أسئلة كثيرة تطرح نفسها بشأن التوقعات المالية والمصرفية للمرحلة المقبلة التي ستكون بالتأكيد مختلفة عن مرحلة الثلاثة عقود المنصرمة، بعدما طوى لبنان، أمس، صفحة حاكم البنك المركزي رياض سلامة الذي استمر في منصبه منذ ما يقارب ثلاثين عاماً، حيث تمكّن من إرساء معادلة مالية محكمة، بواسطة شبكة علاقاته الداخلية والخارجية، وكان أحد أقطاب المنظومة الحاكمة، منذ إقرار اتفاق الطائف، مع مجيء الرئيس الراحل رفيق الحريري إلى السلطة في العام 1992. وفي ظل واقع لبنان المزري على مختلف الأصعدة، لا بد من التساؤل عن مدى قدرة الاقتصاد اللبناني المنهار أصلاً، على تحمّل تبعات ما بعد سلامة، وفي ظل تخبّط كبير يتحكّم بالمسار الذي يفترض أن يسلكه مصرف لبنان، بعد انتهاء حقبة سلامة.
وإذا كان سلامة، خرج من مصرف لبنان على وقع الطبل والزمر، «متفاخراً» بما حققه خلال ولايته، في وقت وصل لبنان وشعبه إلى مستوى غير مسبوق من الانهيار الاقتصادي والمالي الذي فاق كل الحدود، فإن الانظار اتجهت إلى المؤتمر الصحافي الذي عقده نائب حاكم مصرف لبنان الأول وسيم منصوري، بحضور نواب الحاكم الثلاثة، حيث كان الرجل واضحاً وبكثير من الشفافية في رسم معالم المرحلة الشديدة الخطورة التي تنتظر لبنان. وقد وجّه منصوري رسالة بالخط العريض إلى حكومة تصريف الأعمال، بأنه لن يكون هناك بعد اليوم تمويل للدولة، لأن لا قدرة للمصرف المركزي على ذلك، من خلال الكتاب الذي وجّه الى الحكومة، وخلاصته أن «سياسة الدعم التي تصرف 800 مليار دولار شهريا لا يمكن أن تكون سياسة صحيحة».
ولم تستبعد مصادر مالية أن «يكون لبنان أمام مرحلة جديدة بكل معنى الكلمة، لا يمكن التكهن بنتائجها، بحيث أن مساراً مختلفاً سيشهده البلد على الصعيد المالي والمصرفي»، مشدّدة على أنه «ليس من السهل طي صفحة هذا الرجل الذي أرسى معادلة مالية على مدى سنوات حكمه، وبالتالي فإنه ليس معروفاً مدى طبيعة ما ينتظر لبنان في المرحلة المقبلة على هذا الصعيد، في ظل أوضاع البلد المنهارة على مختلف الأصعدة». وهذا ما يوجب برأي المصادر، أن تبادر حكومة تصريف الأعمال إلى اتخاذ كل ما هو ضروري، للاستجابة لخطة العمل التي وضعها نائب الحاكم الأول مع نواب الحاكم الآخرين، وشريطة ألا تساهم الخلافات السياسية في عرقلة خطة العمل الجديدة، لأن ذلك سيؤدي إلى تأزّم الأمور أكثر، في ظل استمرار الشغور الرئاسي الذي سيأخذ لبنان إلى منزلقات بالغة الخطورة، في حال لم يتم وضع حد له، بالاستجابة لما حمله معه إلى بيروت، المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي شدّد على ضرورة إقامة حوار بين المكونات السياسية في أيلول المقبل، يفضي إلى انتخاب الرئيس العتيد.
وإذ تعرب أوساط سياسية عن اعتقادها أن أي تقدّم في مهمة لودريان لن يتحقق، طالما لم تتنازل الأطراف السياسية اللبنانية عن شروطها التي ما زالت تؤخّر التسوية، فإنها تنظر إلى المرحلة المقبلة، بأنها ستكون حاسمة على صعيد الاستحقاق الرئاسي، بعدما بلغت الانهيارات مستويات قياسية. وهذا سيقود هذه الأطراف حتماً إذا كانت ضنينة بمصلحة البلد، إلى ملاقاة بعضها في منتصف الطريق، بما يمكن المجلس النيابي، بعد التوافق على مواصفاته المطلوبة، من انتخاب رئيس للجمهورية، قادر على إعادة بناء المؤسسات وربط الجسور بين لبنان وأشقائه العرب والمجتمع الدولي. كما أكدت عليه «المجموعة الخماسية» التي تراقب عن كثب تطورات الملف الرئاسي في لبنان، في ظل دعم كبير وفّرته للمبعوث لودريان لإنجاز مهمته.
وسط هذه الأجواء، فإن انفجار الصراع داخل مخيم «عين الحلوة» وبهذا الشكل، وما أثاره من قلق داخل مدينة صيدا والجوار، لم يخفِ حقيقة عبّرت عنها مصادر سياسية، من وجود محاولات لتوسيع رقعة هذا الصراع، ليشمل مناطق لبنانية متاخمة للمخيم، ما قد يقود إلى توريط الجيش اللبناني في الصراع الفلسطيني – الفلسطيني الدائر، الأمر الذي دفع قيادة الجيش إلى التحذير من ذلك، بالتأكيد أنها ستردّ على أي استهداف لمراكزها، وسط مطالبات بوضع حد للسلاح الفلسطيني المتفلّت الذي يريد أخذ المخيمات رهينة، لمصالح داخلية وخارجية، على حساب مصلحة لبنان واستقراره
Views: 10