برزت الحاجة بعد انتشار جائحة كورونا لدى جميع سكان الأرض للتعاضد والتكافل لمواجهة الأخطار المحدقة بهم وبوجودهم على هذه المسكونة. ليس وباء كورونا ولا الأوبئة التي سبقته هي فقط تلك الأخطار، بل هناك ما هو أخطر، التغيّر المناخي!
يكاد لا يمرّ يوم دون أن نقوم بإيذاء منزلنا الأول والأخير (الأرض) عبر التعامي عن أمر بهذه الخطورة والإمعان في تضخيم الخطر مشاركين غير آبهين بإطلاق غازاتٍ تحبسُ الحرارة (غازات الدفيئة) من خلال حرق الوقود الأحفوري، والزراعة، واستخدام الأراضي، وغير ذلك من النشاطات التي تدفع الى حدوث التغير المناخي. إن الغازات الدفيئة هي في أعلى مستوياتها أكثر من أي وقت مضى ويعتبر الارتفاع السريع لدرجة الحرارة هذا مشكلةً لأن الكائنات الحية تعجز عن التكيّف مع التغير المناخي بهكذا معدلٍ. لا يتعلق التغيّر المناخي بدرجات الحرارة المرتفعة فحسب، بل ويشمل أحداث الطقس الشديدة، وتغيّر تعداد كائنات الحياة البرية ومواطن الحيوان والنبات الطبيعية، ارتفاع مستويات البحار، الحرائق الضخمة وغيره الكثير من الكوارث الطبيعية والبيئية.
إتفاق باريس: بنود والتزامات فمكاسب مالية وبيئية
إزاء هكذا خطر عالمي، تم ابرام اتفاق باريس وهو أول اتفاق عالمي جامع للدول بشأن المناخ. جاء هذا الاتفاق عقب المفاوضات التي عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغير المناخي في باريس عام 2015 ويشمل الاتفاق المجتمع الدولي بأسره – بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الناشئة – في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري.
وقّع لبنان بتاريخ 30 أيلول 2015 المساهمة المحدّدة وطنياً للأمانة العامة لإتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ. تعرض مساهمة لبنان هدف تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 30 بالمئة بحلول عام 2030 وتتوزع هذه النسبة بين تخفيض بنسبة 15 بالمئة كهدف غير مشروط وتخفيض اضافي بنسبة 15 بالمئة من الانبعاثات مشروط بدعم دولي. وافق لبنان رسمياً على ابرام اتفاق باريس الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عبر إقرار قانون رقم 115 تاريخ 29/3/2019، وشارك في قمة تغير المناخ التي انعقدت في نيويورك في 23/9/2019.
الجدير بالذكر أن لبنان قادر على الاستفادة المادية كما البيئية من هذا الاتفاق إذا ما أوفى بالتزاماته وعهوده، حيث سيحصل على موارد مالية من الدول المتقدمة الى جانب عمليات نقل التكنولوجيا المتطورة وبناء القدرات والكفاءات التي من شأنها تنفيذ التوصيات.
فأين لبنان اليوم من واجبه تجاه نفسه ومواطنيه والعالم؟ وهل نحن ملتزمون ببنود اتفاق باريس كما يجب؟
«الحركة البيئية» في لبنان: أنقذنا نهر غلبون والمعركة ما زالت طويلة
بهدف الإطلاع على موقع لبنان في المعركة العالمية مع التغيّر المناخي كان لا بد من الإتصال بمؤسس ورئيس جمعية الأرض ورئيس الحركة البيئيّة اللبنانيّة السيد بول ابي راشد، الذي يخوض وجمعيته مقاومة بيئية شرسة كان اخرها أن ربح دعوة مقدمة جراء وجود أشغال وحفريات وإزالة معالم أسفرت على رمي كميات كبيرة من الردميات في مجرى نهر غلبون وأعمال بناء مخالفة وغير مرخصة لمحطة ضخ مياه في مجرى النهر وعلى ضفافه وملاصقة لجسر غلبون تقوم بها مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان على عقار غير قابل للبناء بحسب تقرير مديرية التنظيم المدني، ما يسبب تدهوراً للموقع وتهديداً لطبيعته وللسلامة العامة، وعلماً بأن الاشغال تسببت بانهيار حائط داعم للطريق العام الرئيسي من جراء إصرار المخالفين على متابعة أشغالهم رغم التحذير المتكرر من الخبراء.
صدر في 18 شباط 2012 قرار عن قاضي الأمور المستعجلة في جبيل سامر متى بإلزام مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان وبلدية غلبون ومنظمة ACTED وشركة ARISON وشركة WET بوقف الأعمال الجارية على العقار 513 غلبون والتي امتدّت وتعدّت على مجرى نهر غلبون وإزالة تعدياتهم عن ضفاف النهر المذكور ورفع الردميات.
مافيات السلطة تحبذ الأرباح المالية على البيئة ولبنان غير ملتزم اتفاق باريس
اما عما إذا كان لبنان ملتزماً ببنود اتفاق باريس، فيرى السيد ابي راشد أن الحكومة اللبنانية تدعي نظرياً انها ملتزمة باتفاقية باريس للتغير المناخي ولكن ما يحصل بالفعل هو مشاريع غير بيئية وغير مستدامة والمشاريع الواردة في سيدر تؤكد ذلك من محارق، سدود، المزيد من الأوتوسترادات والطرقات وهي كلها مدمرة للبيئة حيث تقلل من المساحات الخضراء وتزيد من انبعاثات غازات الدفيئة.
وعن العوائق التي تحول دون ان يحدث لبنان فرقاً في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، يقول ابي راشد ان العوائق هي جهل السلطة السياسية وفسادها، اذ ان المشاريع التي تحدثنا عنها سابقاً تؤمن لمافيا السلطة الأموال الطائلة، الأمر الذي يدفع بها إلى تفضيل هكذا مشاريع على حساب البيئة والمناخ.
أخيراً عن ماهية مخاطر عدم التزام لبنان ببنود الاتفاق بشكل خاص و بالحد من التغير المناخي بشكل عام، يرى ابي راشد أن المخاطر المتمثلة بعدم الالتزام بالتنمية المستدامة وبمكافحة التغير المناخي، سوف تؤدي في النهاية إلى القضاء على مستقبل العيش في بلد هواؤه نظيف، مياهه تكفي الشرق الأوسط، وغاباته تجذب السياح من جميع أنحاء العالم وتجعل من مناخه اهم الميزات.
قد يبدو اننا نصوب كثيراً على هذه السلطة ولكن ليس هناك من مسؤول آخر عن كل ما لحق ويلحق بلبنان في كافة قطاعاته. إن سلطةً لم تهتم يوماً بتطوير ابنائها والإستثمار بهم، لن تكون يوماً مهتمة بالحفاظ، اقله، على البيئة أو الإستثمار المنتج فيها. ختاماً يمكننا القول اننا، إلى حد اليوم، قد فشلنا كدولة بالمشاركة في الجهود العالمية للحد من التغيير المناخي، وحرياً بنا عدم المشاركة في مؤتمرات مستقبلية تلزمنا بتوصيات قد لا نكون قادرين على حتى التفكير فيها.
Views: 1