لم يمض وقت على تحذير المدير الاقليمي للبنك الدولي كومار ساروج جاه من قصر بعبدا غداة لقائه رئيس الجمهورية حول دقة المرحلة وخطورتها، حتى خرج المسؤول الدولي بموقف جديد أمس أعطى فيه المسؤولين اللبنانيين مهلة أسبوع لتشكيل حكومة تلافيا لمزيد من التدهور وتراجع الثقة بالاقتصاد.
ويأتي الموقف الدولي التحذيري في سياق مناخ من الضغط على الاقتصاد وعلى القطاع المصرفي، مرده الى غياب أي أفق لحل سياسي للأزمة الحكومية، ومطالب الحراك الشعبي المستمر لليوم الثاني والعشرين من دون اي استجابة من السلطات.
واذا كانت عطلة المولد النبوي أتاحت استراحة محارب للمصارف على مدى يومي السبت والاثنين المقبل، فقد علمت “النهار” ان نقابة موظفي القطاع تتجه لإعلان الاضراب يوم الثلثاء، ما لم تلح في الافق أي بوادر حل، وذلك على خلفية ما يتعرض له الموظفون من مخاطر على سلامتهم في ظل موجة الذعر السائدة بين المتعاملين.
تتحرك القطاعات الاقتصادية كذلك اعتبارا من الاسبوع المقبل، بعدما بلغت الامور مستويات خطيرة تتهدد كل القطاعات نتيجة القيود المصرفية على التعاملات المالية، فضلا عن شح السيولة ومناخ اللاثقة السائد. فبعد تهديد أصحاب محطات المحروقات وأصحاب المستشفيات الخاصة، تطلق جمعية الصناعيين صرخة استغاثة ايضا لانقاذ القطاعات الانتاجية.
على المقلب المالي، برز لقاء رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري بحاكم المصرف المركزي رياض سلامة الذي حض على ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة تعيد بناء الثقة بما يخفف الضغوط النقدية والمصرفية، واصفا ما يحصل بـ”حالة إرباك ناتجة من فقدان الثقة، ومخاوف من تطور الأمور السياسية أكثر”.
ليس بعيدا من هذا المناخ، وجه مصدر مالي رفيع تحذيرا امس خلاصته انه “اذا لم يعلن عن تشكيل حكومة خلال 48 ساعة، فإن البلاد تنحو نحو السقوط المدوي”، منطلقا من مؤشرات مالية ونقدية هالكة لم يعد في الإمكان كتمانها. فالازمة لم تعد سياسية على خلفية الاشتباك الحاصل حول تشكيلة الحكومة ونوعها وحجمها، بل تجاوزت بعدها السياسي لتتحول أزمة مالية نقدية اقتصادية اجتماعية بامتياز تنذر بانفجار اجتماعي سيدفع ثمنه ذوي المداخيل الدنيا والوسطى.
في حالة الإنكار السلطوي الفاقعة، ورغم وطأة الشارع المنتفض، وفي حالة الفوضى العارمة التي تعم المصارف بفعل قيود تفرض على المودعين وعلى التجار واصحاب المؤسسات والمصالح، يستحق خلال الشهر الجاري اصدار بالاوروبوند بقيمة مليار ونصف مليار دولار، كانت وزارة المال كلفت مصرفين دوليين ادارته، على ان تلتزم المصارف المحلية الاكتتاب به.
وترددت معلومات عن ان الوزارة عمدت الى الغاء الاصدار في ظل تمنع المصارف عن الاكتتاب. واذا صدقت هذه المعطيات، فهذا يعني ان الوزارة ستكون امام خيارين لا ثالث لهما: اما التخلف عن سداد الدين، واما اللجوء الى المصرف المركزي للاكتتاب. ولأن البلاد لا يمكن ان تذهب في اتجاه التخلف عن السداد، ولا سابقة في هذا المجال رغم كل الظروف الصعبة التي شهدتها سابقا، فسيقع الخيار على ان يتحمل المصرف المركزي عبء هذا الاصدار، في ظل تردد المصارف عن المشاركة حتى الآن، علما ان ثمة مليارين ونصف مليار دولار تستحق في 2020، واول دفعة منها تبلغ 700 مليون دولار تستحق في آذار المقبل.
والواقع ان هكذا اصدار سيؤدي الى استنزاف جزء من احتياط المركزي الذي يسعى الحاكم الى ضبطه لتخفيف الضغط على المصرف وحماية ما تبقّى من الاحتياطي لديه للدفاع عن النقد، وبهدف التدخّل عند الضرورة. وهذا يعني انه اذا اضطرّ مصرف لبنان الى دفع استحقاق تشرين الثاني، فهو سيشهد نزفاً إضافياً للاحتياطي المتروك للحؤول دون إعلان الافلاس. وقد كشف سلامة انّ مصرف لبنان خصّص التمويل اللازم لاستحقاق تشرين الثاني 2019، وتبلغ قيمته 1,5 مليار دولار، وهو يعمل بالتعاون مع الحكومة، على طرق غير تقليدية لخفض كلفة خدمة الدين العام.
ولفت سلامة الى أنّ البنك المركزي مستمرّ بهندساته المالية مع البنوك التجارية، الى حين تحسّن الاختلالات المالية والخارجية في لبنان. وأعلن انّ الحكومة تعتزم إصدار سندات أوروبوند في المستقبل، بما يعزّز السيولة بالعملة الاجنبية في السوق. لكنه أوضح انّ توقيت الاصدار يعتمد على الوضع السياسي في لبنان والمنطقة، بالاضافة الى الوضع المالي ومالية الحكومة، لافتاً الى أنّ سندات لبنان الاجنبية مقوّمة، برأيه، بأقل من قيمتها. وهو ما اشار اليه ايضاً بنك الاستثمار العالمي غولدمان ساكس، في تقويمه للائتمان السيادي في 54 سوقاً ناشئة، معتبراً انّ سندات لبنان الاجنبية ذات اجل 5 سنوات مقوّمة بأقل من قيمتها الحقيقية.
هذا في الجانب التقني، اما في الجانب القانوني، فإن المصرف المركزي سيقوم بتغطية الاصدار رغم مخالفته قانون النقد والتسليف، كما هي الحال الآن مع كل التعاميم التي يصدرها، ويضطر الى تبريرها بـ”المصلحة العامة واهمية استمرارية المرفق العام..”. ذلك ان كل التعاميم الصادرة اخيرا عن الحاكم تحتاج الى موافقة المجلس المركزي، تماما كما هي حال الاكتتاب بأي اصدار. وهذا الامر متعذر بسبب تخلف مجلس الوزراء عن تعيين نواب الحاكم بما يتيح اكتمال نصاب المجلس المركزي. ومع حكومة مستقيلة، بات الامر يتطلب قيام حكومة جديدة لاجراء التعيينات.
وللتذكير، لا بد من الاشارة الى ان تعيينات نواب الحاكم تعطلت بفعل تمسك الوزير السابق جبران باسيل بتسمية النائب الارمني الرابع، والنائب الثالث الدرزي، متحالفا مع النائب طلال ارسلان.
واشار سلامة الى انّ سياسة مصرف لبنان تهدف الى الحفاظ على ملاءة الحكومة لأنها تدعم الاستقرار النقدي في لبنان.
Views: 2