حين طأطأ جزء مهمٌ من النظام الرسمي العربي الرأس حيال إعلان ترامب-نتنياهو عما وصفت ب ” صفقة القرن”، وراح يبحث لها عن مساحيق تجميل مستحيلة، قالت الخارجية الصينية بالفم الملآن: ” ان موقفنا ثابت وهو أن أي حل لهذه القضية ينبغي أن يستند إلى قرارات الأمم المتحدة والتوافقات الدولية ذات الصلة، مثل حل الدولتين ومبدأ الأرض مقابل السلام، وأن تمثل هذه القرارات والتوافقات أساس تسوية القضية، ويتعين الالتزام بها”
وحين لحق معظم النظام العربي بالقرار الأميركي-الأوروبي ضد القيادة السورية وتم تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية، وحلّ الخراب والدمار في هذا البلد وغزاه الارهابيون من كل حدب وصوب ، بقيت الصين وروسيا الدولتين الوحيدتين في مجلس الأمن اللتين ترفعان عاليا حق النقض الفيتو ضد أي تدخل دولي لقلب النظام بالقوة، وتساهمان بمحاربة الإرهاب فعليا.
هذا كان شأنهما أيضا في العراق وليبيا، وفي كل قضية عربية تُركت على قارعة الطريق منذ نكبة فلسطين حتى اليوم.
والآن وفيما حلّت بالصين مصيبة فيروس” كورونا”، وهي مصيبة عابرة لا شك في دولة عظيمة، طوّرت قدراتها على نحو هائل، يقف العرب متفرّجين على ما يحصل، ومصدّقين لكل الروايات الغربية التي وجدت في هذا الفيروس فرصة هائلة للحد من النمو الكبير للصين، ولوصول الاقتصاد الصيني الى حد مقارعة أكبر اقتصاد عالمي، ولانخراط الصين في طريق الحرير الذي سيقلب مقاييس كبيرة.
حبّذا لو تعددت المساعدات العربية وتنوعت للصين في هذه الفترة العصيبة. فما قُدم عربيا منها حتى الآن محمود ( نحو ١٥٠٠ وحدة سكنية من السعودية بتكلفة ١٠ملايين دولار، اقنعة من البحرين، اقتراح من شركة الطيران القطرية لتقدمة خطوطها لنقل المساعدات، رسالة تضامن واستعداد للدعم من الرئيس الجزائري نقلها السفير في بكين) لكننا نستطيع ان نفعل آكثر . ثم يفترض الأمر منّا على الأقل فهم ما يجري، كي لا نُساق كالأغنام العمياء خلف دعاياتٍ تجعل من الصين ما يشبه رواية ” الطاعون” للكاتب الفرنسي الفذ ألبير كامو. وحسنا فعل السفير الفلسطيني السابق في بكين الدكتورمصطفى السفاريتي حين ختم رسالته الطويلة التي طالب فيها بالتضامن اعلاميا وبالموقف وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وبالمساعدات مع الصين، بقوله :” نحن لا ننسى من وقف الى جانبنا يوم تخلى عنها بنو جلدتنا وسنرد الموقف بالموقف”
بين الصين والعرب تاريخ طويل مر به طريق الحرير، وأما الحاضر فطرقاته عديدة وواسعة، وينمو على نحو جيد. حجم التبادل بين الصين والعرب تخطى ٢٣٣ مليار دولار حتى العام الماضي وربما وصل الى ٢٥٠ مليار. الدول العربية هي أكبر مورد للنفط الخام الى الصين وسابع شريك تجاري لها. في العام ٢٠٠٤ أنشئ منتدى التعاون الصيني العربي … وانبثقت منه ١٠ آليات للعمل، ثم عقدت الصين شراكة استراتيجية مع ٨ دول عربية، والعمل جار على تطوير الحزام الاقتصادي، وطريق الحرير البري وكذلك وطريق الحرير البحري، تحت شعار :” الطريق والحزام”
في العام الماضي وصل عدد الطلاب العرب في الصين الى أكثر من ١٤ الف طالب… والصين تتقدم تنمويا واقتصاديا وسياسيا لا بل وحتى عسكريا في الدول العربية، وتحرص على الاعتدال، فهي ان وقفت مع سورية، غير أنها أوصلت تبادلها التجاري مع السعودية الى أكثر من سبعين مليار دولار، وبدأت بعض التنسيق العسكري…… ولا يكاد يخلو بيت عربي من بضائع صينية…
مع ذلك، وفيما يغزو المحللون الأطلسيون شاشاتنا العربية العبقرية، أكانت من الدائرة في الفلك الأميركي او التي ترفع لواء الممانعة لتشويه سمعة الصين وتطويقها خصوصا بعدما تمددت في العالم ونسجت علاقة استراتيجية مع ايران، قلما نرى محللين وخبراء صينين يشرحون ما يجري، وقلما نرى أكاديميين صينيين في الجامعات العربية، لا بل قلما يعرف الوطن العربي الكثير عن حضارة كبيرة ومهمة وعريقة كالصين وأهلها، بينما نرى ان أمهات الأدب والشعر والثقافة العربية صارت في أعرق الجامعات الصينية ولها متخصصون ومترجمون.
صحيح أن للصين علاقات مهمة وواسعة مع “إسرائيل” في الكثير من القطاعات بما فيها التكنولوجيا العالية الدقة والجامعات والتعليم والزراعة والمعدات العسكرية وغيرها …. لكن بكين كانت في طليعة من اعترف بمنظمة التحرير وما تزال تجاهر بصوتها العالي انها تريد إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية …
صحيح أيضا ان بعض المسلمين ينتقدون تشدد الصين ضد مسلمين على أرضها، لكن هل هؤلاء المسلمين الذين ينتقدون، قالوا حرفا واحدا عن آلاف المقاتلين الأيغور الذين جاؤوا الى العراق وسورية وليبيا يقتلون مسلمين مثلهم بذريعة نشر الخلافة. وهل نعرف تماما ما يحصل هناك، حتى ولو اننا في المبدأ نرفض أي إساءة لأي انسان اكان اقلية ام أكثرية في أي دولة في العالم؟
ان العرب ملوك تضييع الفرص، لعلهم لو وقفوا الى جانب الصين في محنتها هذه، وأرسلوا أطباء ومساعدات وممرضين واقنعة واقية واشياء أخرى، لحفظت الصين لهم هذا الجميل مدى العمر.
كيف لا نتضامن مع الصين في عالم متوحّش، وهي تقيم سياستها الخارجية على المباديء التالية:
· احترام متبادل للسيادة ووحدة الأراضي
· عدم الاعتداء
· عدم التدخل في الشؤون الداخلية
· المساواة والمنفعة المتبادلة
· التعايش السلمي ….
أنا من جهتي مستعدٌ للذهاب مرة جديدة الى قلب بكين، للتضامن والوقوف على حقيقة ما يجري، لأني استغرب كثيرا، ان تصاب الصين بهذا الفيروس، في أوج نهضتها، وفي عزّ تحديها لأكبر دولة في العالم.
الكاتب
سامي كليب
Views: 2