يعقوبيان فمنحت صوتها للدكتورة حليمة قعقور.
وبعد استدعائه لتكليفه في قصر بعبدا، أمل دياب تشكيل حكومة تحاكي هواجس اللبنانيين وتنقل البلد إلى مرحلة الاستقرار عبر خطة لا تبقى حبرا على الورق. وشدّد على أنّه سيعمل جاهدا لتشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، مشيرا إلى أنّ «المرحلة دقيقة جدا وحساسة وتتطلب جهدا ونحتاج إلى وحدة وطنية تحصن البلد وتعطي دفعا لعملية الإنقاذ وتعيد الثقة للبنانيين بوطنهم». وتوجه إلى المواطنين اللبنانيين كـ«مستقل»، وقال: «على مدى 64 يوما استمعت إلى وجعكم، وشعرت بأن انتفاضتكم تمثلني لنصل إلى دولة القانون التي يحلم بها الجميع، وهذا الصوت يجب أن يظل جرس إنذار». وأضاف: «التمسك بالحريات العامة هو صمام أمان وأي سلطة منفصلة عن الواقع والشعب لا تستطيع حماية البلد. لذا، أدعو اللبنانيين في كل المناطق إلى المشاركة في عملية إنقاذ البلد». وختم بالقول: «الاستقرار السياسي والاقتصادي ضرورة قصوى. واليوم، نحن في صدد العمل وليس الكلام وأنا شخص اختصاصي والأولوية للاختصاصيين وطلبت بدء الاستشارات يوم السبت».
Views: 2