يؤكد الخبراء انّ المشهد الاقتصادي والاجتماعي المُقبل في لبنان سيكون «سُوريالياً» من ناحية تفاقم الجوع نتيجة تعذّر مصرف لبنان عن الاستمرار في دعم استيراد المواد الاساسية، ما سيؤدي الى مضاعفة اسعار السلع بشكل شهري، ليفقد المواطن 90 في المئة من قدرته الشرائية خلال فترة تتراوح بين 6 أشهر وعام.
يتّجه الوضع الاقتصادي والمالي إلى مزيد من التدهور وسط استنزاف حاد لاحتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية، في ظلّ إبقائه لغاية الآن على سياسة دعم استيراد السلع الاساسية على سعر الصرف الرسمي، في مقابل نضوب التدفقات المالية الى لبنان. وقد توقّع معهد التمويل الدولي في آخر تقرير له تراجع الاحتياطات الرسمية القابلة للاستخدام بنحو 7 مليارات دولار إلى 12 مليار دولار في حلول نهاية العام 2020، إلّا انّ مصادر مصرفية تؤكد انّ البنك المركزي لن ينتظر الى حين تدنّي حجم احتياطه من العملات الاجنبية الى تلك المستويات، بل من المتوقع ان يتم الاعلان في الفترة المقبلة عن وقف كافة أنواع الدعم التي يقوم بها مصرف لبنان على كافة انواع السلع المستوردة بما فيها السلع الاساسية، كالمحروقات والقمح والادوية.
وبالتالي، سيفقد المواطن جزءاً اساسياً اضافياً من قدرته الشرائية، مرتبطاً بأسعار المحروقات، كالبنزين، المازوت، فواتير الكهرباء والمولدات الخاصة، الطبابة والاستشفاء والادوية، وصولاً الى ربطة الخبز بالاضافة الى كافة السلع الغذائية والاستهلاكية الاخرى التي ربما قد يكون قد اعتاد نوعاً ما على ارتفاع أسعارها بشكل متواصل.
وسيعاني لبنان، بعد رفع الدعم بشكل كامل، من التضخّم المفرط حيث تبدأ أسعار السلع والخدمات بالارتفاع أكثر من 50 في المئة في غضون شهر واحد. أي انه على سبيل المثال، قد يرتفع سعر صفيحة البنزين من 24 الف ليرة إلى 36 ألف ليرة في أقل من 30 يوماً، ومن 36 ألف ليرة إلى 54 ألف ليرة في نهاية الشهر التالي. وإذا استمر في هذا الاتجاه فإنّ سعر الصفيحة قد يرتفع الى 280 ألف ليرة في 6 أشهر…
في هذا الاطار، أوضح الخبير الاقتصادي كمال حمدان انّ المشهد، بعد رفع الدعم عن استيراد السلع الاساسية، «سُوريالي». وقال لـ«الجمهورية»: «نحن الآن في مرحلة ما قبل الجوع. سيدخل جزء كبير من المجتمع في حالة من الفقر المدقع والجوع، في حال تعذّر على الدولة والبنك المركزي تنظيم استيراد الادوية والقمح والمحروقات».
وأشار الى انّ قيمة واردات القمح والادوية والمحروقات كانت تبلغ في الاعوام الماضية حوالى 4 الى 5 مليارات دولار سنوياً، أي ما يشكّل ربع مجموع الواردات، إلّا انها تراجعت في العام 2020، مع تقلص النشاط الاقتصادي وانخفاض استهلاك المحروقات الى ما بين 2 و3 مليارات دولار.
واكد انّ المشكلة الاساسية انه لا يوجد حلّ تقني لتلك الأزمة التي ستطال حوالى مليون و200 ألف أسرة في لبنان ستتأثر بنسَب متفاوتة في حال تحرير سعر المواد الاساسية المستوردة.
ولفت حمدان الى انه رغم ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة بأكثر من 4 أضعاف (400%)، فإنّ مؤشر اسعار الاستهلاك السنوي زاد بنسبة 100 في المئة حتى تاريخه، لأنّ جزءاً غير قليل من استهلاك المواطن ما زال يحتسب على سعر الصرف الرسمي (البنزين، الكهرباء، الأدوية، الرسوم، التعرفة، الخدمات العامة، جزء كبير من الايجارات ومتممات السكن).
وفيما شدّد على انّ الاسعار لا تزال تواكب ببطء نسبيّ ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، أكد انه في حال تم تحرير سعر المواد المستوردة المدعومة، فإنّ مؤشر اسعار الاستهلاك سيتضاعف بصورة استثنائية «لندخل في تضخم كافر، في بلد تصنّف 60 في المئة من القوة العاملة كأجراء، 80 في المئة منهم يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، بالاضافة الى المتقاعدين». واشار الى انّ أسعار السلع ستزيد أضعاف مضاعفة عند وقف دعم السلع، أي انّ الدواء الذي كان يبلغ سعره 10 آلاف ليرة سيصبح 50 ألفاً، كذلك الامر بالنسبة للمحروقات.
وبالتالي، أوضح حمدان انّ القدرة الشرائية للمواطن التي تراجعت لغاية اليوم بنسبة 50 في المئة، ستتراجع خلال الاشهر التي تلي تحرير سعر المواد الاساسية المستوردة بنسبة 75 في المئة وربما 90 في المئة خلال عام. بما سيؤدي الى تفاقم الجوع، والى فوضى عارمة قد تولّد حرباً أهلية
Views: 5