لم تكن العاصفة المناخية التي تضرب لبنان وحيدة في عطلة الميلاد، فرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري ساندها «بعاصفة» سياسية اعلن من خلالها «دفن» التسوية الرئاسية رسميا، وسط مؤشرات عن انتقاله الى المعارضة لارضاء «شارعه» بعد تراجعه عن وعده «للثنائي الشيعي» بمنح «الثقة» لحكومة لا «تستفزه»، وهو اليوم يترجم ذلك بمحاولة منع اي شخصية سنية «وازنة»من الدخول الى الحكومة التي لا يزال الرئيس المكلف حسان دياب يأمل «ولادتها» قبل نهاية العام وهو يعمل على نزع «الالغام» السنية من «طريقها» باحثا عن اسماء «تصمد» في وجه عاصفة «الميثاقية» المثارة يوجهه..وفيما حاول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اعطاء مناخات ايجابية للوضع الاقتصادي، يبدو رئيس الجمهورية ميشال عون مرتاحا لخروج الحريري رسميا من «التفاهم»، وهو يتحدث عن مناخات ايجابية داخلية وخارجية وعدت بمنح لبنان دعما ماليا يصل الى حدود الـ4 مليارات دولار لدى ولادة الحكومة…
فعلى وقع اشتداد العاصفة «انجلا» التي تسببت بأضرار بالغة في اكثر من منطقة، ما يزال رئيس الحكومة المكلف حسان دياب على تفاؤله بتشكيل الحكومة قبل نهاية العام بعدما تم «فكفكة» معظم الالغام المزروعة في طريقه اثر تدخل اكثر من طرف سياسي، وفي مقدمتهم حزب الله لتهدئة التشنجات المستجدة بين «الحلفاء»، فيما تبقى مشكلة رئيسية تعيق التقدم وهي ترتبط بالوجوه السنية المرشحة للتوزير…
وفي هذا السياق، نجحت الاتصالات في اقناع رئيس مجلس النواب نبيه بري في رفع تحفظه على تشكيل حكومة من الاختصاصيين بعدما كان قد اصر سابقا على ان تكون مطعمة بوجوه سياسية، وعلم من مصادر مطلعة ان «عين التينة» اعطت «الضوء الاخضر» لوزراء من المختصين بعد التشاور مع قيادة حزب الله التي كانت واضحة في مقاربتها لجهة تسهيل مهمة دياب الاتي من صفوف الاكاديميين، ولم تمانع الاستجابة لتمنياته بان تكون الحكومة بعيدة عن الوجوه السياسية، وقد انضم بري الى هذه المقاربة…
في المقابل، نفت مصادر عين التينة ان يكون رئيس المجلس قد التقى دياب، وقالت انه لا يتدخل على الاطلاق في عملية تشكيل الحكومة، وهو لم يلتق الرئيس المكلف الا في المجلس النيابي يوم الاستشارات. وانه لا يتدخل في الطبخة الحكومية لصالح اي جهة.
ووفقا لتلك الاوساط، تم تجاوز «مطب» آخر خلال الساعات القليلة الماضية بعدما طلب دياب تسمية الوزراء وعرض اسمائهم على القوى السياسية التي سمته خلال عملية التكليف، لكن الاتصالات معه افضت الى اقتناعه بعدم امكانية ذلك، بعدما ابلغته الكتل النيابية ان من حقها اختيار هؤلاء الوزراء طالما انها ستمنحه الثقة في المجلس النيابي، وكان الرئيس المكلف متجاوبا الى ابعد الحدود مع تمنياته بان يطغى الاختصاص والمهنية على تلك الاسماء التي سيتسلمها خلال الساعات القليلة المقبلة…
ووفقا لاوساط مطلعة، يسعى الرئيس المكلف لاعلان الحكومة قبل الثلثاء المقبل، وقد حسم خياره لجهة تشكيلها من 18 وزيرا ،4 موارنة، 4 شيعة، 4 سنة، 2 ارثوذكس، كاثوليكي، درزي، وارمني، ووزير للاقليات.
ووفقا للمعلومات، فان المسودة الاولى التي عممها رئيس الحكومة المكلف، لم تشهد اي تعديل في توزيع الحقائب السيادية، فالمالية ستبقى للشيعة والداخلية للسنة، والخارجية والدفاع للمسيحيين، وتعكس هذه «التوزيعة» رغبة دياب في تجاوز «عقد» يمكن ان يؤدي طرحها الى تأخير تشكيل حكومته لاشهر…
في المقابل، يستعين دياب «بالكتمان» لتذليل العقدة السنية التي لا تزال تعيق تقدمه نحو «التشكيل»، فهو من جهة يبحث عن اسماء لا تستفز «الشارع» السني، ويرغب من جهة اخرى ان تكون قادرة على الصمود في وجه الضغوطات، لكن مساعيه تعرضت لبعض الانتكاسات بعدما رفضت اكثر من شخصية سنية التوزير حتى الان، وكان آخر الاسماء اعتذار مدير عام قوى الامن الداخلي السابق اللواء المتقاعد ابراهيم بصبوص عن تسلم وزارة الداخلية بعدما سبق وقبل بالحقيبة، لكنه عاد وتواصل مع دياب مقدما اعتذاره دون ان يقدم اي اسباب موجبة… وعلم في هذا السياق ان بصبوص فشل في الحصول على «مباركة» من الرئيس الحريري، وبعد تصعيد الاخير، فضل التراجع عن وعده للرئيس المكلف…
وفي هذا السياق، تؤكد اوساط وزارية بارزة ان جهات فاعلة حذرت الرئيس الحريري من رفع مستوى «الفيتو» السني على الحكومة، من خلال تشغيل ماكينته السياسية «لشيطنة» اي سني يقبل بالدخول الى الحكومة، لان تداعيات هذه الخطوة ستكون خطيرة في «الشارع» اثر الاعلان عن الحكومة… وهذا القلق مبرر كما تقول تلك المصادر، لان الامر كان ليكون مفهموما لو ان الحريري يستخدم التصعيد لضمان تمثيل تياره «مواربة» في الحكومة لكن التصعيد لمجرد التصعيد سيحمل نتائج سلبية لن تقف ارتداداتها عند حدود الحكومة، ويبدو ان الرئيس المستقيل يحاول تعويض ما خسره من دعم خارجي في شارعه، وهذه «لعبة» خطيرة سبق وتفاهم على ضرورة تجنب الوصول اليها مع «الثنائي الشيعي» الذي بقي حاضنا له حتى الساعات الاخيرة قبل ان يختار بنفسه الخروج من «السباق» الحكومي، وقد سمع نصائح مشابهة خلال الساعات القليلة الماضية، وثمة رهان على عدم تجاوزه «للعبة» حافة «الهاوية»، ويجب ان تترجم «رسالته» العلنية الى الرئيس بري بانه لا «يلعب بالنار» بالفعل لا بالقول…
وفي سياق متصل، اكدت اوساط مطلعة على اجواء بعبدا ان رئيس الجمهورية ميشال عون مرتاح لما آلت اليه الامور في العلاقة مع رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري الذي اختار «نقض» التسوية الرئاسية والخروج منها من خلال استقالته المفاجئة، ويشعر عون للمرة الاولى بانه ازاح عن «صدره» «ارثا» سياسيا واقتصاديا لا يشبهه، لكنه اضطر الى تحمله لثلاث سنوات كانت «عقيمة»، لكن الرئاسة الاولى لم تكن لتتحمل عبء الخروج الاخلاقي والسياسي من «التسوية» التي امنت الحماية الشخصية للحريري عندما انقلب عليه حلفاؤه، وكان مستغربا ان يخرج هو منها دون ان ينظر «خلفه»، لكنه حسنا فعل، فقد حرر الرئاسة الاولى من «اسر» علاقة تسببت باضرار كبيرة لبعبدا وربما تكون اليوم الفرصة متاحة لتقديم العهد على صورته الحقيقية…
في المقابل، تؤكد اوساط تيار المستقبل ان الحريري بات اليوم «مرتاحا» اكثر ومنسجما مع نفسه ومع حاضنته الشعبية، وهو دفع ثمنا باهظا نتيجة هذه التسوية التي لم تكن تتناغم مع رغبة «قاعدته»، وليس غريبا على العهد وفريقه السياسي «الانقلاب» على التسويات لان تاريخهم يدل على ذلك، واليوم لا تزال العقلية ذاتها في تشكيل الحكومة، وهذا سيؤدي حتما الى عدم منحها اي «ميثاقية»…
اقتصاديا، حضرت الازمة المالية في مجلس النواب في لقاء حضره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع وزير المال علي حسن خليل ورئيس جمعية المصارف سليم صفير في جلسة لجنة المال في البرلمان، وفيما نفت جمعية المصارف وجود 9 مليارات دولار من ودائعها في المصارف الاوروبية، تبين من شرح سلامة انها تمتلك نحو 11 مليار دولار في الخارج، وفيما اثار كلام حاكم المصرف المركزي «لغطا» حيال سعر صرف الليرة بعدما رد بعبارة «ما بعرف» على سؤال حول سعر الصرف، ما اضطره الى اصدار توضيح لاحقاً اكد فيه «ان كلام الحاكم بعد لقائه بلجنة المال والموازنة لا يعني إطلاقا أي تغيير في سعر صرف الليرة الرسمي والمحدد عند 1507,50 وإنما جاء ردا على سؤال حول سعر الصرف لدى الصرافين تحديدا. وأكد المكتب ان سياسة مصرف لبنان لا زالت قائمة على استقرار سعر الصرف بالتعامل مع المصارف.
الى ذلك، خطت الموازنة الخطوة الاولى في «رحلة الالف ميل» فبعد ان أعلن رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان أن الموازنة «أقرت مبدئيا وعمليا مع تعديلات كثيرة منها التخفيض الذي يصل الى حوالى 1000 مليار ليرة»، يبقى ان تذهب الى اللجان المشتركة ثم الجلسة العامة للمجلس… وأشار كنعان بعد جلسة لجنة المال إلى أن «التخفيضات طاولت بنودا عدة منها المجالس والصناديق والتجهيزات وقوانين البرامج والجمعيات التي لا تعنى بالرعاية الاجتماعية». ولفت إلى أنه «فرضنا الرقابة على كل المؤسسات والرقابة المسبقة على الهبات والقروض واقترحنا مادة تحويل مبالغ الخلوي مباشرة الى الخزينة». وكشف كنعان اقرار رفع الضمان على الودائع من 5 مليون الى 75 مليون ليرة ما يؤثر ايجاباً على صغار المودعين ويحميهم». وقال ان حالة القلق ادت الى سحب 6 مليار دولار من المصارف، وجرى تأليف لجنة للتواصل مع مصرف لبنان وهيئة التحقيق لمتابعة مسألة التحويلات الى الخارج».