أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن عدد الرؤوس النووية لدى واشنطن، للمرة الأولى منذ أربع سنوات، بعد قرار بايدن رفع التعتيم الذي فرضه سلفه ترامب في هذا الصدد، فما هي خريطة توزيع الأسلحة القاتلة حول العالم حالياً؟
يضم النادي النووي -أي الدول التي تمتلك أسلحة نووية- 9 أعضاء، على رأسهم روسيا والولايات المتحدة، وتمتلكان معاً نحو 90% من الترسانة النووية العالمية، تليهما الصين وفرنسا وبريطانيا.
وبينما تعترف الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (موسكو وواشنطن وبكين وباريس ولندن) بترسانتها النووية، تظل نيودلهي وإسلام آباد وبيونغ يانغ وتل أبيب ضمن دائرة عدم الاعتراف الرسمي، رغم أن امتلاك سلاح نووي هو أمر يستحيل إخفاؤه بطبيعة الحال.
كم رأساً نووياً تمتلكه الولايات المتحدة؟
في البداية نتوقف عند التعتيم الذي فرضه الرئيس السابق دونالد ترامب على إعلان واشنطن السنوي عن حالة ترسانتها النووية، وهو التقليد الذي كان متبّعاً منذ انتهاء الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي برئاسة الاتحاد السوفييتي السابق (حلف وارسو)، والمعسكر الغربي برئاسة الولايات المتحدة (حلف الناتو)، بتوقيع اتفاقية تقليص الترسانة النووية.
عندما دخل ترامب البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني 2017، كانت اتفاقية START (معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية)، التي وقّعها سلفه باراك أوباما مع روسيا عام 2010 سارية المفعول، لكن ترامب أعلن أنه يريد عقد “صفقة” أكبر وأفضل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، تخفض الترسانة النووية بشكل كبير، كما قال الرئيس السابق قبل 3 أيام من تنصيبه رسمياً.
كان ترامب يريد رفع العقوبات المفروضة على روسيا من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب غزو موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وضمها عام 2014، كي يقنع بوتين بتوقيع اتفاقية لتخفيض الترسانة النووية للبلدين، أو حتى إنهائها تماماً، بحسب تصريحاته، لكن بالطبع لم يحدث أي من ذلك، وقرر ترامب التعتيم على ترسانة بلاده النووية، ورفض أيضاً الدخول في مفاوضات مع موسكو لتجديد اتفاقية START، مشترطاً أن تشمل أيضاً الصين.
وبعد أن تولى بايدن المسؤولية دخل في مفاوضات مع بوتين، لتجديد اتفاقية تخفيض الأسلحة النووية وتوسيعها أيضاً، لتشمل الأسلحة الاستراتيجية وغير التقليدية، وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء 5 أكتوبر/تشرين الأول، التقريرَ السنوي لعدد وحالة الرؤوس النووية في الترسانة الأميركية.
وبحسب ما أعلنته وزارة الخارجية، يمتلك الجيش الأميركي 3750 رأساً نووياً مفعّلاً أو غير مفعل، وهذا العدد، رغم أن معهد ستوكهولم للسلام نشر تقريراً يحمل أرقاماً مختلفة، يعتبر الرقم الأقل منذ بلغ المخزون النووي الأميركي ذروته في أوج الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، إذ كان يبلغ 31255 رأساً نووياً حربياً.
بيان الخارجية الأميركية قال إن الرقم المعلن (3750 رأساً نووياً) يرجع إلى 30 سبتمبر/أيلول عام 2020، مضيفاً أن الرقم في عام 2019 كان 3805 رؤوس نووية (تم تخفيض 55 رأساً)، بينما كان عدد تلك الرؤوس النووية عام 2017 يبلغ 3822).
لكنّ تقريراً نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، مطلع العام الجاري، كان قد ذكر أن الرؤوس الحربية التي تمتلكها الولايات المتحدة تبلغ 5550 رأساً نووياً، ما يضع واشنطن في المرتبة الثانية بين أعضاء النادي النووي خلف روسيا.
كم رأساً نووياً حول العالم؟
صحيح أنه من المستحيل أن تُخفي دولة ما امتلاكها أسلحة نووية، لكن العدد الدقيق لما تمتلكه كل دولة من تلك الأسلحة القاتلة، التي قد يتسبب تفجيرٌ واحد منها في إفناء مدينة بأكملها، يُعتبر عملية صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة أيضاً.
فحتى الأرقام التي تُصدرها الخارجية الأميركية لا تكون شاملة لجميع أنواع الأسلحة النووية أو حالتها، مفعلة أو غير مفعلة، موجودة كاحتياطي استراتيجي في المخازن أم منصوبة داخل قواعد عسكرية، محمولة جواً على صواريخ باليستية أو طائرات أو موجودة على غواصات، وما إلى ذلك من طرق نشر الأسلحة المختلفة، كما يشكك كثير من الخبراء العسكريين الغربيين في مدى دقة الأرقام التي تُصدرها روسيا أو الصين، على سبيل المثال.
وإذا كان الوضع بهذا الغموض فيما يتعلق بالدول التي تعترف بأنها نووية، فما بالنا بالأربع (باكستان والهند وكوريا الشمالية وإسرائيل)، التي تعتمد سياسة الغموض، وترفض من الأساس وجود مراقبين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمتابعة منشآتها النووية أو ترسانتها النووية.
لكن على كل الأحوال، كان تقرير معهد ستوكهولم للسلام الأخير (الصادر مطلع العام الجاري) قد ذكر أن إجمالي الرؤوس النووية حول العالم حالياً يبلغ 13080 رأساً نووياً، بانخفاض طفيف من 13400 العام الماضي، وتتصدر روسيا القائمة النووية بامتلاكها 6255 رأساً نووياً، تليها الولايات المتحدة بـ5550، ثم الصين 350، وفرنسا رابعةً بـ290 رأساً نووياً، ثم بريطانيا وتمتلك 225.
وقدر تقرير المعهد أن باكستان تمتلك 165 رأساً نووياً، تليها الهند بـ156، ثم إسرائيل بـ90 رأساً نووياً، وأخيراً كوريا الشمالية التي تمتلك بين 40 و50 رأساً نووياً.
هل يتجه العالم نحو تخفيض الترسانة النووية؟
المفترض أن تكون الإجابة البديهية عن هذا السؤال هي نعم بالتأكيد، لكن واقع الأمر يكشف حقيقة أخرى على ما يبدو. فبعد أن كان سباق التسلح النووي هو السمة البارزة للعالم ثنائي القطبين (الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة)، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن نهاية تلك الحرب بتوقيع اتفاقية تخفيض الأسلحة النووية بين واشنطن وموسكو قبل أكثر من أربعة عقود كان يفترض أن تؤدي في النهاية إلى القضاء على تلك الأسلحة التي تهدد العالم أجمع بالفناء، أو على الأقل تخفيضها والتوقف عن تطويرها من الأساس.
لكنّ تقريراً لمعهد “سبري” لأبحاث السلام في السويد، صدر منتصف يونيو/حزيران الماضي، حذّر من أن التراجع في عدد الأسلحة النووية الذي تم تسجيله منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي يبدو أنه قد تباطأ، مع وجود مؤشرات على زيادة في أعدادها، وذلك في الوقت الذي التزمت فيه الدول النووية بتجديد ترساناتها أو توسيعها في بعض الأحيان.
وقال هانز كريستنسن من معهد (سيبري) لموقع دويتش فيله الألماني: “يبدو أن خفض الترسانات النووية الذي اعتدنا عليه منذ نهاية الحرب الباردة في طريقه إلى التراجع”، مضيفاً: “إننا نشهد برامج تحديث نووي مهمة للغاية في جميع أنحاء العالم، وفي كل الدول النووية. يبدو أن الدول النووية ترفع من الأهمية التي توليها للأسلحة النووية في استراتيجياتها العسكرية”.
وركّز التقرير على أن هذا التغيير الاستراتيجي يمكن ملاحظته لدى كل من روسيا والولايات المتحدة، اللتين تمتلكان معاً أكثر من %90 من الأسلحة النووية في العالم، وقال معدو التقرير إن “جميع الدول السبع الأخرى المسلحة نووياً إما تُطور أو تنشر أنظمة أسلحة جديدة، أو أعلنت عزمها على القيام بذلك”.
وأضاف الباحثون أن عدد الرؤوس الحربية النووية التي تم تركيبها بالفعل على صواريخ، أو الموجودة في قواعد نشطة أمر مثير للقلق. ويعتبر معهد سيبري أن هذه الأسلحة النووية أُضيفت للترسانة القائمة وجاهزة للنشر، وقد ارتفع عددها من 3720 وحدة إلى 3825 وحدة، مقارنة بعام 2020، وقد أضافت كل من الولايات المتحدة وروسيا 50 وحدة تقريباً
Views: 1