يبدو أن قمة مجموعة العشرين التي تستضيفها العاصمة الهندية نيودلهي يومي السبت والأحد، 9-10 أغسطس/آب 2023، ستحمل تأثيراً كبيراً على النظام العالمي الحالي، حيث يرى محللون أن الولايات المتحدة تفقد نفوذها وتأثيرها في جبهات ومناطق متعددة، وهو ما يغير طبيعة مجموعة العشرين.
وتغيّب عن قمة العشرين الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، حيث تأتي القمة في لحظة حاسمة في لعبة التحالفات على خلفية حرب أوكرانيا، في وقت يتصاعد نفوذ الصين التي تتحدّى القوة الأمريكية “العظمى” على نحو متزايد.
تضم المجموعة 19 دولة والاتحاد الأوروبي، وتمثل أكبر اقتصادات العالم، وتُسهم في أكثر من 85% من إجمالي ناتجه، و75% من تجارته، لكن تسعى القوى في جنوب العالم التي تقودها الصين وروسيا، لإيجاد كتلة منافسة للمجموعة التي يهيمن عليها الغرب، من خلال توسيع مجموعة البريكس الاقتصادية، والتي عقدت قمتها الشهر الماضي في جنوب إفريقيا.
يتوقع أن يمثل اجتماع زعماء أغنى دول العالم وأكثرها نفوذاً في نيودلهي، حدثاً فريداً بسبب عدة عوامل، بما في ذلك غياب الرئيس الصيني ونظيره الروسي، وهما القوتان العظميان المتحالفتان بوجه الغرب. كما أن هناك ميزة ثانية لهذا الحدث تتجلى بواقع أن القمة تستضيفها الهند، التي تمثل قوة صاعدة من “حركة عدم الانحياز” في آسيا.
وتُعد القمة مناسبة لتوجيه رسالة إلى بكين والتحالفات المنافسة الصاعدة، بما فيها مجموعة “بريكس” (تضم كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا).
أبدى بايدن الأسبوع الماضي “خيبته” لغياب شي عن القمة، التي يُمثله فيها رئيس الوزراء لي تشيانغ. وقال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إنه لا يعتقد أن غياب شي عن القمة يعكس تحولاً جوهرياً صينياً تجاه المجموعة. وأضاف سوليفان- من على الطائرة التي أقلت الرئيس بايدن للمشاركة بالقمة- أن الأخير يلتزم دائماً بقضايا حقوق الإنسان عند لقائه قادة العالم وبينهم الهند.
وأشار إلى أنه سيناقش “سلسلة من الجهود المشتركة لمعالجة المشاكل العالمية”، بما في ذلك تغير المناخ و”تخفيف العواقب الاقتصادية والاجتماعية للحرب الروسية في أوكرانيا”، التي تؤثر في أكثر الدول فقراً.
وتعمل الولايات المتحدة على تعزيز علاقاتها مع الهند للوقوف في وجه الصين، في وقت تسعى فيه نيودلهي إلى ترسيخ دور دولي رائد. ويأتي ذلك رغم خلافاتهما بشأن روسيا، ذلك أن الهند لم تلتزم العقوبات المفروضة على موسكو بعد بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أن هناك خلافات بين واشنطن ونيودلهي بشأن حقوق الإنسان.
يرى حسام الدين إيناك، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة “دوملوبينار” التركية، أن القمة “تأتي في وقت لم يعد فيه النظام العالمي، الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية أحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة، مهيمناً”.
وأضاف إيناك في حديث لوكالة الأناضول: “في الوقت الحاضر هناك عدة دول تقف ضد النظام العالمي النيوليبرالي، مثل البرازيل والهند والمكسيك وغيرها. والولايات المتحدة تفقد نفوذها وتأثيرها على كافة الجبهات، وهو ما يغير بدوره طبيعة مجموعة العشرين. وكمثال على ذلك، استشهد إيناك “بالجهود التي تبذلها دول عدة للتخلص من الدولار الأمريكي”، قائلاً إن “تفوّق العملة الأمريكية في حالة يرثى لها”.
بدوره رأى برافين دونثي، أحد كبار المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، أن الحرب الروسية الأوكرانية “ستلقي بظلالها على القمة”. وأضاف أن الصراع الروسي الأوكراني “يؤدي إلى أزمة تعددية في النظام العالمي اليوم، لأنه نتيجة مباشرة للصراع بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة والكتلة الروسية الصينية”.
واعتبر دونثي أن هدف الهند هو “محاولة ضخ بعض الأوكسجين في التعددية، حيث إن الهند قوة وسطى صاعدة، وهي واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً، وتمثّل ما يسمّى دولة متأرجحة جيوسياسياً تحاول رسم مسارها الخاص، وتحاول التأثير على النظامين الإقليمي والعالمي في الوقت نفسه”.
بحسب إيناك، فإن النيوليبرالية و”الاقتصاد السياسي للغرب ومؤسساته يفقدان مصداقيتهما، بينما يفقد الدولار مكانته كعملة احتياطية عالمية”. وأضاف أن أحد أكبر التهديدات في هذا المجال هي مجموعة “بريكس”، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، والتي دعت مؤخراً 6 دول أخرى للانضمام إلى صفوفها، بدءاً من مطلع العام 2024، وهي السعودية وإيران والإمارات ومصر وإثيوبيا والأرجنتين.
يقول إيناك إن “مجموعة بريكس تقود أيضاً حملة لاستبدال الدولار الأمريكي بعملةٍ مشتركة خاصة بها، بحلول عام 2030. وبالفعل هذا الأسبوع قدّم سفير روسيا لدى جنوب إفريقيا إيليا روغاتشيف، ورقةً نقدية رمزية لعملة بريكس، إلى محش سعيد الهاملي، رئيس البعثة الدبلوماسية الإماراتية”.
وقال إيناك إن “كيفية انتهاء الحرب في أوكرانيا ستكون عاملاً رئيسياً لتحديد كيف سيبدو النظام العالمي في المستقبل. وأضاف: “إذا تمكن بوتين من التشبث بالسلطة رغم كل الصعاب، فسوف ينهار النظام العالمي، وسينشأ نظام جديد من تحت رماده، حيث ستتمتع الصين بالكثير من القوة فيه”.
ووفقاً لدونثي، فإن هذا السيناريو “هو بالضبط ما تريد الهند منعه، الهند لا تريد آسيا أحادية القطب، حيث تهيمن الصين، نيودلهي ستستخدم القمة لاستعراض عضلاتها السياسية”. وتابع أن الهند “تريد آسيا متعددة الأقطاب، وهو ما تقول إنه سيؤدي إلى عالم متعدد الأقطاب”.
دونثي أشار إلى أن “العلاقات الثنائية بين الهند والصين تتعرض أيضاً لضغوط شديدة في الوقت الحالي، بسبب أزمة الحدود، وهو ما قد يفسر قرار الرئيس شي جين بينغ بالابتعاد عن القمة”.
علاوة على ذلك، وفق دونثي، “بدا أن نيودلهي سعت للتقرب من واشنطن، وهو ما تجلّى في زيارة رئيس وزرائها ناريندرا مودي إلى الولايات المتحدة، في يونيو/حزيران الماضي”. وقال: “وصول (الرئيس الأمريكي جو) بايدن إلى نيودلهي يشير إلى التقارب الكبير بين الهند والولايات المتحدة”.
وأضاف: “تحاول بكين إرسال إشارة مفادها أنهم غير راضين عن الطريقة التي تسير بها الأمور”، لكنه استدرك أن الهند “لا تزال في وضع صعب، حيث تحاول موازنة علاقاتها مع روسيا والغرب”.
وفي كل قرار للأمم المتحدة، امتنعت الهند عن التصويت لإدانة غزو روسيا لأوكرانيا، لأن الهند تتمتع بعلاقة استراتيجية عميقة طويلة الأمد مع روسيا، لكنها في الوقت نفسه تعمل على تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة والغر
Views: 24