قال علماء إن الأيام التي مض كانت على الأرجح الأكثر سخونةً في تاريخ الأرض الحديث، حيث استمرت موجة الحرارة المذهلة في جميع أنحاء العالم في تحطيم سجلات درجات الحرارة من أميركا الشمالية إلى القارة القطبية الجنوبية.
وتقول صحيفة The New York Times الأميركية إن هذا الارتفاع يأتي في الوقت الذي يحذر فيه خبراء الأرصاد من أن الأرض يمكن أن تدخل فترة متعددة السنوات من الدفء الاستثنائي مدفوعاً بعاملين رئيسيين: استمرار انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والناجمة أساساً عن حرق البشر للنفط والغاز والفحم، وعودة ظاهرة النينيو وهو نمط مناخي دوري.
يوم الثلاثاء 4 تموز، ارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى مستوى مرتفع جديد قدره 62.9 درجة فهرنهايت (17 درجة سليزيوس).
وهذه الزيادة بالتأكيد مدهشة. وقال باحثون إن الكوكب شهد مؤخراً أعلى درجة حرارة تسجلها أشهر حزيران على الإطلاق، حيث اجتاحت موجات الحرارة القاتلة تكساس والمكسيك والهند. وقبالة سواحل القارة القطبية الجنوبية، انخفضت مستويات الجليد البحري هذا العام إلى مستويات قياسية.
وفي منطقة شمال الأطلسي تجاوزت درجة حرارة المحيط أعلى درجات مسجلة سابقاً. وكانت درجة حرارة سطح المحيط في أيار 2.9 درجة فهرنهايت، أو 1.6 درجة مئوية، أي أدفأ من المعتاد في هذا الوقت من العام، محطمة الأرقام القياسية السابقة بهامش كبير غير عادي.
وأزعجت القفزة الحادة في درجات الحرارة حتى العلماء الذين يتتبعون تغير المناخ. وقال بريان ماكنولدي، كبير علماء الأبحاث بجامعة ميامي الأميركية: “هذه الدرجات أعلى بكثير مما سُجِّل سابقاً بدرجة تستعصي على الفهم، حتى لا تكاد تبدو حقيقية”.
ويوم الثلاثاء 4 تموز، ارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى 62.6 درجة فهرنهايت، أو 17 درجة مئوية؛ ما يجعله أكثر الأيام حرارة التي تشهدها الأرض منذ عام 1940 على الأقل، عندما بدأ التسجيل، ومن المرجح أيضاً أنه أعلى حتى من الفترات التي تسبق ذلك، وفقاً لتحليل أجرته خدمة Copernicus Climate Change التابعة للاتحاد الأوروبي.
ونظراً لأن هذا كان متوسط درجة حرارة، شعرت أجزاء من الكرة الأرضية بالحرارة الزائدة بدرجة أقوى. على سبيل المثال، في جنوب الولايات المتحدة وشمال المكسيك، حيث وصل مؤشر الحرارة إلى ثلاثة أرقام، أدى تغير المناخ إلى جعل موجة الحرارة المستمرة أكثر سخونة بنحو 5 درجات فهرنهايت، وفقاً للعلماء في مختبر لورانس بيركلي الوطني في كاليفورنيا.
وقال زيك هاوسفاثير، عالم المناخ في منظمة أبحاث Berkeley Earth، إن الاحترار الكلي للكوكب “يقع في نطاق ما توقع العلماء حدوثه” مع استمرار البشر في ضخ كميات هائلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي.
ومنذ القرن التاسع عشر، ارتفعت درجة حرارة الأرض، إجمالاً، بمقدار درجتين فهرنهايت تقريباً (أقل من 1.6 درجة سليزيوس)، وستستمر في الارتفاع أكثر حتى يُوقِف البشر جميع الانبعاثات من الوقود الأحفوري ويوقفوا إزالة الغابات، كما تقول الصحيفة الأميركية.
المزيد من الحرارة قادمة
لكن العوامل الأخرى التي تضاف إلى الاحترار الذي يسببه الإنسان ربما تكون قد ساعدت في تسارع درجات الحرارة تسارعاً كبيراً في الأشهر الأخيرة. على سبيل المثال، تسبب ظاهرة دورية في المحيط الهادئ تُعرف باسم تذبذب النينيو الجنوبي تقلبات من سنة إلى أخرى عن طريق تحويل الحرارة داخل وخارج طبقات المحيط الأعمق. وتميل درجات حرارة سطح الأرض إلى أن تكون أبرد خلال سنوات ظاهرة النينيا وتكون أكثر سخونة خلال سنوات ظاهرة النينيو.
وقال عالم المناخ الدكتور زيك هاوسفاثير: “أحد الأسباب الأساسية وراء تحطيم العديد من درجات الحرارة القياسية هو أننا ننتقل من امتداد ظاهرة النينيا لفترة طويلة على غير المعتاد، التي استمرت ثلاث سنوات وأدت إلى خفض درجات الحرارة، إلى ظاهرة النينيو قوية”.
ومن المحتمل أن ذلك ينذر بمزيد من الحرارة القادمة. وبدأت ظاهرة النينيو الحالية للتو ولا يتوقع العديد من الباحثين أن تبلغ ذروتها حتى كانون الأول أو كانون الثاني، مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية مرة أخرى في الأشهر التالية. وقال العلماء إن هذا يعني أن العام المقبل قد يكون أكثر سخونة من العام الحالي.
وقد تكون هناك ديناميات أخرى متداخلة أيضاً. فقد شهد شمال الأطلسي حرارة قياسية منذ أوائل آذار، قبل أن تبدأ ظاهرة النينيو. وقد يكون أحد العوامل هو نظام الضغط العالي شبه الاستوائي المعروف باسم “المرتفع الأزوري” الذي أضعف الرياح التي تهب فوق المحيط ويحد من كمية الغبار التي تهب من الصحراء، والتي تساعد عادة على تبريد المحيط.
وقال الدكتور ماكنولدي، من جامعة ميامي، إن أنماط الطقس هذه قد تتغير في الأسابيع المقبلة. وأردف: “لكن حتى في ذلك الوقت، ربما ننتقل من درجات حرارة جنونية تحطم الأرقام القياسية السابقة إلى درجات حرارة متطرفة”.
ما علاقة ذلك بالأعاصير المدمرة؟
دفعت الحرارة المرتفعة بشدة بعض خبراء الأرصاد الجوية إلى زيادة تحذيراتهم بشأن موسم الأعاصير هذا العام. وقال خبراء الأرصاد في جامعة ولاية كولورادو إنهم يتوقعون الآن موسم أعاصير أعلى من المتوسط في المحيط الأطلسي، مع حوالي 18 إعصاراً استوائياً، وهو انعكاس للتنبؤات السابقة بسنة أهدأ من المعتاد.
وغالباً ما تكبح ظاهرة النينيو الأعاصير في المحيط الأطلسي، لكن هذا قد لا يكون صحيحاً هذا العام بسبب مياه المحيط الدافئة بشكل استثنائي، التي يمكن أن تغذي العواصف.
بينما اقترح باحثون آخرون أن الجهود الأخيرة لإزالة التلوث الكبريتي من السفن حول العالم قد يرفع درجات الحرارة قليلاً؛ لأن ثاني أكسيد الكبريت يميل إلى عكس ضوء الشمس وتبريد الكوكب إلى حد ما. ومع ذلك، لا يزال هذا التأثير الدقيق قيد المناقشة.
وقال غابرييل فيكي، عالم المناخ في جامعة برينستون: “يبدو أن هناك تجمعاً غير عادي من عدة عوامل مُسبِّبة للاحتباس الحراري في الوقت الحالي. وكل هذا يحدث في عالم كنا نزيد فيه غازات الاحتباس الحراري على مدار الأعوام الـ 150 الماضية، ما يؤدي حقاً إلى زيادة المخاطر ويرجح أننا نندفع نحو تحطيم الأرقام القياسية السابقة لدرجات الحرارة”.
Views: 9