بأوراق قوة جمعها الطرفان من التطورات السورية في الآونة الأخيرة، التقى الرئيسان الروسي والتركي في سوتشي. قمة نجمت عنها اتفاقية «تاريخية» كما وصفها رجب طيب إردوغان، أظهرت إجماعاً دولياً على «المنطقة الآمنة»، وكرّست تركيا لاعباً رابحاً على حساب القوى الكردية الأكثر خسارة في المشهد الجديد
البنود الـ 10 للاتفاقية:
1- يؤيد الطرفان الوحدة السياسية والجغرافية لسوريا كما حماية الأمن القومي التركي.
2- محاربة الإرهاب بكل أشكاله والتنظيمات الانفصالية في سوريا.
3- المحافظة على الوضع القائم بين رأس العين وتل أبيض بعمق 32 كلم في إطار عملية «نبع السلام».
4- يؤيد الطرفان اتفاقية أضنة وستعمل روسيا (دون ذكر تركيا) على تسهيل تطبيق الاتفاقية في ضوء الظروف الحالية.
5- إخراج «قوات الحماية الكردية» (وردت حرفياً بالاسم) من الأراضي السورية المحاذية لتركيا والتي تقع خارج منطقة «نبع السلام» وبعمق 30 كلم من جانب الجنود الروس وقوات حرس الحدود السورية، على أن تبدأ عملية الإخراج من منتصف الأربعاء في 23 تشرين الأول وتنتهي بعد 150 ساعة. وفي الوقت نفسه، تسيير دوريات تركية ــــ روسية مشتركة في المناطق الواقعة إلى الغرب والشرق من منطقة عملية «نبع السلام»، باستثناء مدينة (وليس منطقة) القامشلي وبعمق 10 كلم.
6- إخراج العناصر «الإرهابية» (أي الأكراد) من منبج وتل رفعت مع أسلحتهم.
7- اتخاذ الطرفين التدابير اللازمة لمنع تسلل «الإرهابيين» (دون تحديد من أين وإلى أين).
8- العمل المشترك لتسهيل عودة اللاجئين بصورة آمنة وطوعية.
9- تشكيل آلية مراقبة وإشراف لضمان تطبيق هذه الاتفاقية.
10- تدعم أطراف أستانا مساعي إيجاد حل سياسي في سوريا وتدعم مهمات اللجنة الدستورية.
أوراق القوة
بوتين استقبل إردوغان وقد امتلك المزيد من أوراق القوة في سوريا:
1- شكّل الانسحاب الأميركي ربحاً صافياً لروسيا باعتبار أن الوجود العسكري الأميركي كان عنصر توازن وردع لروسيا في سوريا، وانسحاب واشنطن أعطى روسيا حرية حركة تكاد تكون مطلقة في الساحة السورية ومكّنها من ممارسة تأثير متعدد الاتجاهات.
2- الانسحاب الأميركي، ومن ثم التدخل العسكري التركي، أرغم «قوات حماية الشعب» الكردية على إبرام تفاهمات برعاية روسية مع دمشق أفسحت المجال أمام انتشار الجيش السوري في مناطق كانت خاضعة للأكراد، مثل منبج وعين العرب والرقة والطبقة ومناطق أخرى شرقي الفرات ووصل للمرة الأولى منذ سنوات إلى منطقة حدودية مع تركيا هي عين العرب. أي أن روسيا أعادت صلتها ونفوذها، ولو نسبياً، على الأكراد.
3- بذلك أصبحت روسيا الطرف الوحيد في سوريا الذي له صلات وعلاقات مع كل الأطراف الرئيسة الأخرى، مثل: تركيا والدولة السورية والأكراد، فضلاً عن الولايات المتحدة.
بأوراق القوة المتبادلة هذه، اجتمع إردوغان مع ترامب في سوتشي. إردوغان يذهب منتصراً ومستقوياً بما حققه، وخصوصاً مع واشنطن، لكنه يريد إكمال انتصاره من خلال تثبيت تطلّعه إلى السيطرة الكاملة على الشريط الحدودي داخل سوريا المقابل لتركيا من تل أبيض إلى الحدود العراقية ليضمّ ذلك إلى المنطقة من جرابلس إلى إدلب. لكنّ خرقاً لهذا الشريط تحقق قبل أسبوع من خلال استعادة الدولة السورية السيطرة على عين العرب/ كوباني، والتي شكلت ضربة معنوية ومادية كبيرة لتطلعات إردوغان. وكما كان يريد منع إقامة كوريدور كردي داخل سوريا، فها هو يتلقى ضربة جزئية، لكنها ذات دلالة كبيرة، بمنع الجيش السوري تركيا من إقامة شريط متصل، بقطعه في نقطة عين العرب .
لم تمانع روسيا من إقامة منطقة آمنة تحت الاحتلال التركي في سوريا، وبوتين أعلن لدى التوصل إلى اتفاق 7 آب بين أنقرة وواشنطن تأييده بصورة مفاجئة للمنطقة الآمنة. لذا، فإن تأييد بوتين اليوم لهذه المنطقة «تحصيل حاصل». وهو ما عكسته اتفاقية سوتشي. نجح بوتين في تهدئة مخاوف تركيا بتلبيتها بالكامل. لكن النقطة الأكثر أهمية وحساسية هي مدى نجاحه في إقناع إردوغان بضروة بدء التواصل مع دمشق، ليس فقط على الصعيد الأمني والاستخباري، وهذا قائم من حيث المبدأ، بل بدء التواصل السياسي مع الرئيس السوري بشار الأسد.
من الواضح أن إردوغان لا تزال تتحكّم فيه «عقدة الأسد»، ولا يريد مثل هذا الاجتماع الذي سيعتبره هزيمة له. وكم كانت معبّرة وذات دلالة رسالة الرئيس بشار الأسد إلى إردوغان عندما زار، قبل ساعات قليلة من قمة سوتشي، الخطوط الأمامية في إدلب، معوّلاً أهمية كبرى على تحريرها، وواصفاً الرئيس التركي بأنه لص سرق المعامل والنفط والقمح، والآن يسرق الأرض. ولا شك في أن بوتين كان ولا يزال محرجاً بالنسبة إلى إدلب، حيث أرخى العنان لإردوغان بالمهل المفتوحة والتنصل من تطبيق الاتفاقات، فكانت زيارة الأسد الميدانية عامل دفع للرئيس الروسي للضغط هذه المرة على نظيره التركي. فهل تكون الإشارة إلى اتفاقية أضنة، في نص توافق عليه تركيا للمرة الأولى بهذا الوضوح، خطوة على طريق بدء إيجاد الحل النهائي في سوريا بعدما انحصرت الأطراف المؤثرة بكلّ من روسيا وتركيا وسوريا؟
صحيفة الأخبار اللبنانية
Views: 7