أسد الشمالي – البلاد
يواجه قطاع النقل بالميكروباص (السرفيس) باعتباره الوسيلة الأساسية للنقل الشعبي ، أزمة تشغيلية وأخلاقية أعيت المواطن إلى درجة القهر، من طقوس المعاناة ، والإهانات والمخالفات التي يمارسها أصحاب السرافيس بحقه يوميا .
تطور مشكلة النقل بفعل الحصار الجائر والحرب التي تتعرض لها البلاد ، من صعوبات ونقص محروقات ومحاولات إدارة هذا النقص ، إلى استغلال البعض لظروف البلاد الصعبة ، حول المشكلة إلى أزمة أوقفت نبض الحياة وقطعت شرايين سبلها.
لحظات فقط من طقوس الانتقال اليومية بواسطة (السرفيس ) كفيلة بشرح المأساة .. ، إنها عملية تحول السرفيس إلى علبة “مكدوس بشرية” .
فبعد أن تكتمل عملية صعود الركاب وضغط آخر راكب أقحم بالباب بلا مقعد ، محنياً رأسه فوق الركاب الجلوس ، في عملية تتكرر مع كل سرفيس ، يقوم السائق بالإمعان في إهانة الركاب من خلال صراخه : (خود عليك) أي ” اجعل حجمك ينكمش والتصق لتعبئة السرفيس بأقصى ما يمكن”، ثم تبدأ شتائم وحجج عدم وجود الفراطة .
ورغم أن حشر الركاب مخالف لقوانين السلامة المرورية والصحية ولكرامة الإنسان ، إلا أن غض البصر عنها بحجة سد النقص في السرافيس العاملة ، جعلها حقاً لسائق السرفيس ، والحقيقة أن الغرض منها هو التحايل لتقاضي أجرة أكثر من التعرفة الرسمية بزيادة عدد الركاب .
أحد المساهمين في تطوير الأزمة والمستفيدين منها، وهو ” مراقب الخط” ، يقوم بتجاهل الشكاوى في معرض تحديه لتذمر الناس ، ولكن صوته يرعد بالقول : (ْْْْْْْ….أنا عم آخذ أجرتي لنظم الدور …) عند سؤاله عن سبب دس بعض أصحاب السرافيس مبالغ نقدية في جيبه مقابل عدم مخالفتهم وحمايتهم من التهرب بالعمل على الخط .
فبعد أن تطعم أيديهم جيبه بالمال وتستحي عينه ممن يدس ، وتحمر الأخرى غضباً ممن يشتكي ، يقوم بتسجيل حركتهم ويختمها بختمه “الدائري”.
سألت أحد سائقي السرافيس عن المبلغ الذي يتقاضاه المراقب وماهي موجباته ، فأجاب بأنه يدفع له (1500 ل.س) عن كل مخالفة دور لتسويتها من أجل صرف كمية المازوت والتحايل على القانون .
قد تظن أن الأمر يتوقف عند جحيم التعامل مع السرافيس فقط ، لكن هذه الفوضى فتحت باب رزق لمتربصين أشد فتكاً بكرامة المواطن وجيبه ، وهم طوابير سيارات الأجرة “التاكسي” التي أعلنت عن ظهورها كمنقذ وحل لمشكلة نقص السرافيس .
آلاف قليلة من الليرات هي” قيمة رمزية ” من وجهة نظر أحد جانبي العملية في “نظرية النسبية” ، وقد تصل إلى ربع راتب الموظف فقط !! يتم بها حل مشكلة النقل لمن قطع أمله في الانتقال بالسرفيس، وكان ظرفه يتطلب الانتقال سريعاً!
هناك عنصر جديد أيضاً ظهر على الساحة، وهو “الحويص” المكلف باستحضار ركاب لسيارات الأجرة ، وليكون صلة وصل بين أصحاب التاكسي ومراقب خط السرفيس لتنظيم إدارة الفوضى الخلاقة ، وهذا الشخص قد يتبدل كونه أحد سائقي التاكسي ، يتم ندبه من قبلهم لتسريع دورهم وضمان حصتهم من الركاب .
يمثل فقدان الثقة بالعامل البشري في نموذج النقل مشكلة أخلاقية واجتماعية قد يعوضه أمل يلوح في الأفق ستقدمه التكنولوجيا من خلال إدخال نظام التتبع وأتمتة عملية النقل بنظام (ج ب إس) والتي أعلنت محافظة دمشق عن البدء بتجهيز البنية الإدارية والتقنية له ، لكن فقدان الثقة هذه تنذر بانحدار شديد لمستوى القيم الإيجابية للمجتمع وتنذر بتحولات سيئة وربما خطيرة قد يصعب التعامل معها مستقبلاً.
Views: 5