لا يختلف اثنان على ان الحكومة تواجه أزمة اقتصادية ومالية موروثة يفوق حجمها كل الازمات التي عاشتها الحكومات السابقة، وان الانقاذ صعب جداً لكنه غير مستحيل، كما عبر الرئيس بري، داعياً الى معالجة الأسباب وليس فقط النتائج.
ومما لا شك فيه ان وباء كورونا وتداعياته قد صعّب مهمة الحكومة وأفقدها حرية الحركة باتجاه الدول المانحة والهيئات المالية الخارجية نتيجة التداعيات الاقتصادية والمالية الكبيرة التي ضربت وتضرب هذه الدول المتخبطة اليوم في الأزمة التي أحدثها هذا الفيروس القاتل.
وبعد أشهر على ولادتها لم تتمكن الحكومة حتى الآن من تظهير خطتها الشاملة، لا بل عمدت مؤخراً الى فرملة اندفاعها في الاعلان عن مسودتها التي انجزتها في الاسبوع الاول من الشهر الحالي لاحتواء المعارضة الشديدة التي برزت داخلها وخارجها على بعض بنودها لا سيما البند المتعلق باللجوء الى ما يعرف بـ«Haircut» اي اقتطاع نسبة من اموال كبار المودعين للمساهمة في تغطية الديون والخسائر المالية للدولة.
ويقول مصدر سياسي مطلع ان الحكومة لا تستطيع ان تبرئ نفسها من أنها كانت عازمة على المضي في هذا الخيار وانها اوردته كبند جدّي في خطتها، لكنها لم تكن قد حددت تفاصيله بانتظار اجراء المزيد من الاستشارات مع الجهات المالية الاستشارية في الخارج ومع باقي المكونات السياسية المشاركة في الحكومة.
ويضيف بأن فكرة الاقتطاع من الودائع التي تفوق المئة الف دولار لم تطرح لا في بند الخطة ولا في نقاشات مجلس الوزراء الاولى، لا بل ان الودائع الكبيرة لم تحدد او يتم البت بالحدّ الادنى منها، مع العلم ان همساً كان يجري قبل اعداد الخطة على احتساب الخمسمئة الف دولار وما فوق هي من الودائع الكبيرة، ويقال ان اقتراحاً طرح ايضا باحتساب المئتي ألف دولار وما فوق من الودائع الكبرى.
ويشير المصدر في هذا المجال الى ان تفاصيل الخطة الشاملة جرت مناقشتها في دائرة ضيقة من الحكومة قبل المباشرة بطرحها عموماً على طاولة مجلس الوزراء، لافتا أن فكرة الـ«Haircut» لم يجر النقاش فيها في جلسات المجلس.
وبغض النظر عن ماهية عملية الاقتطاع من الودائع الكبيرة وحجمها فان الوقائع والمعلومات تؤكد ان هذا الطرح كان من صلب مسودة الخطة الشاملة بدليل كلام الرئيس حسان دياب بأن 90% من الودائع لن تمسّ اي ان هناك 10% سيطالها الاقتطاع.
وقبل اكثر من اسبوع سربت اوساط حكومية معلومات عن الخطة لاحدى وكالات الانباء العالمية تضمنت ان لبنان يحتاج الى تمويل بين عشرة وخمسة عشر مليار دولار على مدار الخمس سنوات لاجتياز الأزمة.
وحرصت على القول ان هذه الخطة تعتبر «أساساً» جيدا للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتتطلب في الوقت نفسه «دعما سياسيا واسعا». بمعنى ان الحكومة او الحلقة الضيقة منها كانت تدرك مسبقاً انها ستواجه اعتراضات شديدة في الداخل، وانها تحسب حسابا لهذه الاعتراضات التي برزت تباعا من اطراف عديدة داخل الحكومة وخارجها.
وكما بات معلوما ان مسودة الخطة تشير الى ان الخسائر في الاقتصاد بلغت ما يزيد على الـ83 مليار دولار وان من بين البنود لمعالجة هذه الخسائر ، بند إعادة هيكلة للمصرف المركزي والمصارف التجارية، و«مساهمة استثنائية عابرة من كبار المودعين»، مع انشاء صندوق خاص لتعويض خسائر المودعين الناجمة عن اعادة الهيكلة.
وتغطي المصارف، وفق مسودة الخطة، عشرين مليار دولار من الخسائر بينما تغطي عملية الـ«Haircut» ما يقارب الـ63 ملياراً.
وتقول المعلومات ان فكرة الـ«Haircut» تسللت الى الحكومة بعد اجتماعات عديدة ومداولات جرت مع جهات استشارية مالية منها «لازارد» لكنها لم تكن وليدة مشاورات ومداولات بين مكونات الحكومة لذلك برز لاحقا ان اطرافاً عديدة فيها تعارض بشدة هذا الخيار وفي مقدمهم الرئيسان عون وبري الذي نعاها امس على هامش ترؤسه هيئة مكتب المجلس قائلاً «اقرأوا الفاتحة على الهيركات وترحموا عليها كما ترحمتم على الكابيتال كونترول».
وتضيف المعلومات ان حزب الله يرفض هذه الصيغة ايضاً، مشدداً على تحمل المصارف حجماً أكبر من وزر خسائر الاقتصاد، ومركزا على استرجاع الأموال المنهوبة والسير في خيارات اخرى لا تمس اموال الناس، وتسحب هذا الموقف ايضاً على التيار الوطني الحر والمردة.
وفي المحصلة فان فكرة «الهيركات» دفنت كما سبق ودفن مشروع «الكابيتال كونترول» الذي عارضه الرئيس بري بشدة واجهضه قبل ان يأخذ طريقه الى المجلس.
وترى اوساط مراقبة ان الحكومة ارتكبت دعستين ناقصتين في محاولة اللجوء الى هذين الخيارين: «الكابيتال كونترول» و«الهيركات»، وأنها فشلت في التسريع بمحاكاة الهيئات المالية المانحة وصندوق النقد الدولي. ووجدت نفسها ايضاً مجبرة على اجراء المزيد من البحث والتشاور في حلول اخرى لبلورة وانجاز خطتها الاقتصادية والمالية الشاملة.
كما انها افسحت في المجال، بل وفرت للمعارضة ورقة لاستعادة انفاسها مجدداً بعد ان كانت فشلت فشلاً ذريعاً في التصويب على الحكومة من باب ازمة كورونا وتداعياتها.
Views: 7