؟ ولماذا كانت عمليّة الاغتيال هذه استهدافًا له ونقلًا للحرب الاستخباريّة إلى قلبِ موسكو؟ وما صحّة التكهّنات التي لا تستبعد دَوْرًا لـ”الموساد”؟
عمليّة الاغتيال هذه التي تعتقد السّلطات الروسيّة أنها كانت تستهدف المُفكّر اليميني القومي الروسي المُتشدّد، والمُنظّر الأكبر لعودة أوكرانيا للسّيادة الروسيّة (صاحب كتاب أوكرانيا معركتي) جاءت طعنةً مُباشرةً للرئيس بوتين، وأوّل اختِراق استِخباري من نوعه للأمن الروسي، وفي وقتٍ تتعاظم فيه عمليّات توريد أسلحة وصواريخ أمريكيّة حديثة لأوكرانيا، وتصاعد أعمال القصف الصّاروخي لشِبْه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا عام 2014.
أصابع الاتّهام الروسيّة تُشير إلى وقوف أجهزة استخبارات خارجيّة قد تقف خلف عمليّة الاغتيال هذه، دون أن تُحدّدها بالاسم، لكن مصادر روسيّة لا تستبعد أن يكون هُناك دور مُباشر أو غير مُباشر لوكالة المُخابرات الأمريكيّة (سي آي إيه) أو جهاز المُخابرات الإسرائيلي الخارجي “الموساد”.
مُنفذّة عمليّة الاغتيال الأوكرانيّة كانت تُتابع ضحيّتها عن كثب، واستأجرت شقّةً في العمارة نفسها التي تُقيم فيها الضحيّة داريا، وتواجدت في الفعاليّة الثقافيّة التي كانت تُشارك فيها الضحيّة قبيل تفجير سيّارتها.
اغتيال داريا دوغين ربّما يكون جُزءًا من فصلٍ جديد في الحرب الأوكرانيّة من حيث نقل الاغتيالات إلى قلب العاصمة الروسيّة لزعزعة الأمن، وبثّ حالةٍ من القلق والرّعب في أوساط الرأي العام الروسي، في إطار “حربٍ نفسيّة” استخباريّة مدروسة.
خبير أمني عربي قال لـ”رأي اليوم” إنّه من غير المُستَبعد أن يكون خُبراء في الموساد الإسرائيلي يعملون كمُرتزقة مع جهاز الأمن الأوكراني وظّفوا خُبراتهم في هذه الحرب الاستِخباريّة النفسيّة لصالح أوكرانيا، وهذا ربّما يُفَسِّر تدهور العلاقات الروسيّة الإسرائيليّة، وإغلاق مكاتب الوكالة اليهوديّة في جميع مُدُن روسيا وهُروب رئيسها الحاخام غولدسميث المعروف بدعمه للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحُكومته.
جهاز “الموساد” الإسرائيلي يملك خُبرات عالية جدًّا في عمليّات الاغتيال تجلّت بشَكلٍ واضح في اغتِيال العديد من عُلماء الذرّة الإيرانيين، والمُشاركة في تنفيذ عمليّة اغتيال اللواء قاسم سليماني رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في مطار بغداد، ومن غير المُستَبعد أن يكون زيلينسكي وجهاز مُخابراته قد استعان بهذه الخُبرات، وتزامن أزمة إغلاق مكاتب الوكالة اليهوديّة في روسيا مع اعتِقال الجيش الروسي عددًا من المُرتزقة الإسرائيليين في جنوب شرق أوكرانيا اعترف بعضهم أنه من كوادر الاحتياط في الجيش وأجهزة أمن إسرائيليّة لم يكن من قبيل الصّدفة.
السُّؤال الذي يتردّد حاليًّا في موسكو والكثير من العواصم الأوروبيّة هو عمّا إذا كانت دولة أستونيا التي هربت إليها مُنفّذة عمليّة الاغتِيال مع ابنتها القاصر، ستستجيب للطّلب الروسي بتسليمها أمْ لا؟
من المُرجّح أن ترفض الحُكومة الأستونيّة هذا الطّلب، وأن تنفي وجود المُنفّذة على أراضيها، الأمر الذي قد يُعرّضها إلى انتقامٍ روسيّ عاجلًا أمْ آجلًا، ربّما يَصعُب علينا، وغيرنا التكهّن بنوعه وحجمه، ولكن ما يُمكن التكهّن به بأنّ مِثل هذا الانتقام قد يَجُر دول بحر البلطيق الثلاث (أستونيا لاتفيا وليتوانيا) إلى أتون الحرب الأوكرانيّة بطَريقةٍ أو بأُخرى، فالذين يعرفون بوتين جيّدًا يقولون بأنّه سيثأر حتمًا لمقتل ابنة مُستشاره وصديقه ألكسندر دوغين.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 4