يبدو ان التحذيرات التي اطلقها الصحفي الأميركي توماس فريدمان، خلال المناظرات الانتخابية بين الرئيس الامريكي دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، من أن “الديمقراطية” في امريكا تواجه خطرا مريعا أكثر مما تعرضت له منذ الحرب الأهلية والغارة الجوية المباغتة، التي شنتها اليابان على القاعدة البحرية الأميركية في ميناء بيرل هاربر سنة 1941؛ بل وأشد هولا من أزمة الصواريخ الكوبية في 1962، كانت في محلها ، بعد التفجير الذي شهدته امس ولاية تينيسي، والذي وصفته الشرطة بالمتعمد.
السبب الرئيسي الذي دفع فريدمان حينها الى اطلاق تحذيراته تلك، هو ان ترامب كشف بشتى الطرق أنه إما أن يعاد انتخابه مرة أخرى، أو ينزع الشرعية عن عملية التصويت بالادعاء أن الاقتراع عبر البريد باطل، ومحاولة قلب الطاولة على الجميع ، رغم ان الاقتراع عبر البريد وسيلة قديمة ظلت تستخدم في انتخابات الرئاسة منذ زمن طويل بما فيها تلك التي جاءت بترامب إلى سدة الحكم.
ما حصل امس الجمعة من انفجار سيارة مفخخة في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي الأميركية، وما قيل عن احتمال وجود سيارات أخرى مشبوهة في المدينة، وما ذكره المتحدث باسم شرطة المدينة آرون مكابي، من ان الشرطة تعتقد أنه كان عملا متعمدا، يؤكد ان هناك جهات تعمل على خلق ذرائع تسهل على الرئيس الامريكي المهزوم ترامب، اعلان حالة الطوارىء، التي تم التخطيط لها في الاجتماع الذي ضم ترامب ومستشاره السابق للامن القومي الجنرال مايكل فلين ، بهدف الانقلاب على نتائج الانتخابات.
نائب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق، آندرو مكابي قال في لقاء مع شبكة “سي ان ان” الامريكية، ان الانفجار ناجم عن قنبلة كبيرة، وان انفجارا بهذا الحجم سيتم التحقيق فيه على أنه عمل إرهابي محتمل، مشددا على ان الشرطة قد تكون الهدف المحتمل للانفجار بالنظر إلى أنها كانت تستجيب لبلاغ عن مركبة مشبوهة عندما انفجرت.
من الواضح ان هذا الانفجار الذي تسبب بأضرار مادية كبيرة، واسفر عن اصابة العديد من الاشخاص، كثف من حالة التخوف التي كانت ساائدة اصلا بين الامريكيين، من لجوء مجموعات يمينية متطرفة داعمة لترامب إلى العنف، لاسيما بعد ان دعاهم الاخير للنزول الى الشوارع، لـ”اعادة الفوز الذي سرقه الديمقرطيون منهم”.
هذه الحقيقة كشفت عنها مجلة “فورين أفيرز” الامريكية، عندما كتبت؛ ان ترامب اظهر خلال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض تعاطفا واضحا مع جماعات تفوق العرق الأبيض اليمينية المتطرفة -خاصة المسلحة منها- أكثر من أي رئيس آخر. وان إدارة ترامب ضغطت أيضا على وكالات إنفاذ القانون لتقليل خطورة التهديد الذي تشكله هذه الجماعات اليمينية، مما سمح للعنف غير الحكومي بالتسلل الى المشهد السياسي.
الجماعات اليمينية العنصرية المسلحة الأكثر شهرة في أمريكا، مثل جماعة “براود بويز” و “حركة بوغالو” و “كو كلوكس كلان” والنازيين الجدد وغيرها، ترى ان ترامب يشاركها رؤيتها العنصرية للدولة والشعب الامريكي، لذلك تنظر اليه على انه المتحدث باسمها ومنقذها، وتقع عليها مسؤولية الدفاع عنه ضد من يريدون اسقاطه، بغض النظر عن نتائج الانتخابات، حتى لو اضطرت الى استخدام القوة، للابقاء على ترامب في البيت الابيض.
العلاقة بين ترامب والجماعات العنصرية المسلحة، تكشفت وبشكل صارخ، بعد ان نفذت هذه الجماعات اوامر ترامب الذي دعا المسلحين المتطرفين الى ان “يحرروا ميشغان” بعد الاجراءات التي اتخذتها حاكمة الولاية الديمقراطية غريتشن ويتمر، والرامية لإغلاق الولاية لمواجهة جائحة كورونا. وعلى الفور نزلت مجاميع من المليشيات الى شوارع مدينة لانسنغ عاصمة الولاية حاملين أسلحتهم النارية. وبعد عدة ايام اعلن مكتب التحقيقات الفدرالي الامريكي احباط محاولة اختطاف حاكمة الولاية ويتمر، والإطاحة بحكومة الولاية، وتم اعتقال 13 شخصا بتهمة التآمر لخطف الحاكمة، ومهاجمة مبنى برلمان الولاية وأفراد الشرطة بها.
انفجار ناشفيل أمس، جاء هو ايضا بتأثير خطاب ترامب الموجه الى الجماعات العنصرية المسلحة، التي بدأت بدفع الاوضاع في امريكا نحو الانزلاق الى الفوضى، للتغطية على خسارة “رمزها”، الذي فتح امامها الابواب للظهور بهذا الشكل الملفت في المشهد الامريكي. وهو باب يرى العديد من المراقبين لهذا المشهد، انه من الصعب اغلاقة مرة اخرى. فترامب، كما تؤكد القرائن، قرر اشعال النار بأمريكا.
سعيد محمد – العالم
Views: 7