هل ألغت الإمارات فِعلًا صفقة طائرات الشّبح الأمريكيّة؟ وما هي الأسباب الحقيقيّة؟ وهل حلّت “الصين” محل إسرائيل كعدوّ لأمريكا في الخليج وكيف؟ وما هي العِبْرة التي يُمكن استِخلاصها؟
ما زال من غير المعروف ما إذا كانت هذه الصّفقة قد ألغيت كُلِّيًّا، أم أنّ هذا التّهديد مُجرّد مُناورة لتحسين شُروطها، خاصَّةً أن وفدًا عسكريًّا إماراتيًّا رفيع المُستوى وصل إلى واشنطن مساء أمس في زيارةٍ تستمرّ يومين للتّفاوض مع مسؤولين في وزارة الدّفاع الأمريكيّة “البنتاغون”.
وكانت حُكومة الإمارات قد وقعت قبل أسبوعين صفقة لشِراء 80 مُقاتلة من طائرات “رافال” الفرنسيّة الهُجوميّة المُجهّزة بأجهزة استِشعار مُتطوّرة، وقادرة على حمل ألف طن من الصّواريخ، تُقدّر قيمتها بحواليّ 16 مِليار يورو أثناء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأبوظبي في إطار مساعيه المُعلنة لتسوية الأزمة اللبنانيّة الخليجيّة على أرضيّة تصريحات جورج قرداحي وزير الإعلام المُستقيل حول عبثيّة الحرب في اليمن، الأمر الذي أثار العديد من التكهّنات حول احتِمال أن تكون صفقة طائرات “الرافال” الفرنسيّة هي البديل عن نظيرتها الأمريكيّة المُتعثّرة، أيّ صفقة شِراء طائرات الشّبح.
ما يُمكن رصده من خلال كُل ما تقدّم أن مُعظم، إن لم يكن جميع صفقات الأسلحة التي تشتريها دول عربيّة وخليجيّة من الولايات المتحدة، “منزوعة الدّسم” ومُرتبطة بشُروطٍ تعجيزيّةٍ مُلزمة للدّول المُشترية، يُفقدها السّيادة عليها، وحُريّة استِخدامها بالتّالي، ومن غير المُستَبعد أن تكون جميع صفقات الطّائرات والأسلحة المُشتراة من دول أوروبيّة أُخرى مِثل فرنسا وبريطانيا تحمل الشّروط التعجيزيّة نفسها.
في الماضي القريب، كانت الولايات المتحدة تفرض على دول الخليج والأردن ومِصر، أبرز زُبون صفقات أسلحتها، عدم استِخدام هذه الأسلحة والطّائرات في أيّ حرب ضدّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وتنزع منها جميع الأجهزة الإلكترونيّة المُتطوّرة، أو تُسيطر على برامجها عن بُعد تُؤهّلها للتحكّم بها، الآن وبعد توقيع الإمارات اتّفاق “سلام أبراهام” مع تل أبيب، وباتت عُلاقتها مع “إسرائيل” تتجاوز مسألة التّطبيع إلى مجالات التّنسيق العسكري والأمني مع دولة الاحتِلال، وتبادل الزّيارات بين كِبار المسؤولين في البلدين (نفتالي بينيت زار أبوظبي أمس ووجّه دعوةً إلى الشيخ محمد بن زايد لزيارة “إسرائيل”)، ربّما جرى حذف هذا الشّرط، أيّ عدم استِخدام هذه الأسلحة ضدّ “إسرائيل”، واستِبداله بفرض شُروط قاسية لعدم سُقوط أسرارها التكنولوجيّة، أيّ طائرات “الشّبح” في أيدي الخصم الصيني.
الولايات المتحدة أجبرت الإمارات على تفكيك وإغلاق قاعدة عسكريّة صينيّة كانت في طَور التّأسيس سِرًّا في مُحيط مدينة أبو ظبي، حيث تُوجد قواعد فرنسيّة وأمريكيّة، حسب بعض التّسريبات الإخباريّة الغربيّة، ويظل السّؤال هو عمّا إذا كانت حُكومة أبوظبي تستطيع رفض أيّ شُروط أمريكيّة بعد أن أصبحت حليف واشنطن الأبرز في المنطقة بأسْرها؟
عندما كُنّا نجري أبحاثنا الميدانيّة لتأليف كتاب حول تنظيم “القاعدة”، أبلغنا أحد المُنخرطين في صُفوفها، أن التنظيم كان يمتلك مجموعةً من صواريخ “ستينغر” الأمريكيّة المُضادّة للطّائرات، التي استخدمت بفاعليّة لإسقاط الطّائرات السوفييتيّة أثناء الجِهاد الأفغاني لإخراج القوّات الروسيّة من أفغانستان، وعندما حاول التنظيم (القاعدة) استِخدام الصّواريخ نفسها ضدّ الطّائرات الأمريكيّة الغازية في حرب تشرين أوّل (أكتوبر) عام 2001، لم تنطلق هذه الصّواريخ مُطلقًا، لأنّ مُصنّعيها في واشنطن غيروا برمجتها بما يمنع استِخدامها ضدّ أيّ طائرة أمريكيّة، وربّما تنطبق هذه القاعدة على جميع الأسلحة الأمريكيّة في جميع الدّول العربيّة.
العدوّ الرئيسي للعرب، وفي الخليج خاصَّةً، لم يعد “إسرائيل” وإنّما الصين، وإيران، وربّما روسيا أيضًا، الأمر الذي انعكس في تغيير أولويّات البرمجة فيما يبدو، ولكن جميع برمجة هذه الأسلحة والطّائرات الأمريكيّة والفرنسيّة، وتجهيزاتها الإلكترونيّة، ومهما كانت مُتطوّرة، ولن يكون لها القُدرة على حسم المعارك، في ميادين القِتال في ظِل الصّواريخ الباليستيّة الدّقيقة التي تملكها إيران وحُلفاؤها في جنوب لبنان والعِراق، واليمن، وقِطاع غزّة، بدليل أن “إسرائيل” التي تملك هذه الطّائرات “كاملة الدّسم”، و”الشّبح” على رأسها، لم تفز في أيّ حرب خاضتها مُنذ هزيمة حزيران عام 1967، ولم تمنع هذه الطّائرات هزيمتها المُهينة، وتدمير أُسطورة جيشها في حرب لبنان عام 2006، وحرب “سيف القدس” الأخيرة التي أذلّت المُؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة، وبثّت الرّعب في نُفوس مُستوطنيها.
“رأي اليوم”
Views: 3