ولماذا نُشَكّك في هذا الاحتِمال ونُحَذّر المُراهنين العرب على هذه العودة ونُجومها كوشنر وإيفانكا وبومبيو من خيبةِ أمَلٍ كُبرى؟
أعلن دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السّابق ترشّحه رسميًّا لانتِخابات الرئاسة الأمريكيّة بعد عامين (2024) مُكرّرًا وعوده بعودة أمريكا القويّة ومُنتقدًا خصمه الديمقراطي جو بايدن بإضعافها، وتفشّي الجريمة والعُنف في عهده، وارتِفاع مُستوى التضخّم وغلاء المعيشة، والنّقطة الأهم أن الرئيس الحالي يقود البلاد إلى حربٍ نوويّة.
الحزب الجمهوري الأمريكي يعيش حاليًّا حالةً من الانقِسام، أظهرت الانتخابات النصفيّة الأخيرة أنّه أكبر ممّا توقّعه الكثيرون وجاءت نتائجها التي أكّدت سيطرة الحزب الدّيمقراطي على مجلس الشّيوخ مُفاجأةً للكثيرين، وشكّكت في مصداقيّة مُؤسّسات استِطلاع الرأي التي تنبّأت بفوزٍ ساحقٍ لهم، أيّ الجمهوريين على مجلسيّ النوّاب والشيوخ.
الأداء السّيء للحزب الجمهوري في الانتخابات النصفيّة يعود إلى أسبابٍ عديدةٍ أبرزها أداء ترامب واختِياراته الخاطئة للمُرشّحين الذين دعمهم، وبلغ عددهم 200 مُرشّح ويعزو الكثير من المُراقبين سبب فشل نسبة كبيرة منهم إلى وقوف ترامب خلفهم، ونُفور النّاخبين منه، وإرث إدارته من فسادٍ وفضائحٍ وفوضى.
استِطلاعات الرّأي نفسها ما زالت تقول نتائجها إن ترامب يتمتّع بشعبيّةٍ كبيرةٍ، وتُرجّح فوزه في الانتخابات الرئاسيّة القادمة، ولكنّ مشاكله مع القضاء وفضائحه الماليّة والجنسيّة، قد تحول دون عودته إلى البيت الأبيض، أو حتّى خوضه لهذه الانتِخابات، مُضافًا إلى ذلك أن الدّولة العميقة التي تقف ضدّه بسبب دوره في تحريض أنصاره على اقتِحام مبنى الكونغرس ورفضه الاعتِراف بفوز خصمه بايدن قد تضع “فيتو” كبير على نزوله إلى ميدان الانتخابات المُقبلة، أو حتّى الفوز بترشيح حزبه الجُمهوري، والدّولة العميقة لا تعوزها الحيلة.
لا نُميّز بين ترامب وبايدن في هذه الصّحيفة، ولا نرى إلا فُروقًا ضئيلةً بينهما، خاصَّةً عندما يتعلّق الأمر بسِياساتهم في الشّرق الأوسط، فكلاهما يدعم المجازر الإسرائيليّة في فِلسطين المُحتلّة، ونقل السّفارة الأمريكيّة إلى القدس، ودعم الاستيطان، وحِصار سورية وإيران ولبنان واليمن، فبايدن أكثر صهيونيّة من ترامب، وقال كلمته الشّهيرة، ولو لم تُوجَد إسرائيل لكانَ علينا إيجادها، وترامب كان دُمْيَةً في يد بنيامين نِتنياهو، وأقدم على “حماقة” إلغاء الاتّفاق النووي مع إيران، رُضوخًا لضَغطِ الأخير، وجاء هذا الإلغاء في مصلحة إيران وتخصيبها كميّاتٍ كافية من اليورانيوم وبنسب عالية تُؤهّلها لتصنيع قنبلة نوويّة في الوقتِ الذي تشاء.
أمريكا تفقد مكانتها كدولةٍ عُظمى بشَكلٍ مُتسارع في ظِل الصّعود الصيني والروسي سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، وهيمنتها على مُقدّرات العالم تتآكل، وتورّطها المُباشر، وحلف النّاتو الذي تتزعّمه في الحرب الأوكرانيّة قد يكون مُقدّمة لاستِنزافها وانهِيارها اقتصاديًّا وربّما عسكريًّا أيضًا، وانفِجارِ حربٍ أهليّة داخليّة.
خِتامًا نقول إن الانتخابات الأمريكيّة ونتائجها لم تعد تهمّنا كشرق أوسطيين لأنّ التطوّرات المُتوقّعة في الشّرق الأوسط تُؤكّد تراجع الدّور الأمريكي وضعفه، فالشّعب الفِلسطيني عادَ إلى ثقافة المُقاومة، وحدّث أساليبها نوعيًّا، والسّلطة المُتواطئة مع الاحتِلال تَلفُظُ أنفاسها الأخيرة، والقلق والرّعب هو العُنوان الرّئيسي لحالة مُستوطني الدّولة العبريّة هذه الأيّام، وتفاقم أعداد الهاربين من “أرض الميعاد” إلى ملاذاتٍ آمنة في أمريكا وكندا وأوروبا.
عودة إيفانكا ترامب وزوجها جاريد كوشنر، وكبيرهما الذي علّمهما السّحر وخِداع ضِعاف العرب وابتِزازهم، ودفعهم إلى توقيع اتّفاقات “سلام أبراهام”، لن تكون لها التّأثير السّابق، ومن يُراهِن على هذه العودة، ويضع كُل بيضه في سلّتها لا يملك قراءةً دقيقةً وعلميّةً لتطوّرات الأعوام المُقبلة ومُفاجآتها، والمُتغيّرات المُتسارعة على خريطة القِوى الجديدة والتّوازنات في العالم.
“رأي اليوم”
Views: 5