اقتِحام قوّات ألمانيّة خاصّة لسفينةٍ تجاريّةٍ تركيّةٍ في طريقها لليبيا
وتفتيشها واحتِجاز طاقمها.. هل هو رسالة تحذير تَسبِق العُقوبات الاقتصاديّة الأوروبيّة؟ وكيف يَرُد الرئيس أردوغان على هذه الخطوة التي وصَفها بانتِهاك القانون الدولي؟
اعتراض سفينة حربيّة ألمانيّة لأُخرى تجاريّة ترفع العلم التركي كانت في طريقها إلى مدينة مصراته الليبيّة، وهُبوط قوّات ألمانيّة خاصّة من مروحيّةٍ على ظهر السّفينة التركيّة وتفتيشها بعد احتِجاز قُبطانها وطاقَمها تصعيدٌ خطيرٌ ربّما يُؤدّي، إذا تطوّر، إلى مُواجهةٍ عسكريّةٍ.
السّلطات التركيّة احتجّت على هذا الاختِراق الألماني للقانون الدولي حسب بيانٍ رسميٍّ تركيٍّ، وتوعّد وزير الدّفاع خلوصي أكار باتّخاذ الإجراءات اللّازمة لحِماية السّفن التجاريّة دُون أن يُحدّد طبيعة هذه الإجراءات، ويُعتقد أنّها قد تعني مُرافقة سُفن حربيّة للسّفن التجاريّة التركيّة، أو نشر قوّات تركيّة خاصّة على ظهر هذه السّفن لحِمايتها والتصدّي لأيّ اعتراضٍ لها.
القوّات الألمانيّة التي قضت ليلةً كاملةً على متن السّفينة التجاريّة التركيّة لم تَجِد أيّ أسلحة، وإنّما شُحنات طلاء ومعونات إنسانيّة، الأمر الذي يُؤكّد أنّ المعلومات التي وصلت إلى قِيادة عمليّة “أيرني” الأوروبيّة في روما المُختصّة بتطبيق حظر وصول أسلحة ومعدّات عسكريّة إلى أطراف الصّراع في ليبيا كانت غير دقيقة وربّما مُضلّلة.
الاقتِحام الألماني للسّفينة التركيّة بالقُرب من السّواحل الليبيّة يَعكِس تصعيدًا في الموقف الأوروبيّ تُجاه تركيا يأتي في إطار حالة التوتّر التي تسود حاليًّا مِنطَقة شرق المتوسّط، ومُعارضة أوروبا للتدخّل العسكريّ التركيّ لصالح حُكومة الوفاق الليبيّة.
الاتّحاد الأوروبي هدّد بفرض عُقوبات اقتصاديّة على تركيا بسبب اتّهام اليونان وقبرص لها بإرسالها سُفُنًا محميّةً بزوارقٍ حربيّةٍ للتّنقيب عن النّفط والغاز في مناطق مُتنازع عليها في المِياه القبرصيّة واليونانيّة، وهو ما تنفيه تركيا، وتُصِر في الوقتِ نفسه على الاستِمرار في أعمال التّنقيب.
الجديد في هذه الأزَمة المُتفاقِمة قِيام السّفن الحربيّة والقوّات الخاصّة الألمانيّة في اعتِراض السّفينة التركيّة وتفتيشها، ممّا يعني أنّ السّلطات الألمانيّة التي تَعتبِر تركيا شريكها التّجاري الأكبر (40 مِليار يورو حجم التّبادل التّجاري بين البلدين سنويًّا)، قرّرت الوقوف في الخندق اليوناني القبرصي الفرنسي في أزَمة شرق المتوسّط، وربّما تكون هذه الخطوة مُقدّمة، أو رسالة إنذار جديّة أخيرة، قبل فرض العُقوبات الأوروبيّة.
الاتّحاد الأوروبي لم يَكُن راضِيًا عن التدخّل العسكري التركي في ليبيا، وجاء إرسال أنقرة لقوّاتٍ للقِتال إلى جانب أذربيجان في الأزَمة مع أرمينيا حول إقليم “قرة باخ” ليُصعّد من غضب هذا الاتّحاد ضدّ تركيا، خاصّةً بعد حسم الصّراع، ومُستقبل الإقليم، لصالح أذربيجان.
أوروبا أكبر شريك تجاري لتركيا (حجم التّبادل التّجاري يَصِل إلى 100 مِليار يورو سنويًّا)، وإقدام أوروبا على فرض عُقوبات في وقتٍ تتفاقم فيه الأزَمة الاقتصاديّة التركيّة، وتتراجع قيمة اللّيرة أمام العُملة الأمريكيّة (ثماني ليرات مُقابل الدّولار) قد يُلحِق أضرارًا كبيرةً بالاقتِصاد التركي في ظِل تقارير تتحدّث عن زيادةِ إقبال الأتراك على اللّجوء إلى شِراء الذّهب المَلاذُ الآمِن.
تركيا تتعرّض لضُغوطٍ أوروبيّةٍ مُكثّفةٍ هذه الأيّام، وربّما تتفاقم هذه الضّغوط مع مَجِيء إدارة بايدن الأمريكيّة الديمقراطيّة، التي تدعم الأكراد وتُؤيّد قِيام دولة لهم في مناطقهم وإعادة إحياء مُعاهدة سيفر عام 1920 التي ثبّتت هذا الحق وألغتها لاحقًا مُعاهدة لوزان 1923 بعد تدخّل أتاتورك.
كيف ستُواجه حُكومة حزب العدالة والتنمية هذه الضّغوط، وهل ستَستخدِم القوّات الخاصّة والسّفن الحربيّة لمنع اعتِراض وتفتيش سُفنها التجاريّة في البحر المتوسّط، وفوق هذا وذاك، كيف ستُواجه العُقوبات الاقتصاديّة الأوروبيّة في حالِ فَرضِها؟
التّوتّر بين أوروبا وتركيا مُرشّحٌ للتّصاعد والأيّام المُقبلة قد تكون حافلةً بالمُفاجآت، خاصّةً أنّ كُلّ المُؤشّرات تقول إنّ أنقرة لن ترفع راية الاستِسلام.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 5