ديمة صابر
في ظل الانفتاح الذي أتاحه الإنترنت عبر شبكات التواصل الاجتماعي عموما و«الفيسبوك» خاصة، تمكن الجنسان من التواصل مع بعضهم من دون ضوابط أو قيود وثمة علاقات مشوهة ونزويّة تنشأ في الخفاء ودهاليز الظلام بطرق غير مشروعة تتضمن تنازلات مُهينة تأخذ صوراً وأشكالاً من تبادل المشاعر الزائفة، بل إن الأمر قد يصل إلى تجاوزات لا تعقل وخلوات عاطفية تتحول فيها الفتاة إلى أداة مؤقتة لإشباع الرغبات الأمر الذي عدّه البعض تسلية وعبثاً من دون إدراك، مع ما قد يترتب على هذا النوع من التسلية من عواقب وخيمة و«خراب للبيوت» ودمار أسر كاملة تدفع ضريبة مجون رب الأسرة وشذوذه عبر علاقة بدأت «فيسبوكية» وانتهت بجريمة أو بحد أدنى تشرد أسرة وضياع أطفال.
يُثار تساؤل عن سبب تجاهل الجهات المعنية والمؤسسات التربوية والدينية والقانونية حدود التخاطب غير المشروع بين الجنسين عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟
ماجدة متأكدة من خيانة زوجها لها منذ ما يقارب عشر سنوات لكنها تؤثر الصمت والتعامل مع الوضع بتجاهل حتى «لا تخرب بيتها» -على حد تعبيرها- مسوغة تجاهلها بأن لا مأوى لها إلا منزل زوجها وهي غير مستعدة لتشريد أطفالها.. وتقول: هو يصرف علي وعلى الأطفال والمواجهة معه لن تجدي نفعاً.. وبغصّة تقول: «فليخن وليتركني أربي أطفالي».. وتذكر لنا ما تعرضت له جارتها عندما واجهت زوجها بخيانته إذ قام بطردها من المنزل وأخذ أطفالها منها وقال لها إنه حر في حياته.
سمير شاب خمسيني موظف وزوجته موظفة، لديهما ثلاثة أطفال، ومضى على زواجهما ما يقارب 15 عاماً يمضي أغلب أوقاته على «الفيس بوك» ويتواصل مع عدد كبير من الفتيات، يعترف أنه أقام علاقات افتراضية غير مشروعة انتهت بعلاقات واقعية مشوهة أيضاً يقول مسوغاً: إنه يعاني الفراغ العاطفي، فزوجته الموظفة دائمة الانشغال بالأولاد والمطبخ، وهي دائمة الشكوى من الإرهاق الذي تعانيه في عملها كمعلمة.. ويضيف أنه ليس مقصراً في واجباته تجاه منزله وما من ضير في أن يقيم بعض العلاقات التي تملأ فراغه وتسعده فهو أب مثالي -كما يزعم- ويحب زوجته ويحافظ على أسرته لتبقى تلك العلاقات الخارجية مجرد تسلية.
ويؤكد سمير: أنه لا يسمح لزوجته باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأنها تستهلك من وقتها الذي يجب أن تخدم فيه أسرتها وخوفاً عليها من بعض الرجال الذين يجذبون السيدات عبر «الفيس بوك» بكلامهم المعسول وتعليقاتهم الملغومة، متفاخراً بأن «الوضع تحت السيطرة»، على حد تعبيره، وأنه على الرجل أن يقوم بمتابعة صفحة زوجته «الفيسبوكية» ومراقبة ما تنشره وتفنيد «اللايكات» والتعليقات التي تحصل عليها.
كيدهن عظيم
تقول مايا في بداية حديثها (أوقعت به) لأن زوجي دائم الانشغال ويقضي أغلب أوقاته أمام «اللاب توب» متظاهراً بأنه يعمل ومستغرق في عمله لدرجة أننا عندما نكلمه أنا وأطفاله لا يسمعنا ولا يعيرنا اهتماماً لكنه أحياناً يبتسم ويضحك وحده وكأن أحداً يدغدغه ما أثار الشك في قلبي فقررت أن أعمل حساباً وهمياً باسم مستعار ووضعت عليه صورة لممثلة تركية جميلة وأرسلت له طلب صداقة، فوافق زوجي على الطلب وأرسل «بوستات» الترحيب والتأهيل لي وبدأ يتواصل معي يومياً ويرسل لي القلوب والورود وعبارات الحب والعشق شارحاً لي مدى معاناته مع زوجته السمينة غير المهتمة بمشاعره وتفضل أطفالها عليه وتقوم برعايتهم وتهمله وبأنها نكدية وكثيرة الطلبات.. وأكد أنه يرغب بمقابلة عائلتي وعندما أحسست أنه صادق أرسلت له صورتي الحقيقية وتركت المنزل وذهبت إلى بيت أهلي وبقيت عندهم شهرين من الزمن ثم تصالحت مع زوجي وعدت إلى المنزل بعد أن وعدني وعداً قاطعاً بألا يعود لمثل تلك التصرفات.
شرعاً
أوضح القاضي محمد عماد سليمة- رئيس المحكمة الشرعية التاسعة في دمشق أن موضوع الخيانات عن طريق «الفيس بوك» أو أي وسيلة تواصل اجتماعي أخرى تصل إلى المحكمة الشرعية في معرض دعوى التفريق المقدمة من قبل الزوج أو الزوجة، والهدف منها هو توزيع الأعباء المالية على الزوجين كل حسب إساءته وإضراره بالعلاقة الزوجية التي كانت قائمة، وتُنظر أمام المحكمة الشرعية، ومهمة القاضي الشرعي الرقابة على سير إجراءات التحكيم والإصلاح بين الزوجين وفي النهاية التفريق وتوزيع المهر حسب التحكيم. كما أشار القاضي سليمة إلى أن قضايا التفريق تحال إلى جمعية «إعفاف» وهي مركز الإصلاح الأسري لمحاولة الإصلاح بين الزوجين قبل التفريق.
35% نسبة الإصلاح
أشار المحامي خليل الريس- عضو مجلس إدارة الجمعية إلى أن نسب الإصلاح قد وصلت إلى 35% تقريباً، إضافة إلى أنه من كل 100 حالة طلاق هناك 11 حالة طلاق سببها سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ويشدد على ضرورة وجود تكيف قانوني مع الخيانة الافتراضية لما لهذه الحالة من انتشار.
فتحت آفاق المفاسد
د. عبد السلام راجح- عضو في مجمع كفتارو الديني يوضح أن عالمنا المعاصر شهد تحولات كبيرة في طرائق التواصل بين الناس فكانت هذه الطرائق سلاحاً ذا حدين، حد نافع وصل الناس ببعضهم، وحد آخر خرّب البيوت وترك آثاراً سلبية في قيم وأخلاق بعض مستخدمي تلك الوسائل وقادهم إلى أنفاق مظلمة لا يُعلم مدى شرها، خاصة أن هذه الوسائل تمثل فضاء مفتوحاً للجميع يستطيع كل واحد أن يطلع على تفاصيله من دون حاجب أو بواب ومن تلك الوسائل تلك التي فتحت باباً للتواصل بين الناس من دون سابق معرفة «الفيسبوك» وبأسماء وهمية وصور وهمية ربما صادفت هذه الصور فراغاً عاطفياً عند البعض، ولربما ملأت فراغاً عاطفياً مقابلاً ما فتح آفاقاً من المفاسد الكبيرة التي طالت النشئ وهو في ميعة الشباب وربما في ثورة العواطف الجياشة التي لم تجد بيئة ضابطة لها في البيت أو في المدرسة أو في الجامعة، تراكمت كل تلك الاعتبارات فأثمرت رغبة في اكتشاف المجهول بالتجربة ما أدى بالضرورة إلى مفاجآت في الأغلب غير سارة.
محاذيرها المجتمعية خطرة
إن استخدام «الفيسبوك» أدى إلى شرخ كبير في العالم خاصة في عالمنا العربي الذي تحكمه تقاليد وأعراف تتعلق بالضوابط والأخلاق، وتضبط العلاقة بين الرجل والمرأة، أو الشاب والفتاة بضوابط عرفية عنوانها الأخلاق والصلات المنضبطة بالشرع والعرف، فإذا بهذا الاستخدام يفتح إطاراً من المفاسد للتعارف بين البنت والشاب وهو ما ابتدأ بحالة وهمية ثم تطور عبر المراسلات المكتوبة أو الصوتية أو المصورة ليؤدي إلى محاذير مجتمعية خطيرة تسببت في ويلات مجتمعية عاناها مجتمعنا العربي، إذ أثر تالياً في بنيان الأسرة الواحدة.
الـ«باس وورد» تضفي الشك وتعزز المفسدة
ويشير راجح إلى أن الأسر تستشعر أن «الفيسبوك» خرق منظومة البيت التربوية بوجه أو بآخر، ساعدت على ذلك الخصوصية التي لم تستثمر استثماراً أمثل رسخها نظام «الباسوورد» أو الكلمة السرية التي لا يفتح الموبايل أو اللابتوب إلا بها، لتثير الشك في الأسرة الواحدة، وهو ما من شأنه تعزيز المفسدة في الأسرة الواحدة، والأمر لم يتوقف هنا بل امتد ليظهر أثر تلك العلاقات التي سبقت الزواج إلى ما بعد الزواج فكانت هذه العلاقات محل تساؤل كبير قد يفضي في نهاية الأمر إلى الطلاق.
علاقات ممنوعة شرعاً
ويؤكد راجح أن أحدث الإحصاءات لنسب الطلاق أثبتت أن سبب الطلاق هو وسائل التواصل الاجتماعي، وإذا لم نستطع أن نفهم وسائل التواصل بأنها صيغ تواصل مشروع فالتسمية الأفضل لها في هذا السياق هي وسائل التقاطع والتدابر الاجتماعي، مضيفاً: إن محاكمنا الشرعية تزخر بصور بائسة لتلك الطلاقات التي وقعت بسبب شكوك أو وقائع ثابتة اكتشف فيها الزوج علاقة الكترونية عبر «الفيس» مع رجل آخر غير الزوج ما أدى إلى وقوع الطلاق، فهذه العلاقات ممنوعة شرعاً، ويجب كل رجل أن يعلم أن علاقته على «الفيس» مع امرأة غير زوجته هي محل إشكال في الأسرة، فكما أن الرجل لا يرضى لزوجته التواصل مع رجل آخر وهي تستظل بظل عقد الزوجية كذلك فإن المرأة لا ترضى لزوجها أن يقيم علاقة افتراضية عبر هذا الفضاء الافتراضي مع امرأة ليست زوجته، خاصة أن الذهنية السائدة على الأغلب أن هذه العلاقات ستؤدي إلى محظور، مثلت هذه الطرائق التواصلية مقدمة له في الغالب.
حكم الشرع
ويوضح د راجح: لقد ضبط المشرع الحكيم علاقة الرجل بالمرأة من خلال علاقة ابتدائية سماها الخطبة، تسمح للرجل والمرأة بأن يلتقيا وفق ما شرع الله بوجود المحارم من الطرفين ليعرف كل طرف الطرف الآخر، فكانت الضوابط الشرعية هي الموجّه لمثل هذا الإجراء الابتدائي قبل الزواج، فإذا ما قامت القناعة بين الطرفين قام الزواج مباركاً ميموناً لأنه استند إلى قاعدة مكينة هي قاعدة التعارف بين الطرفين في هذا التشريع العظيم والمسمى الخطبة، ومن ثم ضبط الشرع العلاقة بين الرجل والمرأة في حل تمتع كل طرف بالآخر من خلال عقد الزواج الذي هو عقد سماوي تؤيده الشرائع الأرضية بضوابطه وأركانه من مهر وصيغة إيجاب وقبول وشهود ومهر.
متسائلاً: أين لمثل هذه العلاقات العابرة على وسائل التواصل في أن تُضبط بهذه الضوابط العظيمة التي تظهر احترام كل طرف للآخر فلا يرتضي أن تكون العلاقة إلا مؤيدة من رب السماء سبحانه وتعالى، هذا الضابط مفقود في مثل تلك العلاقات فهو بالضرورة سيؤدي إلى مفاسد كبيرة وويلات يعانيها المجتمع.
سلاح ذو حدين
الدكتور حسام سليمان شحاذة- الاختصاصي النفسي والاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل له وجهة نظر بشأن الضوابط الاجتماعية بين الرجل والمرأة عبر وسائل التواصل الاجتماعي كـ«الفيسبوك» أو «الانستغرام» أو «الواتس آب» وأثر تلك العلاقات فيما بعد في الحياة الزوجية ومن ثم تأثيرها المباشر على انتشار حالات الطلاق.. فقد بين الشحاذة أن العلاقات الشخصية والإنسانية عبر وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فإن كانت العلاقة إيجابية وأخلاقية وهادفة فلا ضير من ذلك ومن أمثلتها العلاقات المهنية بين الرجل والمرأة أو علاقات الزمالة في المدرسة أو الجامعة.
التوعية أساس الضبط
وأضاف أن العلاقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد جاوزت ذلك وتحولت إلى علاقات سلبية وأدت إلى نتائج كارثية (مثال ذلك الخيانات العاطفية بين المرأة وشخص غريب، وهنا تلعب عملية التوعية الأخلاقية وثقافة المجتمع دوراً مهماً في ضبط هذه الأنواع من العلاقات السلبية المشبوهة أخلاقياً مع التأكيد على تنمية الواعظ الديني والأخلاقي فمهما فعلنا لضبط هذه الظاهرة من الناحيتين القانونية والأخلاقية يبقى للواعظ الأخلاقي والضمير الإنساني الدور الأكبر في ضبط هذه الظاهرة، كما يؤدي الإعلام دوراً مهماً في توعية كل من الرجل والمرأة بمخاطر الانخراط في العلاقات المشبوهة واللاأخلاقية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الخيانة سبب الهجران الأسري
ويتابع شحاذة: إن الكثير من حالات الطلاق وما تبعها من إرشاد زواجي تم رصدها من خلال العمل الميداني في العيادات النفسية التي بينت أن نسبة لا يستهان بها من حالات الشقاق العاطفي أو الطلاق الانفعالي أو الهجران الأسري لأحد الزوجين كان سببها كثرة الشك ومن ثم التيقن أن أحد الزوجين يمارس الخيانة العاطفية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. ويتابع الشحاذة بقوله: إن الكثير من الصدمات العاطفية والانفعالية التي تصيب الأفراد في مرحلة المراهقة، ولاسيما الفتيات، كانت بسبب الكذب والتزوير في شخصية الطرف الذي مارس الخديعة العاطفية، كأن يصف نفسه بأنه شاب عازب في عشرينيات العمر، ويتضح فيما بعد أنه كبير السن وله زوجة وأولاد. كما نوه الشحاذة بأننا في النهاية مجتمع شرقي، تحكمه عادات وتقاليد اجتماعية وأن كثيراً من جرائم القتل حصلت بداعي الشرف بعد اكتشاف عدة محادثات لا أخلاقية تمت عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولابد من تفعيل دور القيم التربوية والأخلاقية لاحتواء هذه الظاهرة.
زواج «الفيس» يبدأ بالخديعة وينتهي بالانهيار
د. فهد سعد الدين: محامٍ ومحكم شرعي في محاكم دمشق وريفها يوضح أن العلاقة الزوجية هي رابطة مشتركة للحياة والنسل، وكما عرفها قانون الأحوال الشخصية في المادة الأولى عقد الزواج هو عقد بين رجل وامرأة، والمقصود بالبينية هو التساوي بين الرجل والمرأة تحل له شرعاً، غايته منها إنشاء رابطة للحياة المشتركة وللنسل، فعندما تقوم العلاقة بداية على أساس غير سليم وغير ثابت فهي علاقة يحكمها الخداع المتبادل، وذكر حالة لفتاة سورية تراسلت مع شخص من خارج البلد على الفيسبوك وتم التعارف بينهما وجاء إلى سورية وكتب كتابه على تلك الفتاة الوحيدة لأهلها التي فرضت زواجها عليهم فتم هذا الزواج بناء على رغبة الفتاة من دون السؤال عن الشاب أو بيئته أو نشأته أو عائلته ولا إمكاناته.
ويضيف: عندما يستدرج شاب ما الأنثى فإن الاستدراج يكون بالموقف أو بالكلمة، والأنثى قد تكون بحالة نفسية لغياب زوج أو تكون في حالة نفسية لخصام الزوج أو قد تكون في مرحلة اضطراب ما قبل هدم العلاقة الزوجية يدخل عليها هذا الرجل بعلاقة «فيسبوكية» ليقوم ببناء تلك العلاقة الكاذبة التي تقوم على دغدغة المشاعر والكلام المنمق الجميل ليدخلها في أبواب الخيانة الإلكترونية، وهي خيانة كاملة، فالخيانة تبدأ بالكلمة لأن العلاقة بين الزوجين تقوم على الحفاظ على العهد الذي يستتبع أمانة الكلمة وأمانة الموقف، وأخيراً أمانة الرحم، فالخيانة تبدأ بهمسة وبكلمة أو حتى بلباس وبالإشارة، فالكلمة المبطنة التي تحوي مشاعر تدغدغ الجانب العاطفي والنفسي عند المرأة أو الرجل.. وهناك علاقات تبادلية قد يكون الذكر هو سببها أو الأنثى هي سببها لاستغلال حالة عاطفية أو نفسية أو شعورية أو تركيبة نفسية في هذا الرجل لبيئة معينة.
خيانة افتراضية
فالعلاقات «الفيسبوكية» المشبوهة تقع في دائرة الخيانة قولاً واحداً فعندما يبدأ الرجل أو المرأة بنقل هذه المشاعر خارج إطار المحضن الأساسي وهو محضن الزوجية نكون في دائرة التعدي على العواطف، وهو تعدٍ على البناء الأسري وعلى المجتمع، فأي علاقة خارج إطار مؤسسة الزواج هي علاقة محرمة لأنها علاقات مخادنة وعشق وعلاقة اتخاذ الصاحبة أو الخليلة، وهي كلها علاقات محرمة وغير مشروعة، فدائرة الجريمة تبدأ من الأدنى وهي الكلمة وهي جريمة بحق الطرف الآخر وبحق الأسرة وهي بحق نفسه أولا وبحق الفضيلة وقيمتها والمعتقد والدين أخيراً.
حالات مثبتة
ويضيف سعد الدين أن هناك حالات عديدة في القضاء تمت مصادفتها فهناك علاقات مشبوهة بين الزوجة ورجل آخر إذ قام الزوج بتقديم طلب للنيابة العامة للاستحصال على تلك المراسلات وأقام عليهما دعوى الزنا وحكم على الزوجة وعشيقها بثلاثة أشهر أمام محكمة دائرة الجزاء.. وهناك حالات أخرى مأسوية ومثالها ترصد الزوج لزوجته بأكثر من موقف وتم تسجيل محادثاتها وإثبات تورطها بعلاقة مشبوهة، وهو ما جعل الزوج يتعرض لها بالإيذاء والضرب الشديد ونبذها خارج العائلة، وتالياً تشريد الأطفال ودمار الأسرة.. وهناك حادثة أخرى لزوجة وضعت جهاز تنصت لزوجها في سيارته لإثبات شكوكها بعلاقته بإحداهن على «الفيسبوك» فتم تسجيل مكالماته وتأكدت شكوك المرأة التي أطلقت النار على زوجها.
نسب مرتفعة
ويؤكد سعد الدين أن من كل 10 حالات طلاق في المحاكم هناك قضيتان بسبب سوء استخدام «الفيس» في علاقات غير سوية ونسب الطلاق عالية جداً وقد تعدت 37% من حالات الطلاق إلى 39%.
نظرة مستخفة
مرسلينا حسن- طبيبة نفسية تؤكد أن العلاقات «الفيسبوكية» على «النت» موضوع حثيث له مشكلاته وامتداداته، ويمثل خطورة كبيرة تتأتى من النظرة المستخفة لهذه العلاقات على أنها تسلية ولا تؤثر في الحياة الواقعية للأشخاص، لكن من خلال المتابعة النفسية في الحالات العيادية في السنوات الأخيرة تؤكد مرسلينا أن العلاقات التي تعاش بهذا الاستسهال وتقضي على وقت كبير من عمر الأشخاص حكماً آثارها ليست بتلك السهولة.
وتضيف: إن العلاقات العاطفية عبر الإنترنت علاقات محفوفة بالمخاطر على المرأة والرجل على حد سواء، ويقوم كلا الجنسين بتلك العلاقات لأسباب مختلفة تتعلق بكل شخص على حدة فمرجعها ليس سبباً واحداً ولكل شخص مسوغاته.
ردات الفعل مختلفة
وتضيف د. الحسن: إن العوامل التي تدفع المرأة للقبول بخيانة الرجل سواء كانت خيانة واقعية أو خيانة افتراضية تتصل بكل امرأة تبعاً لظروفها ونضجها العاطفي واعتدادها بنفسها ودعم أهلها لها واستقرارها في عمل ومكانة اجتماعية ما، فكل منها يشكل عنصراً مؤثراً في ردة فعل الزوجة على الخيانة الزوجية.
فهناك النساء اللواتي تربين على علاقة غير جيدة في الأسرة، الأب له مغامرات عاطفية ومستخف بالعلاقة الزوجية، ووالدتها تعايشت مع هذا الواقع، يكون رد فعلها مختلفاً عن امرأة أخرى، أما المرأة التي لديها عدد من الأطفال وليست منتجة فيكون قرار القبول بالخيانة وارداً، لأن قرار الانفصال يؤثر فيها فتعيش تلك المرأة مع هذا الواقع بقهر وحصر كبيرين يسفران عن اضطرابات نفسية ومشكلات جسدية عدة.
حاجة وجدانية لا جسدية
مشيرة إلى عوامل أخرى تدفع المرأة للقبول بخيانة الرجل وانشغاله عنها وهي أن تكون هي نفسها مشغولة عنه، وهنا تميز الحسن العلاقات الزوجية التي تكتفي بالعلاقة الجسدية وتعطيها الأهمية وتهمل المشاركة الوجدانية والمعرفية والمشاركة في القرارات للزوجين، فالمرأة التي تكتفي بأن تعيش مع زوجها علاقة جنسية وتبيح لنفسها علاقات وصداقات وكونها لا تخونه بالجسد يكون ضميرها مرتاحاً.
الخيانة تبدأ من الأفكار
وتؤكد د. الحسن أن العلاقة الزوجية تحتاج دعماً وتطويراً من الشريكين وعدم التركيز فقط على أهمية التواصل الجسدي (العلاقة الحميمية فقط) لأن الخيانة تبدأ من خيانة الأفكار والمشاعر، لذلك فالأثر يختلف من امرأة لأخرى والنظرة لموضوع العلاقة الزوجية والطموح الذي توظفه كل امرأة لهذه العلاقة يكون مختلفاً، فإذا كان الطموح في العلاقة الزوجية كبيراً فالقرار بإنهاء هذه العلاقة غير يسير عليها.
خيانة الرجل مسوغة اجتماعياً
وتبين الحسن أن الحالات الأكثر بروزاً هذه الايام هي خيانة الرجل عبر «النت» ويخفف المجتمع من وطأتها ويستهين بها ويسوغها ما يجعل المرأة تعيش صراعاً نفسياً وازدواجية بأن هذا الرجل مشاعره ليست معها وهو منصرف عنها ولا تريد تصعيد الموقف لأنها لم تجد أي دعم وقبول من ذويها، وهي ضعيفة بامكانية اتخاذ قرار منفرد تتحمل مسؤوليته.
احتراق ذاتي
تبين الحسن من خلال الحالات التي خبرت التعامل معها خلال السنوات السابقة أن العوامل التي تدفع الرجل لإقامة علاقات عاطفية افتراضية خارج مؤسسة الزواج تبدأ من الفراغ وغياب موضوع مركزي أساس يعطي فيه الرجل كل طاقته وإبداعه، فتكون هذه العلاقة نوعاً من كسر الملل والبحث عن معنى لها في النهاية، وهي احتراق ذاتي يكرر فيه الرجل نفسه، بالكلمات والمعطيات نفسها وبأساليب غير جديرة بأن يعتد بها، وتشعره بالخجل عند انكشاف تلك الأفعال في العالم الافتراضي، وبأن هذا النوع من الرجال يعيش ضياعاً وفوضى لقيم الوقت والعمل والمعرفة، وهي انعكاس للضعف والعجز لدى الرجل، فينمو الجانب الغريزي العاطفي الهش على حساب العقل، فالرجال الذين يعجزون عن تقبل النقد وتقييم أفعالهم هم الأكثر عرضة للعلاقات الافتراضية.
علاقات استعراضية
وتوضح أن الاستعراض بين الشباب هو الأمر الذي يدفع الرجل إلى إقامة علاقات أخرى، وهي دوافع تدل بالمجمل على شخصية غير ناضجة هشة لم تصل لمضمون هادف ومعنى إيجابي وحقيقي لتحقيق الذات.
وتشير د. الحسن أخيراً إلى أن غنى العلاقة الزوجية بالأفكار والمشاعر من المضادات الآمنة للابتعاد عن العلاقات المشبوهة الهشة التي تستهلك العاطفة والوقت وتشعر الإنسان نفسه بأنه غير منسجم مع عمره وأفكاره ومبادئه، وللمرأة دور في أن تشد الرجل إلى اهتمامات جادة وأن تعي حاجات الرجل للتجديد والتركيز على الأمور الواقعية فقط، فالعلاقة الزوجية علاقة متكاملة من المشاعر الإنسانية المتعددة تقتضي من المرأة الإثراء المتجدد
Views: 5