لم تنقطع خلال سنوات الحرب التي تتعرض لها سورية الأخبار والصور حول سرقة الإرهابيين للآثار وتهريبها وتخريب ما لا يمكن تهريبه.. وبعد تدمر ودير الزور والرقة كانت الغوطة الشرقية أحد أكبر مراكز الآثار السورية التي طالتها يد الإرهاب نظرا للتواصل العمراني البشري فيها على مدى أكثر من 10000 عام.
وبعد تحرير الغوطة من التنظيمات الإرهابية مثل “جبهة النصرة وجيش الإسلام وفيلق الرحمن” عمل فريق سانا على جمع ما أمكن من معلومات حول هذه الأماكن ومواقعها وتوثيق ما تعرض له بعضها من تدمير وتخريب وسرقة.
تلال أثرية تتعرض لعمليات تنقيب غير شرعية حافظت المواقع التي بقيت خارج سيطرة التنظيمات الإرهابية على سلامتها وفق مدير عام الآثار والمتاحف الدكتور محمود حمود ومنها “تل القصرين” الواقع جنوب شرق قرية الهيجانة وتلال “منطقة الغزلانية” و”تلول الفأرة” قرب مطار دمشق الدولي.
أما التي وقعت تحت سيطرة الإرهابيين مثل “تل فرزات أو المسمى بتل الصالحية” الذي يعد من أهم المواقع جنوب سورية المسجلة على اللائحة الوطنية للمواقع الأثرية ويعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد ويقع غرب بلدة النشابية ب17 كم إلى الشرق من دمشق ويبلغ ارتفاع الطبقات الأثرية فيه أكثر من عشرين مترا فيعتبر من أكثر المواقع التي تعرضت للاعتداءات الارهابية حيث قام المسلحون بعمليات تنقيب غير شرعية باستخدام آليات ثقيلة وبلدوزرات أدت إلى تحطيم محتوياته وطبقاته الأثرية بالإضافة لنهب “اللقى” التي اكتشفوها فيه ولم تكن ظاهرة مسبقاً حسب تصريح الدكتور حمود لـ سانا.
أما “تل البحارية” الذي يقع في كفر بطنا وهو عبارة عن بناء قديم بني بالحجارة واللبن وغطيت أسقفه بقباب نصف كروية واسطوانية يعود إلى الألف الخامس والرابع قبل الميلاد فقد تعرض لأذى كبير بعد عمليات التنقيب غير الشرعية وكذلك الحال في “تل الخطيب وتل الضبعة” اللذين يعودان إلى الالف الرابع والأول قبل الميلاد اللذين تم حفر أنفاق وخنادق داخلهما.
وبالنسبة لموقع “تل أسود” الذي يقع في بلدة جديدة الخاص فيعود إلى الألف السابع والثامن قبل الميلاد وحوله ظهرت أولى القرى الزراعية بالعالم والتل بوضع جيد بشكل عام مثله أيضا موقع “تل الرماد” الواقع في بلدة قطنا جنوب شرق دمشق الذي يعد من أوائل المناطق التي استقر فيها الإنسان وما يزال الموقع بحال جيدة لكون الإرهابيين لم يوجدوا في تلك المنطقة لفترات طويلة.
أما “تل الغريفة” الذي تمتد الفترة التاريخية له من العصر الحجري الحديث حتى الفترة الرومانية ويقع على بعد 30 كم إلى الشرق من دمشق غرب قرية العبادة ناحية النشابية فقد تعرض لبعض التعديات وقام الإرهابيون بالتجريف حوله وداخله ووضع دشم وسواتر.
أبنية تاريخية بحاجة للتدخل الإسعافي..
تضم منطقة الغوطة أبنية أثرية وتاريخية تعرض بعضها للتدمير بشكل كبير مثل “حمام حرستا والمعصرة المجاورة له” ويعود بناء المعصرة لزمن ابراهيم باشا في القرن التاسع عشر للميلاد حيث تعد من الأبنية المميزة جداً بقببها الكثيفة والجميلة ولكن هذه القبب تعرضت لانهيار شبه كامل نتيجة ممارسات الإرهابيين أما حمام حرستا فوضعه أفضل حيث يمكن ترميمه وفق تصريح مدير آثار ريف دمشق جهاد أبو كحلة لـ سانا.
ومن الأماكن الاثرية أيضاً حماما “كفربطنا” و”زملكا” وهما بحاجة لبعض أعمال الترميم والتدخل الإسعافي وإلا سيؤول ما تبقى منهما إلى انهيار أكبر بالإضافة إلى موقع “قبة العصافير” في منطقة عدرا العمالية التي تعرضت للتخريب وتهدمت أجزاء منها.
الأماكن الدينية الأثرية في الغوطة..
تحتوي بلدات الغوطة المحررة أيضاً عددا من الأماكن الدينية الأثرية منها “الأعمدة الأثرية في بلدة حران العواميد” والتي اطلع عليها مؤخراً فريق دائرة الآثار الذي أوضح لـ سانا أنها بوضع جيد وبحاجة فقط إلى أعمال كشف وإزالة للأتربة والنفايات الموجودة داخل وحول الموقع.
وتقع البلدة التي اشتقت اسمها من الأعمدة الأثرية التي تقوم وسطها إلى الشرق من دمشق بحدود 25 كم وتجاور مطار دمشق الدولي من الجهة الشمالية وازدهرت خلال العصر الروماني والبيزنطي ومن أهم معالمها الأثرية بقايا المعبد الروماني المتمثلة بثلاثة أعمدة منتصبة يقارب ارتفاعها اثني عشر متراً تعلوها تيجان “أيونية” ويعود تاريخ بنائها إلى حوالي القرن الثالث الميلادي.
وإلى “مسجد عربين” الذي يعتبر من المواقع المحددة حديثاً ضمن المواقع الأثرية في ريف دمشق عام 2009 ويعد من أهم الأماكن الدينية بالغوطة وعمره أكثر من مئتي عام ويقع وسط مدينة عربين التي تبعد 7 كم إلى الشمال الشرقي من مدينة دمشق.
ويمثل مسجد عربين “نمط العمارة التقليدية” مرحلة مهمة من مراحل التطور المعماري في المنطقة ووفق الدكتور محمود حمود فقد تعرض المسجد “بشكل مقصود” للتدمير والتخريب على أيدي الارهابيين لأن بعض الأشخاص اعترضوا سابقاً على تسجيله ضمن الأماكن الأثرية لأنهم رغبوا بهدمه وإنشاء بناء جديد مكانه لأغراض تجارية نظراً لموقعه المهم وسط البلدة .
وأضاف حمود: “بالفعل عندما تم الكشف على المسجد من دائرة الاثار تبين أنه هدم بشكل كامل عبر متفجرات وضعها الإرهابيون بداخله”.
وفي القلمون الشرقي تضم بلدة الضمير معبدا أثريا يعود بناؤه إلى القرن الثالث الميلادي وهو عبارة عن بناء مرتفع مليء بالمنحوتات الجميلة والتيجان فوق الأعمدة قام الإرهابيون بسرقة الكثير من محتوياته وسرقوا أجهزة الإنارة التي بداخله كونه كان موقعا سياحياً مهماً ومخدما بمختلف التجهيزات بالإضافة إلى أنهم جعلوه مركزاً لإقامتهم ونقطة مراقبة وحفروا أنفاقا داخله وفق مدير آثار ريف دمشق.
أما ما يخص الكنائس فأوضح الدكتور حمود أنه لا توجد في الغوطة كنائس أثرية قائمة بذاتها وإنما يوجد بعض المواقع التي كانت سابقاً كنائس أو أديرة.
كنيس جوبر وتهريب آثاره..
رغم أن منطقة “جوبر” تتبع إدارياً لمدينة دمشق وليس للغوطة إلا أنه وجدنا من الضروري الإضاءة على الآثار الموجودة فيها كونها من المناطق المحررة مؤخراً من الإرهاب ضمن عملية تحرير بلدات الغوطة كاملة.
أشهر الأماكن الأثرية في جوبر هو الكنيس اليهودي الذي يعتبر من أهم الابنية الاثرية اليهودية في سورية والأقدم في العالم ويحتوي الكثير من المقتنيات المهمة حيث أوضح الدكتور حمود أن “بعض مقتنيات الكنيس تم فقده في أول سنوات الحرب على سورية وعلمنا أن الكيان الصهيوني أرسل أدواته من الإرهابيين لسرقة هذه القطع من داخله الى خارج سورية ووصلت فيما بعد الى الكيان الصهيوني وقمنا آنذاك بتنظيم الضبط اللازم من قبل الشرطة حول سرقة محتويات الكنيس”.
وبين محمود أن “بعض مقتنيات الكنيس من الدرجة الثانية والثالثة أي الأقل قيمة من المقتنيات التي تم تهريبها سابقا ما زالت موجودة وعثر عليها الجيش العربي السوري بعد تطهير المنطقة حيث كانت مخبأة في أحد الامكنة وتضم مخطوطات ومقتنيات وبعض الأثاث وهي الآن موجودة في مستودعاتنا في المتحف الوطني”.
يشار إلى أن وسائل إعلام تركية ذكرت قبل أيام أن الشرطة التركية ألقت القبض على شخصين كانا يحاولان تهريب مخطوطات تعود لأقدم كنيس يهودي في سورية وذلك في ولاية بلجيك شمال غرب تركيا وضبطت بحوزتهما نسختين قديمتين من التوراة يعود تاريخهما إلى ما قبل الميلاد.
وبحسب مصادر إعلامية أيضا فإن المقبوض عليهما ينتميان إلى تنظيم “فيلق الرحمن” الإرهابي ومن الواضح أن هذه التنظيمات تدرك الدور المطلوب منها بدقة لخدمة أهداف مشروع استهداف سورية عبر استهداف إرثها الحضاري والتاريخي ونقله إلى خارج البلاد عبر تسهيلات من جهات خارجية بينها الكيان الصهيوني الذي يشعر بالذعر من التاريخ ولديه عداوة مع الوثائق التاريخية التي تثبت أنه كيان طارئ وأن أبناء المنطقة هم أصحاب الأرض .
لقى جديدة مكتشفة وإجراءات لاستعادتها..
قال مدير عام الآثار والمتاحف الدكتور محمود حمود: “بعد استباحتهم لتلك المواقع وجدوا آلاف اللقى الاثرية وهربوها خارج سورية لتمويل عمليات الارهاب”.
ومن إجراءات مديرية الآثار لمعالجة الامر بعد تحرير بلدات الغوطة أشار الدكتور حمود إلى أن فريق عمل مديرية آثار ريف دمشق قام بتقييم الأضرار في المواقع المذكورة بالإضافة لوضع خطة للتعامل مع هذه المواقع ولا سيما الأبنية الاثرية حتى لا يتدهور وضعها أكثر من ذلك.
وتعترض أعمال الترميم مشكلة في بعض الأبنية لكون ملكيتها لا تعود إلى مديرية الآثار إنما لمديرية الأوقاف أو البلديات مثل “معصرة حرستا” ما قد يؤدي لتداعي الوضع إن لم يتم التدخل السريع لترميمها وفق الدكتور حمود.
من جهة أخرى تم تشكيل مكتب لاسترداد القطع الأثرية هدفه التواصل مع الجهات الدولية في سبيل استعادة القطع التي تم تهريبها خارج سورية سواء كانت قطعا متحفية من مقتنيات المتاحف أي “اكتشفتها بعثات مختلفة ومسجلة ولها ارقام” أو “لقى” ناتجة عن التنقيبات غير الشرعية التي نشطت خلال الأزمة.
ويوضح الدكتور حمود أنه يتم التواصل مع الانتربول الدولي ومؤسسات مختلفة لمتابعة هذه الآثار ليتم ايضاح ان كانت تعود لسورية أو لا مضيفاً: “نحن راضون عن التعاون الجيد مع هذه المؤسسات لكن اقول بصراحة إن الآثار المهربة لا تمر عبر البوابات النظامية والشرعية في كل بلد فهي تجارة كما تجارة المخدرات أو غيرها بالتالي تجد منافذ أخرى للوصول الى البلدان الاوروبية وبالتالي استعادة هذه القطع يعد أمرا صعباً لأن من يسرق قطعة لا يمكن أن يقوم بعرضها بأماكن عامة”.
أما بالنسبة للأشخاص الذين قاموا بتهريب هذه الآثار أو تدميرها فإن تمت معرفة أسمائهم أو معلومات عنهم فسيتم إعداد ملفات قضائية لملاحقتهم جنائيا في كل أنحاء العالم حسب الدكتور حمود الذي أوضح أن الإرهابيين قاموا بأعمال تنقيب غير شرعية في كل مكان بالغوطة ويتضح ذلك من خلال المصادرات التي حصل عليها أبطال الجيش العربي السوري من المسلحين الخارجين حيث تمت مصادرة الكثير من اللقى الأثرية العائدة إلى مختلف العصور من الالف الرابع والثالث قبل الميلاد ولقى أخرى تعود للفترة الاسلامية من الفخار والزجاج والمنحوتات الحجرية وتم تسليمها لمديرية الآثار مضيفاً: “ليس لدينا عدد حقيقي عما تم تهريبه من الآثار”.
ما ذكرناه أعلاه يتعلق بالمناطق الأثرية المعروفة وكما يقال ما خفي كان أعظم لأن معظم المؤرخين يذكرون أن غوطة دمشق كانت مسكونة على مختلف الحقب فأينما تم الحفر ستوجد آثار لم تكتشف بعد.
إعداد: ندى عجيب وعلي عجيب
سانا
Views: 0