تسببت الأزمة العالمية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا في مزيدٍ من الضغط على العلاقات المتوترة بالفعل بين الولايات المتحدة والصين. وفي حين تُواصل مجموعة من كبار المسؤولين الجمهوريين والخبراء اليمنيين على وسائل الإعلام وصف وباء كورونا بأنه “صيني” أو فيروس “ووهان”، فليس من المستغرب أن يكون رد فعل المسؤولين في بكين رداً غاضباً على محاولات الولايات المتحدة “وصم” بلادهم وتشويه سمعتها.
تقول صحيفة The Washington Post الأميركية، إنه في الوقت نفسه، تنتشر على شبكة الإنترنت في الصين نظريات مؤامرة حول منشأ المرض وأصله، وبعضها يعلّق كل شيء على الأميركيين وغدرهم ببلاده. وفقاً لما أورده جيري شيه، مراسل صحيفة The Washington Post في الصين، الأسبوع الماضي، فإن “ثمة طفرة مفاجئة وانتشاراً ساحقاً لخطاب مُعادٍ للولايات المتحدة، أخذ يهيمن هذا الأسبوع، وبات خطاباً بارزاً وذا مغزى في السياق الصيني العام، وذلك في مناخٍ عادةً ما تسيطر الرقابة الحكومية فيه على أي خطاب يخرج عن الحدود، وسرعان ما تعتقل الشرطة أولئك الذين تتهمهم بأنهم يروجون لشائعات”.
هجوم مضاد
وقال شياو تشيانغ، مؤسس موقع China Digital Times، وهو موقع ينشر بانتظامٍ توجيهات مسرَّبة من قسم الدعاية التابع للحزب الشيوعي الصيني الحاكم: “الأمر أكبر من مجرد معلومات مضللة أو رواية رسمية، إنها حملة منظمة ومنسقة من قِبل الحكومة الصينية وعبر جميع قنواتها الرسمية وغير الرسمية، على مستوى نادراً ما تشاهد مثله. إنه هجوم مضاد”.
وليس ثمة شيء أوضح من النوايا السيئة في واشنطن. وقد أخذت حركة التجارة تعاني بالفعل اضطرابات خطيرة بسبب انتشار الفيروس، وهي اضطرابات قد تجعل من المستحيل على الصين الوفاء بالتزاماتها التي تنطوي عليها المرحلة الأولى من الصفقة التجارية التي أبرمتها مع الولايات المتحدة قبل أقل من شهرين. وذلك في وقتٍ أخذ فيه بعض السياسيين الأميركيين، في انقضاضٍ على ما اعتبروه فرصةً سانحة، يدعون إلى تحركات أكثر اندفاعاً نحو “فصل” الروابط بين أكبر اقتصادين في العالم.
وفي فعالية عُقدت يوم 28 فبراير/شباط بواشنطن، قال السيناتور ريك سكوت، وهو نائب جمهوري عن ولاية فلوريدا: “الصين الشيوعية لا تريد الانضمام إلى المجتمع الأممي فحسب، بقدر ما تريد الهيمنة عليه وحُكمه”، وذهب إلى أن فيروس كورونا يمكن أن يساعد في تعميق الشقاق الاقتصادي بين البلدين، في ظل انهيار سلاسل الإمداد، و”النتيجة، سواء أأردنا الاعتراف بذلك أم لم نُرد الاعتراف، هي أن ثمة حرباً باردة جديدة”.
على الرغم من الخطاب الغاضب في كلتا العاصمتين، لا يتبنى الرئيس الأميركي ترامب ولا الصيني شي جين بينغ لغة حربٍ باردة جديدة. وكلما أخذت التوترات تتفاقم بين البلدين، يجد الزعيمان نفسيهما في مواقف حرجة. وتخضع إدارتهما للمراقبة من كثب فيما يتعلق بالتعامل مع الوباء وانتشاره. وقد أخذ العالم يلتفت إلى عيوب النظام السياسي السلطوي الغامض في الصين، وهو ما يبدو أنه يدفع النظام إلى مزيد من التعتيم لا الشفافية.
أما الولايات المتحدة، فالأضواء جميعها مسلَّطة فيها على الرئيس الأميركي، الذي يبدو أنه يعطي الأولوية للمكاسب السياسية قصيرة الأجل على التحدي المتمثل في التعامل مع أزمة الصحة العامة التي يحذر عديد من الخبراء الآن من أنه لا يمكن احتواؤها بالكامل.
إعلان الانتصار
اعتمد شي وترامب كلاهما على نوابهما وجهاً رئيساً للتصريح بردود الفعل الرسمية خلال الفترة الماضية، لكن عندما شرعت الصين في الإعلان عن انخفاض معدل الإصابات الجديدة، عاد شي إلى صدارة المشهد. وقد عرضت آنّا فيفيلد، مديرة مكتب صحيفة The Washington Post في بكين، تفاصيل “الجولة المعدَّة خصوصاً لإعلان الانتصار”، في تقريرها هذا الأسبوع، وقد شهدت الجولة طواف شي على المستشفيات وتحدُّثها عبر الفيديو مع المرضى في ووهان، المركز الأول لانتشار الفيروس.
وسعت وسائل الإعلام الحكومية الصينية إلى إبراز فاعلية استجابة بكين للفيروس، والتي تضمنت تعبئة جماهيرية للأفراد والموارد، فضلاً عن حظر شديد القسوة على أجزاء مختلفة من البلاد، في تناقض صارخ مع التدابير الأقل شموليةً المتبعة في الغرب. وتحاول الصين الخروج من هذه الأزمة بوجه أخلاقي وغسل لسمعتها. وفي هذا السياق، خرج مسؤولون في إيطاليا، ثاني أكثر الدول تضرراً، بتصريحاتٍ يوم الثلاثاء، يؤكدون فيها الموافقة على حزمة مساعدات صينية تشمل 1000 جهاز تعقيم، و100 ألف جهاز تنفُّس صناعي، و2 مليون قناع طبي.
وفي تصريحات أدلى بها مينكسن بي، الأكاديمي المتخصص بالشؤون السياسية الصينية في كلية كليرمونت بكاليفورنيا، لمراسِلة صحيفة The Washington Post، قال: “الأوضاع تتحسن الآن؛ ومن ثم يريد شي أن يُظهر أن قيادته كانت ناجحة. الرسالة التي يُراد إرسالها إلى الجماهير هي: إننا يجب أن ننظر إلى استجابة الغرب للفيروس على أنها مترددة وعاجزة”.
وصدّرت صحيفة People’s Daily الصينية، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم، افتتاحيتها هذا الأسبوع، بالقول: “لقد أظهرت معركة الصين ضد الوباء أن الحزب الشيوعي الصيني، باعتباره الحزب الحاكم في الصين، هو إلى حد بعيد، الحزب السياسي الأقدر على الحكم في تاريخ البشرية، وهو يهتم حقاً بالمصالح الوطنية للبلاد والشعب الصيني”.
“احتقار” الحقائق
هذا الأسبوع، بعد أن قلل مراراً وتكراراً، من حجم تهديد فيروس كورونا، تخلى ترامب إلى حد كبير عن توكيداته السابقة، بأن الفيروس قد تم احتواؤه بنجاح. وبدلاً من ذلك، شن هجوماً على وسائل التواصل الاجتماعي، متهماً وسائل الإعلام الرئيسية والديمقراطيين بتشويه صورة البلاد والإضرار بسوق الأوراق المالية. وسعى لربط فيروس كورونا بالهجرة غير الشرعية؛ في محاولةٍ للحصول على دعمٍ لجداره الحدودي. وكجزء من حزمة من الحوافز الاقتصادية المتعلقة بفيروس كورونا، وضع خططاً لتحويل أموال فيدرالية إلى منتجي النفط والغاز الطبيعي.
عمد حلفاء ترامب في وسائل الإعلام اليمينية إلى التحريض على دعم مقاربته وتأييدها، وانتقدوا المخاوف المبالَغ فيها بشأن فيروس كورونا بوصفها محاولات أخرى لـ”عزل” الرئيس، وأنها “خدعة” لتقويض حكمه. وتعليقاً على ذلك، كتب ماكس بوت: “وسائل الإعلام (المحافظة) لطالما أبدت ازدراءها للحقائق والعلم، على سبيل المثال، من خلال تقليلها من خطر التغير المناخي، والاختراقات الروسية للانتخابات الأميركية. ومع ذلك فإن احتقارهم للحقيقة لم يكن يوماً أخطر مما هو عليه اليوم. للانتصار على فيروس كورونا، يجب علينا أولاً محاربة (البلايا) التي أصابت العقول، اللاعقلانية والترويج للمؤامرات والإخلاص الشبيه بـ(عبادة) القائد لترامب، والتي أخذت تنتشر عن طريق التعرض لوسائل الإعلام اليمينية ودعاياتها”.
Views: 3