في 28 شباط 2019 صدر عن جماعة ” الأخوان المسلمين” السوريين بيانا تحت عنوان : ( دور الجار التركي المأمول بين الحق والواجب) .. وقد طالبَ البيان الرئيس التركي أردوغان بفرض سيطرته على “المنطقة الآمنة” شمال وشرق سورية، وقال مخاطبا أردوغان: (إن المنطقة الآمنة لن تكون آمنة إلا برعايتكم الإنسانية الحكيمة والكريمة) !.
العدوان على الخلافة العباسية العربية الإسلامية..
لقد نسي الإسلاميون، أن العثمانيين قضوا على الخلافة العباسية العربية الإسلامية بالقوة، بعد أن احتلوا سورية عام 1516 ثم مصر عام 1517.. ويقول المستشار المصري محمد سعيد العشماوي في كتابه ( صراع الأمم) أن :(هذا الاحتلال يُعتبر في الفقه الإسلامي غزوا لبلاد مسلمة وعدوانا على الخلافة وشقا لصفوف المسلمين، مما يجعله غير شرعي).. وكُتب التاريخ حبلَى بالجرائم العثمانية ضد أبناء المذاهب والأديان والقوميات الأخرى . وقد أفقرواَ البلاد والعباد التي احتلوها في الشرق الأوسط ( مصر وبلاد الشام والعراق، وغيرها) وأفرغوها من كل أصحاب الحِرف والمِهن ونقلوهم للبناء والعمران والتطوير في استنبول، ولم يكن لهم همّا سوى جمع المال بكل وسيلة(ضريبة الميرة)، في الوقت الذي كانت به البلدان الأوروبية ترتقي وتتقدم وتصعد سُلّم الحضارة.. كانوا يصدرون الفتاوى بتكفير حتى كل “سُنّي” يعارض أفعالهم ومظالمهم، ومنها فتوى أصدرها مفتي الآستانة بتكفير الزعيم الوطني المصري “أحمد عرابي” بدعوى خروجه عن السلطان.. جاؤوا بعشرات آلاف العائلات التركية ونشروها في الشرق الأوسط، مصر وبلاد الشام والعراق، وسيَّدوها على العنصر العربي وملّكوها الأراضي وجعلوها عائلات إقطاعية يعمل لديها العرب كفلاحين ومُستعبَدين.. ومن هنا ليس من الغريب أن غالبية العائلات الإقطاعية في تاريخ سورية كانت من أصول غير عربية..
تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين..
بعد شعور السلطنة العثمانية بالضعف في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وبهدف كسب اليهود إلى جانبها ضد فرنسا وبريطانيا، فقد سعت لإغراء اليهود وتشجيعهم للهجرة إلى ما وصفوه بـ (ممتلكات) الدولة العثمانية، ومن بينها فلسطين، وشجعتهم على الاستيطان في فلسطين، ولكن دون السماح بقيام دولة لهم( وليس ذلك من أجل شعب فلسطين وإنما لان العثمانيين كانوا يعتبرون أن هذه الأراضي هي مُلكا شرعيا وحصريا لهم هُم كعثمانيين). وهذا ما وضّحته رسالة السلطان عبد الحميد الثاني إلى تيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية العالمية، يقول له فيها: ( أنهُ لا يستطيع التنازل عن أرض فلسطين لأن هذه الأراضي ليست مُلكا لهُ ولكنها مُلكا للشعب العثماني الذي حصل عليها بدماء أبنائه). والمقصود الشعب التركي، فكل أبناء القوميات الأخرى كان يُطلق عليهم وصف ( الرعايا) .. أي مهمتهم السمع والطاعة فقط. إذا السلطان عبد الحميد لم يدافع عن الشعب الفلسطيني ولا عن الأمة العربية ولا عَن عروبة أراضي فلسطين ، ولا عن المسلمين، وإنما دافع عن “مُلكية” العثمانيين بِحسبِ اعتقاده.. ونتيجة تشجيع السلطنة العثمانية لليهود للهجرة إلى فلسطين، مقابل دعمهم ( أي اليهود) للسلطنة العثمانية ضد بريطانيا وفرنسا، فقد أقاموا المستعمرات أو المستوطنات، دون أن تحسب السلطنة العثمانية حسابا لنتائج ذلك على فلسطين على المدى البعيد. حتى أن أحمد رضا، رئيس مجلس المبعوثان ( البرلمان التركي) استقبل في العام 1909 حاخام اليهود في السلطنة العثمانية، وقال له 🙁 أن الحكومة العثمانية تودُّ كثيرا أن يهود روسيا ورومانيا ويهود كل بلدٍ من الذين يشكون الظلم أن يحضروا ” لِبلاد تركيا” حيث توجد أراضٍ كافية للفلاحة والصناعة والتجارة، والحكومة ترى من اليهود إخلاصا تاما، وبصدرٍ منشرح تقابل استيطان اليهود) .. ولِأجل استرضاء اليهود أكثرْ فقد أصدر السلطان العثماني محمود الثاني (1808- 1839) فَرَمانا باعتبار الجدار الغربي للمسجد الأقصى بقيةً من “هيكل سليمان”، وأطلق على هذا الجدار اسم “حائط المبكى” .. فصار لليهود بموجب ذاك الفرمان أثرا مُقدّسا “رسميا” في صميم المسجد الأقصى، وكان لذلك أثرا كارثيا فيما بعد على الأقصى وعلى المسلمين.. وبعد أن ضاق العرب جدا من مفاسد ومظالم السلطنة العثمانية ثاروا على هذه السلطنة وكانت الثورة العربية الكبرى التي أيقظت المشاعر القومية العربية في وجه المشاعر الطورانية (القومية) التركية. كل وقود الحروب العثمانية كانوا من أبناء الشعوب التي استعمروها ( والجيش الإنكشاري حاضر في الأذهان) .. والتاريخ يُحدّثنا عن أكثر من ألفين وخمسمائة مصري قضوا في حرب القرم بين تركيا وروسيا القيصرية، والتي استمرت ثلاث سنوات، كرْمَى لعيون العثماني الذي كان يقودهم رغما عنهم للحروب .. بل لم يكن لهم لا حولا ولا قوة إلا الانصياع.. وكم من الشباب من بلاد الشام والحجاز قضوا في حرب (السفربرلك) حينما قادهم السفّاح جمال باشا لمواجهة البريطاني في مصر عام 1915، فقضوا على ضفاف السويس من قبل البريطاني والفرنسي.. وكل ذلك كان يحصل باسم الإسلام.. واليوم هل هناك بلدا واحدا في العالم الثالث تربطه بإسرائيل علاقات متينة وعميقة على الصعيد الأمني والمخابراتي والعسكري والاقتصادي والتجاري، أكثر من تركيا أردوغان التي يتغزل بها وبرئيسها الإسلاميون؟.
ماذا قدّم الرئيس أردوغان لفلسطين سوى الكلام المعسول؟.
حينما حاول الرئيس أردوغان استعراض قوته في اجتماع “دافوس” مع شيمون بيريز (في أواخر كانون ثاني 2009 ) ثُمّ في سفينة مرمرة التي كانت ضمن أسطول الحرية المتجهة إلى غزّة بالمساعدات، لرفع الحصار عنها ( في آخر أيار 2010 ) قام الجنود الإسرائيليون باقتحام السفينة وقتلوا حوالي 19 شخصا ممن كانوا على متنها، فماذا فعل أردوغان سوى الوعيد والتهديد؟. لم ينفّذ أيٍّ من تهديداته وطيّبَ الإسرائيلي خاطره ببضعة كلمات حينها.. بل زاد التعاون والتنسيق بينه وبين الإسرائيلي: الأمني والمخابراتي والعسكري وحتى الاقتصادي والتجاري، وبات يُصدِّر المنتجات التركية للخليج عبر إسرائيل والأردن بعد إغلاق الطرق السورية نتيجة الحرب، وظهر الأمر بين تركيا وإسرائيل أنه مجرّد سوء تفاهُم بين حبيبين سرعان ما يعودا ليضُمّا بعضهما بعضا .. وهذا ما حصل بعد عودة الحبيبين إثر زيارة الرئيس الأمريكي أوباما (لإسرائيل ) في آذار 2013 حيث أعاد المياه بينهما إلى مجاريها.. لقد نسي الإسلاميون أن تركيا تحتل جزءا عزيزا من أرض عربية سورية وهي إسكندرون، وأن علاقتها سيئة مع كل محيطها الإقليمي، من سورية إلى العراق إلى أرمينيا إلى قبرص إلى اليونان.. أردوغان لا يخفي مساعيه لإعادة زمن الهيمنة العثمانية بوجه جديد (لوك جديد).. وهذا ما أكّده يوم 16 /10/2019 ، خلال كلمته في منتدى اسطنبول، حيث قال: “تركيا لا تتحمل مسؤوليتها في موقعها وجغرافيتها فقط، وإنما في كل أنحاء العالم، ونستخدم كل القدرات الموجودة، ولهذا السبب نحن في سوريا، ولهذا السبب نحن في أفريقيا وليبيا والبلقان وأفغانستان، في جميع أنحاء جغرافيتنا القديمة، لهذا السبب نستجيب لمن يمدوا لنا أياديهم .. “.وأضاف أن “البعض قد يتصرف بحماقة في سوريا أو أفغانستان أو ليبيا أو دول البلقان أو أفريقيا بأجندات خفية وأن تركيا هناك بسبب مصير الوحدة مع الأشقاء”… تركيا لا تفهم إلا بلغة القوة.. ولا أنسى العبارة التي قالها المبعوث الأوروبي إلى يوغسلافيا السابقة في عز الحرب هناك في التسعينيات (وكان بريطانياً) وكان يقدِّم إحاطة لمجموعة الدول الإسلامية في جنيف عن نتائج وساطته، فحصل جدلا بينه وبين السفير التركي، فقال للسفير: نحن نعرفكم عبر التاريخ ، لا تجلسون على طاولة المفاوضات إلا وأنتم مهزومون.. تركيا لم تلتزم حتى ببنود اتفاقية ” سيفر” لاسيما المادة 41 التي تعهدت تركيا بموجبها : (بحماية حياةِ وحريةِ كل سكان تركيا دون تمييز للمولد والقومية والعِرق والدين وأن من حق الجميع الممارسات الحرة ، العامة والخاصة، لأية عقيدة ودين ومُعتقد ) .. وفي ذات المعاهدة ، في المادة 142 ، تمّ وصفْ القيادة التركية التي جاءت للسلطة منذ الأول من تشرين ثاني1914(أي منذ بداية الحرب العالمية الأولى ) أنها نظام إرهابي( Terrorist Regime ) ورموز ذاك النظام هم من يتغنى بإرثهم اليوم السيد أردوغان، ويُردد خلفه الإسلاميون: (يادادا) كما يردد الكَورَس خلْفَ سميرة توفيق وهي تغني (طير الحمام مغرّب..) ..
كاتب سوري ووزير مفوض دبلوماسي سابق
Views: 5