ماذا يعني نقل القمّة الخليجيّة من المنامة إلى الرياض وتأخير انعِقادها لشَهرٍ تقريبًا في الأعراف الخليجيّة؟ وهل ستكون ثُنائيّة سعوديّة قطريّة أم مُوسّعة؟ وماذا تقول قناة “الجزيرة” ردًّا على السّؤال من خِلال رصد “لهجة” برامِجها ونشَراتها في الأيّام الأخيرة؟
نقل القمة الخليجيّة من المنامة إلى الرياض وتأجيل انعِقادها السّنوي ما يَقرُب الشّهر، أيّ في الخامس من شهر كانون أوّل (يناير) المُقبل يُوحي بأنّ هُناك نوعًا من التقدّم على صعيد المُصالحة بين دولة قطر وباقِي الدول الخليجيّة المُقاطِعَة لها، وخاصّةً المملكة العربيّة السعوديّة، مثلما يُوحِي أيضًا بوجود بعض القضايا التي ما زالت مَوضِع خِلاف.
انعِقاد القمّة في الرياض يعني، وحسب التّقاليد والأعراف الخليجيّة، اعترافًا بمكانة المملكة القياديّة باعتِبارها الشّقيقة الكُبرى، وذهاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر إليها يعني اعترافًا مُتجدِّدًا بهذه المكانة، وربّما هذه الخطوة هي أحد أبرز “التّفاهمات” التي جرى التوصّل إليها عبر الوسيط الكويتيّ، وبِما أدّى إلى إزالة عقبة مُهمّة في طريق المُصالحة.
وإذا كانت نغمة محطّة “الجزيرة” القطريّة وطريقة تغطيتها للأحداث، والبرامج التي تَبُثّها، ونوعيّة الضّيوف الذين يُشاركون فيها يُمكن أن تكون مُؤشّرات أساسيّة حول قُرب المُصالحة أو بُعدها، وما إذا كانت ثُنائيّةً أمْ شامِلةً، فإنّ ما يُمكن قراءته من خِلال مُتابعتها، أيّ قناة “الجزيرة”، أنّ هذه المُصالحة قد تكون، حتّى الآن على الأقل، ثُنائيّةً، أيّ بين المملكة العربيّة السعوديّة وقطر.
فاللّافت أنّ المحطّة، التي التزمت بهُدنةٍ صارمةٍ تُجاه المملكة العربيّة السعوديّة، أُسوَةً بجميع المحطّات والصّحف والمواقع الأُخرى التّابعة بشكلٍ مُباشرٍ، أو غير مُباشر، لدولة قطر، وتوقّفت عن توجيه أيّ انتِقادات إليها، وتوظيف ترجمات من صُحف أجنبيّة تَخدِم هذا التوجّه مُنذ بداية الأزمة قبل ثلاث سنوات، ما زالت، أيّ “الجزيرة” تُواصل نهجها في العداء نفسه للدّول الثّلاث الأُخرى الشّريكة في محور المُقاطَعة، أيّ الإمارات والبحرين ومِصر دُون أيّ تغيير، رُغم أنّها أيّ المحطّة توقّفت عن توجيه أيّ انتقاد للإمارات أثناء وبعد زيارة جاريد كوشنر صِهر ترامب لبضعة أيّام الذي يُقال إنّه العرّاب الرئيسي لهذه المُصالحة، لتعود إلى سيرتها السّابقة، وإقدام بعض الحِسابات القطريّة على “تويتر” على التّأكيد بأنّه لا صُلح مع الإمارات.
لا نستطيع أن نتكهّن بِما يُمكن أن يَحدُث في الأسبوعين القادمين اللّذين سيَسبِقان فترة الانعِقاد للقمّة، بسبب حالة التّكتّم الشّديد في العواصم الخليجيّة، والشّح في نشر أيّ أخبار حولها، ولكن ربّما تتّضح الصّورة أكثر أثناء مُتابعة مراسم استِقبال الزّعماء المُشاركين، وما إذا كان الأمير تميم بن حمد سيُشارك أمْ لا، وفي حالةِ مُشاركته من سيكون في استِقباله في المطار، وكيف سيكون حجم وحرارة هذا الاستِقبال.
المسألة الأُخرى التي تَستحقّ المُتابعة أيضًا مُستوى تمثيل دولة الإمارات العربيّة المتحدة فيها، فهل سيرأس الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وفد بلاده فيها، أمْ سيتولّى هذه المَهمّة الشيخ محمد بن راشد رئيس الوزراء، فحُضور الشيخ بن زايد يعني أنّ الإمارات ستكون طرفًا في هذه المُصالحة، أمّا إذا جرى إيكال مسألة رئاسة الوفد إلى أحد حكّام الإمارات الأصغر مِثل “أم القوين”، أو “الفجيرة”، فهذا يعني أنّ الخلاف بين قطر والإمارات خارج مسألة المُصالحة، وأنّ العُلاقات السعوديّة الإماراتيّة ربّما لا تكون في أفضل أحوالها.
هُناك مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها ليس فقط حول طبيعة اتّفاق المُصالحة، سواءً كان ثُنائيًّا أمْ شامِلًا، أوّلها هل سيتم فتح الحُدود والأجواء السعوديّة أمام الطّيران القطري مثلما يُطالب دونالد ترامب وصِهره كوشنر، وما هو الثّمن الذي ستحصل عليه السعوديّة في المُقابل؟ تطبيق الشروط الـ13 وعلى رأسها إغلاق “الجزيرة” وقطع قطر لعُلاقاتها مع حركة “الإخوان المُسلمين” بجميع فُروعها، والمُعارضات الخليجيّة، وتفكيك القاعدة العسكريّة التركيّة؟، وهي شُروطٌ رفضتها دولة قطر لأنّها تَمُسّ بسِيادتها.
والسّؤال الآخر الذي تعمّدنا فصله عن الأسئلة الأُخرى المذكورة آنفًا، يتعلّق بمسألة التّطبيع، فهل ستكون المُصالحة مُقدّمة لتطبيع سعودي قطري مُشترك وعلني مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي تلبيةً لضُغوطٍ أمريكيّةٍ ترامبيّة شَرِسَة في هذا المِضمار؟
نَعتَرِف أنّنا لا نملك أيّ إجابات عن هذه الأسئلة، مُنفردةً أو مُجتمعةً، لكنّ ما نَعرِفه أنّ الإنهاك والتّعب من استِمرار هذه الأزَمة بات القاسِم المُشتَرك لكُلّ الأطراف المُتورّطة فيها، وهذا العامِل، أيّ الإنهاك، هو الدّافع الأكبر للتّفاوض واستِعداد الأطراف لتقديم التّنازلات المُتبادَلة للوصول إلى حَلٍّ يَطوي صفحة الخِلاف، وبَدء صفحة جديدة، يعلم الله كم تطول.
الزّيارة المُفاجئة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد وليّ عهد أبو ظبي إلى القاهرة قبل أيّام واجتِماعه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، واختفاء عبارات التّرحيب الحار بالمُصالحة في التّصريحات الصحافيّة المُتعلّقة بها، تُوحِي بأنّ البلدين، أيّ مِصر والإمارات قد لا يكونان طَرفًا فيها حتّى الآن، وهُناك مصادر في القاهرة تتحدّث عن خِلاف سعودي مِصري مكتوم في هذا المِلف تحديدًا.
لا نملك في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” غير مُواصلة الرّصد والمُتابعة، وقراءة السّطور وما بينها، في مُحاولةٍ للتعرّف على ملامح هذه المُصالحة وطبيعتها واحتِمالات ديمومتها، لأنّ القمّة الخليجيّة القادمة، التي جاءت بعد عدّة قمم هامشيّة في السّنوات الخَمس الأخيرة على الأقل، ربّما تكون حاسمةً بالنّسبة لمجلس التّعاون الخليجي، ووحدته، ومُستقبله، وربّما المِنطَقة بأسْرِهَا، سلبًا أو إيجابًا.. واللُه أعلم.
(رأي اليوم)
Views: 0