هل ضاقت الى هذه الدرجة الخيارات امام رئيس الجمهورية ليلجأ مرة جديدة هي الرابعة الى المجلس النيابي طالباً منه البحث في الاوضاع الاقتصادية المستجدة عقب قرار المصرف المركزي رفع الدعم عن استيراد المحروقات، بحيث بدا اللجوء الى المجلس الوسيلة الوحيدة الباقية امام الرئيس لممارسة صلاحيات يعتقد انها يمكن ان تؤدي الى تثبيت موقعه في الحكم من خلال صلاحيات ناطها به الدستور، وانما من دون صلاحيات تنفيذية؟
قبل نحو اسبوع، سربت اوساط القصر الجمهوري نصاً لرسالة قالت ان الرئيس وجهها الى رئيس المجلس لمناقشة تداعيات قرار وقف الدعم.
مضى بعض الوقت قبل ان يعلن رئيس المجلس عن تسلمه الرسالة، ليحدد على ضوئها موعدًا لتلاوتها.
لم يتلقف بري بداية حيثيات الرسالة، خصوصًا انها اتت تحت وطأة عاملين لا يشجعان ابداً على فهم الخلفية التي يرمي اليها الرئيس منها.
اول عامل سياسي تمثل في المناخ الايجابي الذي ساهم قصر بعبدا في بثه حيال قرب تأليف حكومة جديدة. وفي مناخ ايجابي مماثل، يتعذر فهم الدور الذي سيلعبه المجلس، فيما تتولى سلطة تنفيذية جديدة مهماتها، وفي صلبها التعامل مع الاوضاع الاقتصادية المستجدة ومع مسألة رفع الدعم، باعتبار ان هذا الامر يجب ان يكون في صلب السياسات والتوجهات التي ستتبعها الحكومة العتيدة.
العامل الثاني نفسي ويتصل بحال من الانفصام في التعاطي مع الازمات. اذ كيف يمكن في خلال اقل من 72 ساعة ان يدعو رئيس الجمهورية الى اجتماع للمجلس الاعلى للدفاع يتبلغ فيه من حاكم المصرف المركزي عزمه على وقف الدعم، ولا يلبث الرئيس قبل مضي 24 ساعة على صدور بيان الحاكم الذي جاء بعد بضع ساعات على انتهاء اجتماع المجلس الاعلى، ان يستدعي الحاكم ليستوضحه اسباب قراره وتسرعه في اعلانه، ليتوجه بعدها بوقت قصير جدًا الى المجلس لدعوته لاتخاذ قرار؟!
والواقع ان عون لجأ الى المجلس بعدما فرض الحاكم حصوله على تشريع قانوني يجيز له التصرف بالاحتياط لديه اذا كانت السلطة تريد منه الاستمرار بالدعم.
والواقع ايضاً ان عون المدرك تمامًا ان المجلس لن يشرع المساس بما تبقى من احتياطات بالنقد الاجنبي، لما لقانون كهذا من ارتدادات سلبية على الشعبية التي يحتاج اليها النواب في زمن الانتخابات.
وهذا يقود الى تفهّم خلفيات قصر بعبدا في رمي الكرة في ملعب البرلمان، قاذفاً مسؤولية رفع الدعم على النواب، بذريعة “اردت الاستمرار في دعم الناس ولكن ما خلّوني”.
وعلى هذا الاساس، تصبح الجلسة المرتقبة للمجلس النيابي غدًا بناء للدعوة التي وجهها رئيسه نبيه بري لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون لزوم ما لا يلزم. لكنها في المقابل ستؤكد على حقيقتين او ثابتتين:
– الاولى ان لا حكومة قريبة رغم كل الاجواء الايجابية التي يحرص كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على بثها. وكان عون قال قبل يومين ان الحكومة “بهاليومين”.
– الثانية ان لا تفعيل او تعويم لحكومة حسان دياب، سيما وان الخلاف مستحكم بينه وبين عون، السبب الذي منعه من المشاركة في اجتماع المجلس الاعلى للدفاع ما قبل الاخير. وان اعتماد بعبدا على المجلس الاعلى للدفاع لا يعوض وجود حكومة فاعلة. وقد جاء كلام الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله قبل ايام في هذا الصدد ليصب في هذا الاتجاه.
اما على المستوى التشريعي، فيستبعد ان يلجأ المجلس الى اقرار اي تشريع، من دون مسوغ او مشروع او اقتراح قانون، في ظل حكومة مستقيلة، خصوصاً ان هذا الموضوع ليس من مسؤولية المجلس بل من مسؤولية الحكومة. لذلك، لا تستبعد مصادر نيابية ان تقتصر الجلسة على تلاوة الرسالة، اذا كانت اجواء ولادة الحكومة ايجابية، والا يمكن ان يسمح بري بفتح النقاش لبعض النواب ليدلوا بدلوهم في الازمة القائمة في ملف المحروقات والتهريب والتخزين، على ان يتبنى المجلس توصية تدعو الى التعجيل بتشكيل الحكومة وبدء تطبيق البطاقة التمويلية، وهذا الامر من البديهيات اذا كانت الولادة متعثرة!
Views: 0