في غمرة الحرب الباردة على لبنان تنتصب أسئلة خمسة:
السؤال الأول: هل هي حرب عربية حقاً أم أميركية؟
الجواب: نعم، هي حرب عربية لأنّ دولاً عربية عدّة، معظمها خليجية، تخوضها ضدّ لبنان، مباشرةً أو مداورةً، ولا تتوانى خلالها عن قطع العلاقات الدبلوماسية بسرعة قياسية، مشفوعةً بوقف الواردات الزراعية من لبنان بذرائع شتى، لكنها ليست حرباً عربية خالصة. ذلك أن للولايات المتحدة صلة بها من حيث أن العدو المستهدَف واحد، وإنْ كان معيار العداوة في الحرب أو الدافع إليها متفاوت بين دولةٍ وأخرى.
السؤال الثاني: لماذا تستهدف الحرب الباردة لبنان؟
الجواب: لأنّ لبنان يحتضن جغرافياً حزب الله بما هو عماد المقاومة ضدّ الكيان الصهيوني، وسياسياً بفضل فريق غير قليل من قواه السياسية الفاعلة، يشارك بعضها في الحكومة ويبدو مؤثراً في صناعة القرار وتنفيذه في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن.
السؤال الثالث: ما سرّ توقيت تصعيد الحرب الباردة في هذه الآونة؟
الجواب: لأنّ المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة تبدو على عتبة انطلاقةٍ وشيكة في فيينا، ولأنّ لخصوم إيران الإقليميين مصالح وأغراضاً حيال الولايات المتحدة يرغبون في تأكيدها وتسويقها كي تأخذها واشنطن في الاعتبار عند صياغة أيّ اتفاق نووي جديد مع طهران، لا سيما ما يتعلق منها بأمن دول الجزيرة العربية ومصالحها في حوض الخليج كما في اليمن.
السؤال الرابع: هل للكيان الصهيوني يدّ ودور في الحرب الباردة على لبنان حالياً؟
الجواب: “إسرائيل” تعتبر حزب الله عدوها الأول والأقوى في الإقليم، وهي في حرب خشنة معه في لبنان منذ ثمانينيات القرن الماضي لغاية حرب العام 2006 التي خسرتها أمامه ما أدى إلى اعتماد قواعد متكافئة للاشتباك بين الطرفين، انحسر معها العدوان الصهيوني المباشر على لبنان وتزايدت من ثم العمليات “الإسرائيلية” غير المباشرة ذات الطابع الاستخباراتي والسيبراني.
السؤال الخامس: هل للكيان الصهيوني دور في الحرب الباردة ذات الفصول الساخنة التي يتعرّض لها لبنان حالياً؟
الجواب: نعم، لـِ “إسرائيل” دور المحرّض الدائم للولايات المتحدة ضد مَن تعتبرهم أعداء فاعلين في منطقة غرب آسيا الممتدة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً إلى شواطئ بحر قزوين شرقاً ما يتيح لها استغلال كلّ الفرص، لا سيما في لبنان وسورية والعراق وإيران، للنيل من أعدائها مباشرةً كما يحدث في سورية خاصةً، أو عبر الولايات المتحدة بما هي حليفتها بل شريكتها المزمنة في مناوءة أعدائها في الإقليم. ومن الواضح أنها لاحظت شروع واشنطن في إعادة رسم خريطة تموضعها، بالتالي دورها في منطقة غرب آسيا بعد خروجها المهين من افغانستان. لذا فهي تبتغي أن تشاركها أميركا سياسياً وعسكرياً في مواجهة إيران وحلفائها في محور المقاومة الذين لا يخفون البتة عداءهم المرير لها.
كلّ ما سبق بيانه واضح ومعروف منذ سنوات. لكن ما تقتضي معرفته في الحاضر والمستقبل المنظور هو ما تريده “إسرائيل” فعلياً من وراء مشاركتها مباشرةً أو مداورةً في الحرب الباردة على لبنان حالياً.
أميركا ومن ورائها “إسرائيل” تريدان تعطيل فعالية حزب الله في لبنان. السعودية تتوخى الأمر نفسه لسبب مباشر هو مشاركة حزب الله في دعم حكومة صنعاء وجماعة أنصار الله في الحرب الدائرة منذ سنوات في اليمن، لا سيما في المناطق التي تصل شمال البلاد بجنوبها على بحر العرب. وبعد اشتداد وتيرة الحرب في محيط مأرب واحتمال سقوطها في أيدي الحوثيين ما يحبط مشروع السعودية لإقامة أنبوب للنفط يمتدّ من منابعه في أراضيها إلى مصبٍّ على شاطئ بحر العرب عبر أراضي اليمن، وذلك تفادياً لمرور ناقلات النفط السعودي في مضيق هرمز الواقع تحت سيطرة إيران. بعد هذا التطور تَرَدّد أن الرياض صعّدت من ضغوطها على لبنان، بما هو ملاذ حزب الله، في محاولةٍ لجرّ أميركا إلى عقد صفقةٍ مع إيران قوامها وقف الضغط على حزب الله في لبنان مقابل وقف إيران (وحزب الله) دعمهما القتالي واللوجيستي للحوثييين، خصوصاً في منطقة مأرب.
“إسرائيل” لا تعارض مبدئياً هذه الصفقة، لكنها ترفض بالمطلق وقف الضغط على حزب الله الذي تتخوّف من إقدامه على تدمير منشآتها النفطية البحرية في المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة المجاورة والمتداخلة مع المياه الإقليمية اللبنانية في حال قيامها بالتنقيب عن النفط والغاز في منطقةٍ متنازع عليها بين الطرفين يعتبرها اللبنانيون جزءاً من حقوقهم السيادية.
أميركا محرجة حيال هذا النزاع. فهي وإن كانت تحابي “إسرائيل” إلاّ أنها لا تريد أيضاً إحراج حلفائها اللبنانيين المتخوّفين من مفاعيل الحرب الباردة التي تشنها السعودية وبعض حلفائها الخليجيين. ذلك أن الحملة على حزب الله تتسبّب في اتساع شعبيته في صفوف أعداء “إسرائيل” في لبنان، خصوصاً بين العابرين للطوائف والمناطق والمشارب. لذا تحاول واشنطن التوسط بين دول مجلس التعاون الخليجي ولبنان بغية وقف تصعيد الحرب الباردة من جهة، ومن جهة أخرى دعم السعودية في حربها على الحوثيين عموماً لا سيما في منطقة مأرب.
يبقى سؤالان: ماذا سيكون ردّ حزب الله، ومن ورائه إيران وسائر أطراف محور المقاومة في حمأة الصراع مع خصومه المحليين ومع “إسرائيل” في آن معاً؟ ومن يجرؤ على التبرّع بجواب؟
ظاهرُ الحال أن قادة حزب الله ما زالوا يتمالكون أعصابهم دونما توتر ربما لشعورهم بأنّ حصيلة الحرب الباردة على لبنان لم تُسفر حتى الآن إلاّ عن شجارٍ حار في بيروت تمهيداً لتسويةٍ محتملة في مأرب.
*نائب ووزير سابق
Views: 0