تواصل القوات المسلّحة الروسية لليوم الثاني على التوالي عمليتها الخاصة في أوكرانيا متقدمةً نحو العاصمة كييف، في وقت تتسارع فيه التطورات على أكثر من صعيد، في حين دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجيش الأوكراني لتولّي السلطة في البلاد، معتبرًا أنّه سيكون من الأسهل التوصّل إلى اتفاق معهم.
في موازاة هذه التطورات، كان لافتًا انتقاد رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي للدول الغربية بقوله أنّهم “تركوا أوكرانيا لوحدها” في مواجهة روسيا، معربًا عن ثقته بـ”حتميّة” فتح حوار بين بلاده وروسيا حول وقف القتال، ليأتي الرد الروسي على لسان المتحدث الرئاسي دميتري بيسكوف بأنّ بوتين مستعد لإرسال وفد إلى مينسك للتفاوض مع الوفد الأوكراني.
هذه النتيجة المنطقيّة لمجريات الأحداث، يؤكدّها الدعم الغربي لأوكرانيا بالأقوال فقط، حيث تُرجم تخاذل الولايات المتحدة و”الناتو” جليًّا على معنويات القوات الأوكرانية، التي لم تقاتل في كثير من الجبهات، لا سيّما عند الحدود الروسية، ولم تتخط جرعات الدعم سوى عقوبات اقتصادية لم تؤثر على روسيا، التي اعتادت على هذا النمط..
يرى الخبير في الشأن الروسي أحمد الحاج علي في حديث لموقع “العهد” الاخباري، أنّ المفاوضات التي يجري الحديث عنها بين موسكو وكييف هي نتيجة إيجابيّة لفعاليّة ونجاح العمليّة العسكريّة التي بدأتها القيادة الروسيّة، لنزع السلاح الذي يشكل خطرًا على الأمن القومي الروسي، أولًا، ولحماية سكان منطقتي لوغانسك ودونتسك ثانيًا.
وبحسب الحاج علي، فمن أهداف العمليّة العسكريّة إزالة خطر المجموعات “المتطرفة والعنصرية من النازيين الجدد”، والذين يشكلون عنصرًا مهددًا للأمن القومي الروسي وللمنطقة، مشيرًا إلى أنّ الضغط الروسي بفعل هذه العملية العسكرية أتى أكله، ومضيفًا “بعد الاتصال الهاتفي بالأمس بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بطلب من الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي -والذي لم يتمكن من التواصل مع نظيره الروسي أو مع الكرملين لطرح مبادرته ورغبته بالشروع بمفاوضات لتحييد أوكرانيا- فإنّ الأهداف التي تريدها روسيا من خلال عمليتها العكسرية، إن تحققت، فهذا يعتبر تراجعًا واستسلامًا لسلطات كييف، بعد شعور زيلينسكي بالخيبة نتيجة تركه وحيدًا في هذه المعركة وعدم جديّة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية في خوض مواجهات مباشرة في الدفاع عن سلطة زيلينسكي، الذي يعمل بتوجيهات وإرادة غربيّة”.
وعن التقدّم السريع للقوات الروسيّة على الأرض، يعزو الخبير في الشأن الروسي السبب إلى أنّ الاستخبارات العسكريّة الروسيّة تمكّنت من اختراق قادة كبار في القوات المسلحة الأوكرانية والتفاهم معهم وإقناعهم بعدم المواجهة، وكان ملاحظًا أنّ جميع حراس الحدود الأوكرانيين أخلوا مواقعهم وسلّموها للقوات الروسية التي اخترقت الحدود.
ومن ناحية أخرى، بعد تدمير قدرة التحكم والسيطرة وتدمير أكثر من 118 هدفًا عسكريًا أوكرانيًا مركزيًا، لم تعد أمام سلطات كييف القدرة على المواجهة دون تدخّلٍ مباشر وإقامة جسر جوّي عسكري من قبل حلف شمال الأطلسي والغرب، وهذه الخطوة حذّر منها الرئيس الروسي بلهجة شديدة، بأنّه في حال تدخّل أيّ جهة خارجية في مجريات المعركة المستمرة لنزع السلاح الذي يشكّل تهديدًا للأمن القومي الروسي في أوكرانيا، فإنّ موسكو لن تتأخر في الرد الفوري الحاسم والمدمّر لهذا التدخل غير المبرر.
وهنا كانت الولايات المتحدة و”الناتو” أمام خيارين، إمّا أن يدخلوا بمواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا ويستمرون بدعم الرئيس الأوكراني، وإمّا أن يتركوا زيلينسكي، الذي سيصل إلى نتيجة بأن لا خيار أمامه سوى الاستسلام للروس، ودخول مفاوضات لتحييد أوكرانيا بعد إحكام السيطرة على كييف.
ويرى الحاج علي أنّ المهم في هذه المعركة هو تحقيق الأهداف المرسومة، وهذا إنجاز وانتصار للقوة التي بادرت بهذه المهمة، وإذا تحققت هذه الأهداف، كما ذكر الكرملين، والتي من بينها نزع السلاح الأوكراني الذي يهدد الأمن القومي الروسي، ومنع احتمال امتلاك أوكرانيا لأسلحة دمار شامل وأسلحة نووية وصناعة وسائل نقل صاروخية لهذه الرؤوس النووية يمكن أن تصل إلى روسيا بعد دقائق عديدة، عندها يمكن الحديث عن إنجاز جزء كبير من الأهداف المرسومة من قبل القيادة الروسية والتي حددها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إضافة لذلك، هناك هدف هو تحقيق السلم لأهالي منطقتي لوغانسك ودونتسيك، وهم من الأصول الروسيّة وينطقون باللغة الروسيّة، كذلك حماية كافة السكان الناطقين باللغة الروسية، الذين يتعرّضون للتعنيف العنصري من قبل المجموعات المتطرفة ومن سلطات كييف التي تؤثر عليها بشكل كبير هذه “المجموعات المتطرفة النازية الجديدة”.
ومن الأهداف أيضًا، إعطاء حق تقرير المصير لكافة مكونات الشعوب الأوكرانية التي تكوّن الديموغرافية الأوكرانية.
وينوّه الحاج علي إلى أنّ روسيا أعلنت سابقًا أنها لا تنوي احتلال أوكرانيا بأيّ شكل من الأشكال، ولا تريد البقاء فيها، ولكنها في نفس الوقت لا تريد أن تتحوّل أوكرانيا إلى خنجر يسلّط على رقبتها من قبل “الناتو” والدول الغربية، وبالتالي عرضت بيلاروسيا خدماتها لاستقبال الوفود المفاوضة، ووافق الكرملين على إرسال وفدين للمشاركة بهذه المفاوضات.
وحول العقوبات التي فرضتها الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على موسكو، والتي كان آخرها مقاطعة 4 بنوك روسية، يعتبر الحاج علي أنّ هذا أقصى ما يمكن أن يقوم به الغرب ضد روسيا، وسلّة العقوبات ضدها شبيهة بالتي كانت تُفرض على إيران.
ويلفت إلى أنّ موسكو قد درست بعناية وبشكل دقيق مدى تأثير هذه العقوبات على الوضع المعيشي لديها وعلى كافة القطاعات الاقتصادية والانتاجية فيها، وقد درست إمكانيات الردّ سياسيًا ودبلوماسيًّا على كافة أشكال هذه العقوبات، واتخذت إجراءات لاستيعاب الموجة الأولى والموجات اللاحقة من هذه العقوبات، وتبيّن للغرب أنّ مفعول هذه العقوبات سيكون له ردّة فعل عكسيّة على الاقتصاد العالمي وعلى اقتصاد الدول الأوروبية وحتى على الولايات المتحدة نفسها، سيكون أكبر من تأثيره الفعلي على الوضع الاقتصادي في روسيا، التي كانت قد جهزت نفسها لهذه العقوبات.
ويختم الخبير بالشأن الروسي بالتأكيد على أنّ روسيا لا تريد أن تتخلّى عن مشاركتها كعضو أساسي ومركزي في النظام العالمي، وهي لا تريد تهديد هذا النظام العالمي، لكنها ترغب بأن يكون هذا النظام مبنيًّا على النديّة وعلى الاحترام المشترك، وأن يكون مبدأ الأمن مبدأ أمن مشترك وليس مُجتزءًا، بشكل أن لا تقوم جهة أو حلف معيّن بإجراءات لضمان أمنها وتفوقها على حساب الدول أو المحاور الأخرى.
Views: 0