الرئيس ميقاتي أخطأ مرّةً أُخرى بمُطالبته الوزير قرداحي بالاستِقالة والاعتِذار.. ولهذه الأسباب كان عليه أن يدعمه ويقف إلى جانبه ولكن “فالج لا تعالج”
جدّد السيّد نجيب ميقاتي رئيس الوزراء اللبناني دعوته اليوم للوزير جورج قرداحي للاستِقالة من منصبه لحلّ الأزمة مع المملكة العربيّة السعوديّة ودعاه إلى تحكيم ضميره، وتقدير الظّروف، واتّخاذ الموقف الذي ينبغي اتّخاذه، وتغليب المصلحة الوطنيّة على الشّعارات الشعبويّة.
السيّد ميقاتي، وبمِثل هذه الدّعوة، يُحَمِّل الوزير قرداحي مسؤوليّة الأزمة، ويتبنّى بالكامِل الإملاءات السعوديّة، وهذا الموقف سيُؤدِّي إلى تفاقمها، وتمادي السّلطات السعوديّة في فرض المزيد من شُروطها التعجيزيّة على لبنان.
القيادة السعوديّة التي تستوطي حيطة الشّعوب العربيّة والإسلاميّة الفقيرة، وتتعاطى معها، وحُكوماتها، بـ”التمنّن” و”المُعايرة” و”التّعالي”، تُطالب دائمًا بالاعتِذار، والتّراجع، والرّكوع أوّلًا، وبعد ذلك تدرس الأمر وتأخُذ وقتها، وأحيانًا تأتي النّتائج التّجاهل التّام، وعدم تقديم أيّ شيء في المُقابل.
كان المفروض أن يتحلّى السيّد ميقاتي بالمصلحة الوطنيّة للبنان وشعبه، وأن يذهب إلى القِيادة السعوديّة، التي ترفض حتّى الآن استِقباله، والاستِجابة مع توسّلاته المُتعدّدة لزيارتها، أو يُخاطبها في مُؤتمر صحافي علني قائلًا “إنّ الوزير قرداحي لم يُخطِئ ولكنّه مُستَعِدٌّ للاستِقالة خدمةً لبلده ومصالحها، فماذا يُمكِن أن تُقَدِّمُوا للبنان مُقابل هذه التّضحية من مُساعداتٍ ماليّةٍ تُخرجه من أزمته الحاليّة؟”.
الإجابة التي نعرفها، من حُكم خبرتنا طِوال العُقود الأربعة الماضية، ومن تجاربٍ فِلسطينيّة مُماثلة ليس هُنا مجالُ ذِكرها، ستكون فليعتذر أوّلًا، ويخرج من الحُكومة ثم سننظر في الأمر، وسنَرُدّ لاحقًا، وقد لا يأتي الرّد مُطلقًا في حياة ميقاتي على الأقل.
كُنّا، وما زلنا، نتمنّى على الرئيس ميقاتي، أن يُمعِن النّظر في تصريحين مُهمّين، كان من المُمكِن لو فعل، أن تجعلاه يُحجِم عن دعوته هذه للوزير القرداحي بالاستِقالة:
-
الأوّل: تصريحٌ أدلى به الأمير فيصل الفرحان وزير الخارجيّة السعودي على هامِش مُشاركته في قمّة العشرين في روما مطلع هذا الأسبوع، وقال فيه في مُقابلة مع محطّة “العربيّة” “لا يُمكن اختِصار الأزمة بتصريحات قرداحي، فالإشكاليّة أكبر في ذلك، وتكمن في استِمرار هيمنة حزب الله على النّظام السّياسي اللبناني”.
-
الثّاني: التّصريح الذي أدلى به الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله لمحطّة “الإخباريّة” السوريّة مساء أمس وقال فيه “إنّ الوزير قرداحي لم يُخطِئ حتّى يستقيل، ونحن لا نقبل أن تتدخّل السعوديّة لا في تركيبة الحُكومة، ولا بمن يكون وزيرًا فيها”.
استِقالة الوزير القرداحي من عدمها، لم تعد مسألةً شخصيّةً تتعلّق به، ولا حتّى برئيس الحُكومة، لأنّها باتت قضيّةً تتعلّق بالكرامة الوطنيّة اللبنانيّة، وضرورة وَضعِ حَدٍّ للتنمّرات والتدخّلات الخارجيّة في شُؤونه مهما كان الثّمن.
لبنان يعيش حاليًّا فترةً انتقاليّةً بين مرحلة الخُنوع للإملاءات الخارجيّة، والفساد والاستِجداء ومرحلة جديدة من النّهوض والصّحوة السياديّة، وكُل ما يتفرّع عنها من كرامةٍ وطنيّةٍ وعزّة نفس، المرحلة الأُولى انتهت ومعها كُلّ سلبيّاتها ورُموزها العَفِنَة، والثّانية بدأت ولن تتوقّف إلا ببزوغ فجر لبنان جديد بهُويّةٍ وطنيّةٍ جامعة.. والأيّام بيننا.
“رأي اليوم”
Views: 0