اعتِرافان “صادِمان” لبلير والجِنرال راداكين يَحمِلان صُورةً قاتمةً للحرب الغربيّة في أوكرانيا.. ما هُما؟ وهل كسب بوتين الجولة الأُولى؟ وهل سينجح الغرب في منْع التفوّق العسكري الصيني مِثلَما كرّر بلير مطالب أُستاذه كيسنجر؟
بدأت القِوى والقِيادات الغربيّة الرئيسيّة تعترف بشَكلٍ تدريجيّ، ولكن مُتسارع، بأنّ الانتِصار في الحرب الأوكرانيّة باتَ أقلّ احتِمالًا، وأنّ الدّعاية الغربيّة التي سادت في بداية هذه الحرب وتقول غير ذلك، وتُركّز على ضعف الغريم الروسي، بدأت تتبدّد بعد أن جاءت الوقائع على الأرض تُؤكّد عكس ذلك.
هُناك تصريحان على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة صدَرا اليوم الأحد أحدهما سياسي والثاني عسكري يُؤكّدان ما ذكرناه آنفًا:
-
الأوّل: اعتراف توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق (1997 – 2007) بأنّ حرب أوكرانيا أظهرت أن هيمنة الغرب تشهد نهايتها في ظِل صُعود صيني لتُصبح قُوَّةً عُظمى بالشّراكة مع روسيا، وقال في خطابٍ ألقاهُ في مُنتدى “ديتشلي بارك” غرب لندن “نحن نشهد نهاية الهيمنة السياسيّة والاقتصاديّة الغربيّة ونقف على أبواب عالم مُتَعَدِّد الأقطاب، وعلى الغرب أن لا يسمح للصين بالتفوّق العسكري”.
-
الثاني: استِبعاد الجِنرال توني راداكين قائد القوّات المسلّحة البريطانيّة في حديثٍ مع محطّة “بي بي سي” جميع التكهّنات التي راجت حول تدهور صحّة الرئيس فلاديمير بوتين، أو إمكانيّة تعرّضه للاغتِيال، وقال “إن كُل هذه التوقّعات مُجرّد تفكير رغبوي، ونرى كعسكريين مُحترفين نظامًا روسيًّا مُسْتَقِرًّا ولا يُوجد أيّ شخص في الهرميّة العُليا في روسيا تملك القُدرة على تحدّي الرئيس بوتين”.
توني بلير الشخصيّة البريطانيّة الأقرب إلى الدّولة الأمريكيّة العميقة، والشّريك والمُنظّر لجميع حُروبها، خاصَّةً في مِنطقة الشّرق الأوسط، لا يُمكن أن يُطلِق مِثل هذا الاعتِراف، وفي هذا التّوقيت، أيّ بعد ما يَقرُب من خمسة أشهر من الحرب الأوكرانيّة، إلا بعد امتلاكه المعلومات الاستخباريّة الدّقيقة التي تدفعه إلى إصدار تنبّؤاته وأحكامه هذه، والشّيء نفسه يُقال عن الجنرال راداكين الذي يُشرِف بشَكلٍ مُباشر على الحرب الأوكرانيّة، ويُتابع تطوّرات المعارك على الأرض، وقُوّة الجيش الروسي، من موقعه كقائد للقوّات العسكريّة البريطانيّة.
الجيش الروسي، الذي لم يُلقِ بكُلّ ثُقله في الحرب الأوكرانيّة بعد مثلما قال الرئيس بوتين قبل ثلاثة أيّام، يستعدّ للمرحلة الثانية من الهُجوم، باستهدافِ مُدُنٍ أُخرى وتكثيف القصف على كُلّ الجبهات بِما في ذلك العاصمة كييف، بدءًا من تدمير راجمة صواريخ “هيمارس” الأمريكيّة التي وصلت للتّو إلى قواعدٍ للجيش الأوكراني في أحد جُيوب دونباس الباقية خارج سيطرة الجيش الروسي وحُلفائه، ومستودع لصواريخ “هاربون” في جنوب أوكرانيا أيضًا.
نحن نقف فِعلًا أمام تغييرٍ جيو سياسيّ محوريّ، ونشهد نهاية الهيمنة الأمريكيّة والغربيّة على عرش العالم، وبما يُذكّرنا بنهاية الحرب العالميّة الثانية التي مهّدت لهذه الهيمنة بهزيمة ألمانيا النازيّة وحُلفائها في إيطاليا واليابان، وبات المسرح مُهَيَّئًا للقِيادة الجديدة المُتمثّلة في التّحالف الصيني الروسي على الصُّعُدِ كافّة.
توني بلير يتّفق فيما يبدو مع أُستاذه هنري كيسنجر عندما يؤكّد أنّ الصين هي الخطر الأكبر، ويُطالب الغرب بعدم السّماح لها بالتفوّق عسكريًّا، وهذه المطالب “مُجرّد تفكير رغبوي” مثلما قال الجنرال راداكين فقد فات الوقت لمنع هذا التفوّق، ناهِيك عن عدم وجود المُؤشّرات الغربيّة التي يُمكن أن تُحقّق ذلك في ظِل الأوضاع الاقتصاديّة والسياسيّة المُتدهورة للتّحالف الغربي، وتراجع حُظوظه بشَكلٍ مُتسارع في الفوزِ بالحرب “الاستنزافيّة” الأوكرانيّة.
التمنّيات شيء، وما يجري على أرضِ الواقع شيءٌ آخر، وبلير والجنرال راداكين وكُلّ الزّعماء الغربيين يُدركون هذه الحقيقة جيّدًا، والأيّام المُقبلة قد تشهد المزيد من الاعتِرافات الصّادمة.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 4