تتكرّر أسطوانة التناحر والخلافات على الحصص مع كل ازمة حكومية، تبدأ بالاتفاق على الرئيس المكلف ومن ثم على التأليف، فلا تنتهي الازمة إلا بعد اشهر، لكن هذه المرة لا يوجد ترف الوقت، لانّ الاستحقاق الرئاسي على الابواب، والمطلوب تشكيلة حكومية بأسرع وقت ممكن، فيما يتفاقم التباطؤ للاستشارات النيابية الملزمة، وكل اسبوع يتم التأجيل الى الاسبوع الذي يليه، والبلد غارق في الكوارث والأوضاع الإقتصادية الصعبة، ووحده المواطن يعيش أسوأ أوضاعه.
وسط هذه الأجواء الضبابية، تبدو العراقيل كبيرة، وبات كل شيء مصحوباً بالصراعات، بين قادة الكتل السياسية حول شكل الحكومة المرتقبة، وإن كان بعض كبار المسؤولين يفضّلون بقاء حكومة تصريف الاعمال لمصالح خاصة بهم، لذا يعملون على عدم إنهاء هذا الملف، فيما آخرون يدعون الى تشكيل حكومة من الحياديّين كحل وسطي، تضمّ أصحاب الكفاءات والنزاهة البعيدين كل البعد عن المحاصصة الطائفية، بهدف الحفاظ على الوحدة الوطنية، مهمّتها حماية المواطن في عيشه وحقوقه، وإعادة تحريك عجلة الانتاج والنهوض بالاقتصاد المتهاوي، إضافة الى وضع حدّ للفساد المستشري.
هذه الدعوة لاقت إستحساناً لدى بعض السياسيين، لأنها الحل الأفضل للأزمة، خصوصًا أنّ لبنان يحوي العديد من الشخصيات المفكّرة والاقتصادية القادرة على إعطاء الحلول لكل الملفات المتعثرة، فلماذا نعيد الاشخاص الذين لم يعطوا أي حلول للاوضاع السياسية والاقتصادية المتردية؟ وبالتالي فلماذا لا نعيد تجربة حكومة الاختصاصيّين التي عايشها لبنان في فترات سابقة وكانت ناجحة؟ والأهم من كل هذا أن تحمل هذه الحكومة عنوان: «الرجل المناسب في المكان المناسب»، أي أن يتولّى كل وزير حقيبة من اختصاصه العلمي، مع غياب مطلق لأي تبعية، كي تستحق لقب «حكومة اختصاصيّين تنقذ لبنان»، أي حكومة تضم حياديّين عن الأحزاب، وليس كما الحكومة الاخيرة التي ضمّت بعض الاسماء الوزارية الاختصاصية، لكن مقرّبة من احزاب مسيطرة على قراراتهم.
وفي هذا السياق، رأت مصادر سياسية مطلعة على الاجواء الحكومية، بأنّ لا مجال للانقاذ إلا بهذه الطريقة، لان الوضع الاقتصادي دقيق جداً، كما انّ التعامل مع صندوق النقد الدولي يتطلب وزراء قادرين على تحقيق الاستقرار الاقتصادي اولاً، وتشجيع المشاريع الداعمة له، لانهم يتحلّون بقدرة على طرح الحلول بعيداً عن الاجندات السياسية واصطفافاتها.
وعن إسم وزير نجح في هذا الاطار، قالت المصادر المذكورة: «على سبيل المثال لا الحصر، هنالك الوزير زياد بارود ، وهو نجح في مهامه والناس يثقون به، وبالتالي فهو غير محسوب على أي جهة سياسية»، ولفتت من ناحية اخرى الى انّ المطالب عديدة اليوم، فإلى جانب حكومة الاختصاصيين، هنالك حكومة الوحدة الوطنية أي السياسية، والبعض يطالب بها تحسباً لعدم حصول الانتخابات الرئاسية في موعدها، اما البعض الاخر فيعتبر بأنّ التأليف لن يمّر حتى ولو مرّ التكليف، بسبب غياب التوازنات السياسية فيها، وهنالك اطراف ستفرض شروطها وسوف ُتلبى مطالبها، واخرى لن تفلح في فرض تلك الشروط، ناقلة بأنّ رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي والمرشح الابرز للتكليف، لن يخضع للشروط والإبتزاز لانّ كيله طفح من كل الذي جرى.
وفي هذا السياق، اشارت المصادر عينها الى انّ الازمة الحقيقية ستبدأ إعتباراً من الاسبوع المقبل، أي بعد البدء بالاستشارات وتسمية ميقاتي من جديد، لكن الانقسامات وكالعادة ستكون على الحقائب الدسمة، وصولاً الى البيان الوزاري للحكومة وبرنامجها الإصلاحي، وإمكان تحقيقه للحصول على المساعدات المنتظرة لإنتشال لبنان من الانهيارات التي تطوّقه، مشدّدة على ضرورة ان يتنازل الجميع ويتناسون الخلافات في سبيل مصلحة لبنان اولاً.
وختمت المصادر بأنّ الردّ سيكون قاسياً قريباً جداً من خلال «الحرتقة» على التأليف، واصفة المعركة الحكومية المرتقبة بالأشرس، لانّ البعض سيجعل ميقاتي يندم على الساعة التي قبل بها التكليف من جديد، لانّ مصلحة هذا البعض تقتضي ببقاء الوضع كما هو بسبب مصالحه الخاصة، وهنا الطامة الكبرى، فلا احد قادر على تغيير ما يُحضّر من لعبة سياسية، لذا ستتفاقم العرقلة، لافتة الى وجود ألغام سياسية قد تنفجر في اي لحظة، وبأنّ مرحلة التأليف ستدخل لاحقاً مرحلة ضبابية جداً لا احد يعرف نهايتها
Views: 1