كيف “انتقمت” الجزائر من فرنسا تدريجيًّا وجعلت من الصين شريكها التجاري الأوّل؟ وهل تستعيد مكانتها العربيّة والدوليّة عبر الانضِمام للتحالف الصيني الروسي الكوري الشمالي الإيراني؟ وماذا تحمل قمّة بوتين تبون القادمة من مُفاجآت؟
تعمل السّلطات الجزائريّة بصَمتٍ مدروس للتخلّص من النفوذ الفرنسي بشقّيه السياسي والاقتصادي والاتّجاه شرقًا إلى الصين، وشِمالًا إلى روسيا، فقد باتت الصين الشّريك التجاري الأوّل للجزائر، وانتزعت الصّدارة من فرنسا التي كانت القوّة المُهيمنة الأولى حتى عام 2012.
العُلاقات الجزائريّة الصينيّة تاريخيّة، فقط كانت بكين أوّل دولة تعترف بالحُكومة الجزائريّة المُؤقّتة عام 1958، وزوّدت الثورة الجزائريّة بالسّلاح، وردّت الجزائر هذا الجميل بمُساعدة الصين لاستعادة كُرسيها في مجلس الأمن الدولي.
هُناك مشاريع ضخمة جدًّا تُنفّذها ونفّذتها شركات صينيّة في الجزائر أبرزها المسجد الأعظم (1.5 مِليار دولار)، والطّريق السّريع شرق غرب العملاق (11 مليارًا)، وميناء الحمدانيّة أكبر ميناء على ساحل البحر المتوسّط (6 مليار دولار)، ولكن الأهم من كُل ذلك التّعاون الأمني العسكري المُتسارع حيث اشترت الجزائر أوّل سفينة تدريب، وطائرات مُسيّرة وصواريخ مُضادّة للطّائرات والسّفن، ومُساعدة الجزائر لإطلاق أوّل قمر صناعي، وتشييد مفاعل نووي للأغراض الطبيّة.
ما نُريد قوله إن الدبلوماسيّة الجزائريّة باتت تُركّز على القِوى الجديدة العُظمى الصّاعدة مِثل الصين وروسيا والهند والبرازيل علاوةً على إيران، وتقلّص عُلاقاتها مع العالم الغربي بقدر الإمكان، وتستخدم قُدراتها الغازيّة (من الغاز) والنفطيّة في تعزيز هذا التّحالف، ولعلّ الزّيارة التي قام بها سيرغي لافروف وزير خارجيّة روسيا إلى الجزائر في الشّهر الماضي، وحمّله دعوةً رسميّةً من الرئيس الروسي بوتين إلى نظيره الجزائري عبد المجيد تبون لزيارة موسكو، أحد أهم المُؤشّرات في هذا الصّدد.
الجزائر حصلت من روسيا على أسلحةٍ مُتطوّرةٍ جدًّا أبرزها منظومات صواريخ “إس 400” وطائرات سوخوي الأحدث في التّرسانة العسكريّة الروسيّة، وأنظمة رادارات مُتطوّرة، وهُناك تسريبات غير مُؤكّدة تُفيد بأنّ التّعاون العسكري الجزائري الروسي قد يحظى بقَفزةٍ نوعيّة أثناء زيارة الرئيس لموسكو في الأسابيع القليلة المُقبلة.
خِتامًا نقول إن التحالف الروسي الصيني يُدرك جيّدًا أهميّة الجزائر كبوّابة إلى القارّة الإفريقيّة، بسبب عُلاقاتها الوثيقة مع مُعظم دول وحُكومات هذه القارّة، مُضافًا إلى ذلك دورها البارز في منظمة أوبك والتِزامها باتّفاق “أوبك بلس” بالتّنسيق مع روسيا زعيمة هذا المحور.
الجزائر التي ستستضيف القمّة العربيّة في شهر تشرين ثاني (نوفمبر) المُقبل بدأت تستعيد مكانتها العربيّة والدوليّة بشَكلٍ مُتسارع وبعد غِيابٍ طويل، الأمر الذي سيَصُبّ حتمًا في خدمة القضايا العربيّة وخاصَّةً القضيّة الفِلسطينيّة.
“رأي اليوم”
Views: 6