10:47 AM 2022-06-21
موضوع الإدارة المحلية موضوع حيوي وحساس، لا بل استراتيجي إذا أردنا أن نتحدث عن مقاربات مختلفة للمستقبل، وللتنمية والنهوض الشامل في سورية إذ لم يعد ممكناً بعد الآن إدارة ملفات البلاد التنموية من خلال مركزية شديدة ترافقها بالطبع بيروقراطية قاتلة تقتل المبادرات، وتميتها تحت عنوان المصلحة العامة.
عرفت سورية منذ ما بعد الاستقلال تجربة البلديات، والإدارة المحلية، وتطورت القوانين الناظمة عبر عقود من الزمن حتى صدور قانون الإدارة المحلية ما بعد الحركة التصحيحية عام 1970، حيث كانت البلاد بحاجة لتكثيف وحشد كل الجهود الوطنية في مرحلة نهوض تنموي شهدته سورية في عقود السبعينيات، ولكن إحدى إشكالياتنا الأساسية تتمثل في أن تطوير القوانين الناظمة لعمل ما، وقطاع ما، لا يواكب السرعة التي يتطور فيها المجتمع، وحاجاته، ورغباته، وغالباً ما نتأخر كثيراً في قراءة التحولات الاجتماعية والاقتصادية، ولهذا فإن تطوير قانون الإدارة المحلية احتاج إلى عقد ونيف من بداية الألفية الجديدة حتى صدر القانون 107، وللأسف فإنه جاء مع بداية الحرب على سورية، وجاء تطبيقه في ظروف استثنائية وغاية في الصعوبة والتعقيد، سواء من حيث فهم حجم واتساع التغييرات التي أجريت عليه، أم من حيث شرح أبعاده وأهدافه للجمهور من أجل دفعه للمشاركة في الانتخابات والتصويت لأصحاب الكفاءة، الذين يحظون برضا مجتمعهم المحلي من حيث السمعة والنزاهة.
نظرياً يحتوي القانون 107 نقطة تطور جوهرية وهي الانتقال من تعيين جزء من المجالس المحلية، وانتخاب جزء آخر، كما كان الأمر عليه في القانون الصادر عام 1971 أي مرسوم 15، إلى الانتخاب الكامل لأعضاء هذه المجالس، إضافة للصلاحيات التي تتمتع بها هذه المجالس في قضايا التنمية المحلية من الصحة والتربية والثقافة والخدمات والتطوير العمراني… إلخ، وإذا كانت الغاية من هذا التطور الكبير في القانون هو إشراك المجتمع المحلي في التنمية المستدامة، والشراكة مع المؤسسات الحكومية في تحقيق ذلك، فإن هناك إشكاليات كبيرة ما نزال نعانيها في التطبيق، وهذه الإشكالات عديدة وكثيرة، سأحاول مقاربة أهمها:
1- جاءت التعليمات التنفيذية الخاصة بقانون الانتخابات العامة فاتحة ثغرة كبيرة بالنسبة للمرشحين، وهي حق «كل من يجيد القراءة والكتابة بالترشيح»، وهو أمر يثير الاستغراب بالفعل، إذ لا يُعقل أن تكون شهادة محو الأمية تؤهل لقيادة مجلس محلي، في ضوء ما شهدته بلادنا من تطور كبير في التعليم والجامعات، تخيلوا أن أحد المجالس المحلية، ولن أذكر أين، كان يترأسه من يحمل شهادة ابتدائية، وأعضاء المجلس الآخرون مهندسون!
أعتقد أنه لابد من الحد الأدنى أي الثانوية العامة كشرط للترشيح، وإن كان ممكناً الذهاب لمعهد متوسط كحد أدنى وهذه ثغرة لابد من معالجتها.
2- موضوع الكفاءة والاختصاص مهم للغاية، إذ تقوم رئاسة مجلس الوزراء بفرز أعداد كبيرة من المهندسين سنوياً لوزارات الدولة المختلفة وبعضهم لا يجد عملاً، والسؤال لماذا لا يتم الفرز لمصلحة المجالس المحلية لتعزيزها، وتقويتها بكوادر من مختلف الاختصاصات!
3- شهدت الدورة الحالية لمجالس الإدارة المحلية حلاً للعديد من المجالس لأسباب ترتبط بالفساد، وضعف النزاهة، وهو أمر يكاد يشكل هاجساً حقيقياً للمجتمع بأكمله، ولهذا فإن الحرص على وضع معايير وأسس من حزب البعث والائتلاف الحاكم معه، أكثر من ضروري، من أجل الوصول إلى أفضل الكوادر وخيرها، إضافة إلى محاسبة الكوادر الحزبية التي تدان بقضايا فساد من خلال طردها خارج المؤسسة الحزبية، لا بل عدم تسلمها أي مهمة حزبية أو إدارية مستقبلاً حرصاً على المصداقية أمام الجمهور.
4- إن التدريب والتأهيل المستمر للكوادر العاملة في المجالس المحلية يعتبر قضية مفصلية، إذ بإمكان وزارة الإدارة المحلية أن تؤسس معهداً خاصاً بها لتأهيل الكوادر حالياً ومستقبلاً، يكون له فروع في المحافظات، مهمته إخضاع المنتخبين لدورات إجبارية قصيرة ومكثفة، وكذلك تأهيل كوادر تشكل خزاناً لمرشحي الإدارة المحلية مستقبلاً، وهو ما سيجعل هذه الدورات ممراً إلزامياً لتأهيل الكوادر على مستوى عال، وهذا الأمر أسوة بوزارة الخارجية التي طورت معهدها الدبلوماسي، ووزارة العدل بمعهدها القضائي وغيرها من المؤسسات، ذلك أن التأهيل والتدريب التخصصي أكثر من ضروري الآن وفي المستقبل.
لقد أولى الرئيس بشار الأسد هذا الملف أهمية كبيرة عندما التقى رؤساء المجالس المحلية، وتحدث أمامهم عن رؤيته لدور هذه المجالس الخدمي والتنموي، والنقلة التي نحتاجها في سورية في هذا المجال، كما تحدث عن ذلك أمام المجلس الأعلى للإدارة المحلية والمحافظين وأمام الحكومة، الأمر الذي يطرح تحديات جمة لتذليلها خلال المرحلة القادمة التي ستشهد انتهاء ولاية المجالس الحالية، والدعوة لانتخابات محلية جديدة، قد تكون في الخريف القادم.
إن العمل في المجالس المحلية، والنجاح فيها قضية مهمة للأحزاب السياسية لأن التميز والحصول على رضا الناس سيكون مؤشراً لمدى قدرة أي حزب سياسي على تنفيذ خططه، وسيكون بوابة واسعة لانتقاء الكوادر السياسية وترقيتها في مهامها، ذلك أن قصص النجاح لا يمكن أن تأتي من السيرة الذاتية فقط، بل من النجاح في التجربة العملية، التي يقول الناس فيها رأيهم بالشخص، خاصة أن العمل المحلي عمل يومي، واختبار مستمر لمدى قدرة الشخص على خدمة ناسه وشعبه بكفاءة ونزاهة، وهو الهدف الأساس لأي حزب سياسي في العالم.
إن تجربة الإدارة المحلية هي محور إستراتيجي لنقل سورية لمرحلة أخرى، فيها شراكة أكبر مع المجتمع المحلي، ودفع أوسع للتنمية المتوازنة والمستدامة، وإذا كان تقييم هذه التجربة في ظروف الحرب قد لا يكون موضوعياً في ضوء ما شهده بلدنا من واقع استثنائي، وحرب فاشية، لكن التفكير بالأفضل، والتوقف عن إلقاء كل أخطائنا، ومكامن فشلنا، على الحرب هو أمر لم يعد مقبولاً.
ما أدعو الناس والكفاءات وذوي الخبرات إليه هو الترشيح والمنافسة في الانتخابات المحلية القادمة، وأما أبناء شعبنا فأدعوهم لانتخاب الأكثر كفاءة ونزاهة بعيداً عن الأمراض الاجتماعية التي تظهر مع كل انتخابات، ثم نلوم الآخرين ولا نلوم أنفسنا، صوتكم يحسم، هذا هو الخيار الوحيد.
وإضافة إلى ذلك إنه من المُلح سد الفجوة ما بين النظرية والتطبيق، وهي إحدى القضايا المزمنة لدينا، ليس في الإدارة المحلية فقط، وإنما في الكثير من قضايانا العامة.
الوطن
Views: 1