ما هي الدّوافع الحقيقيّة وراء انسِحاب سورية من المُشاركةِ في قمّة الجزائرالمقبلة؟ وكيف أثبتت “كِبَر” مكانتها وحِرصها على أصدقائها وسُلّم أولويّاتها الجديد؟ ولماذا سيعودون مثلما عادَ أردوغان؟
تصرّفت القِيادة السوريّة “بكِبَر” و”تعفّف” و”مسؤوليّة” عندما أعلنت على لِسان السيّد فيصل المقداد وزير خارجيّتها عدم المُشاركة في القمّة العربيّة المُقبلة في الجزائر مطلع شهر تشرين ثاني (نوفمبر) المُقبل.
السيّد المقداد قال إن حُكومته أقدمت على هذه الخطوة حِرصًا منها على المُساهمة في توحيد الكلمة، والصّف العربيّ في مُواجهة التحدّيات التي تفرضها الأوضاع الرّاهنة على الصّعيدين الإقليميّ والدوليّ”.
ما لم يقله السيّد المقداد صراحةً أن سورية الدّولة والحُكومة، تُريد إعفاء شقيقتها الجزائريّة من أيّ حَرَجٍ، ونزْع كُل الذّرائع لإفشال القمّة من أيدي المُتآمرين على سورية، وضخّوا مِئات المِليارات في إطار المُخطّط الأمريكي لإسقاط نظام الحُكم فيها، وتفتيت وحدتيها الترابيّة والبشريّة.
هذه الدّول التي تأمرت على سورية تُريد التستّر على فشل مشروعها في إسقاط الدولة السوريّة، بربط مُشاركتها في القمّة المُقبلة بعدم استِعادتها، أيّ الدّولة السوريّة، لمِقعدها في الجامعة العربيّة، أمام إصرار الجزائر الدّولة المُضيفة على هذه الخطوة لتعزيز التّضامن العربي، فجاء الانسِحاب السوريّ صفعةً قويّةً لها.
سورية تظل أكبر من الجامعة العربيّة في شكلها البائس الرّاهن، حيث يُسيطر على أعمالها وأجنداتها حُكومات التّطبيع العربيّة، وعودتها إليها في ظِل هذه الأجواء الموبوءة تُسِيء إليها، وتُقلّل من صُمودها وانتِصارها على المُؤامرة الأمريكيّة لتفتيتها واستِنزاف جيشها العربي وتفكيكه على غِرار ما حدث في العِراق وليبيا واليمن تحت عناوين الإصلاح والتّغيير الدّيمقراطي المُزوّرة والمُضلّلة.
لا نستبعد أن تكون خطوة الانسِحاب أو عدم المُشاركة في القمّة العربيّة جاءت بالتّنسيق بين الحُكومتين الجزائريّة والسوريّة، وقد كُنّا نتمنّى في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” اعتِذار الحُكومة الجزائريّة عن عدم عقدها، أيًّا كانت الأسباب والدّوافع التي تقف خلف إصرارها، فالجزائر التي استعادت عافيتها ومكانتها العربيّة والإفريقيّة والدوليّة، وبات الزّعماء الغربيّون يحجّون تباعًا إلى عاصمتها ليست بحاجةٍ إلى هذه القمّة البروتوكوليّة منزوعة الدّسم، ونتمنّى أن تشرح لنا الحُكومة الجزائريّة وكُل أحبائها من الشّعوب العربيّة دوافعها التي تكمن خلف الإصرار على هذا الانعقاد مع احتِرامنا لقرارها، وتسليمنا بالمَثل الذي يقول “أهل مكّة أدرى بشِعابها”، وإن كُنّا لسنا بعيدين عن مكّة وشِعابها وأهلها الكِرام.
الحدث الأهم الذي كان من المُمكن أن يُعطي لهذه القمّة أهميّتها، ولفت أنظار العرب والعالم إليها، هو الحُضور السوري، ولكن بلا هذا الحُضور ستظل قيمتها محدودةً مِثل كُل القمم السّابقة التي غابت عنها سورية الدّولة المُؤسِّسَة للجامعة العربيّة والتي رفضت التّطبيع مع العدوّ بأشكاله كافّة، حيث مُستوى الحُضور كان مُنخفضًا، ولم تُعقَد إلا لساعاتٍ معدودة، وكانت مُعظم القِيادات المُشاركة فيها تغطّ في النّوم، ونأمل أن تكون قمّة الجزائر مُختلفة وتُحقّق طُموحات قِيادتها في لملمة الصّف العربيّ.
الأولويّات السوريّة تغيّرت، ولم يعد من بينها اللّقاءات الدبلوماسيّة الباردة والمُعلّبة التي يغلب عليها التّكاذب المُشتَرك، الأولويّات السوريّة تنحصر في تحرير أراضيها، وطرد المُحتلّين، واستِعادة ثرواتها بأشكالها كافّة، وإعادة الإعمار، وانتهاج الطّريق الأسرع للوصول إلى هذه الأهداف هو بتعزيز وجودها في قلب محور المُقاومة والقِوى العالميّة الصّاعدة التي ستُطيح بأمريكا من عرشِ الهيمنة على مُقدّرات العالم.
مثلما تراجعت تركيا وباتت تطرق أبواب دِمشق وتتطلّع إلى مُصالحةٍ تفتح صفحةً جديدة مع سوريا، وهذا ما نتَطلّع إليه، سيأتي اليوم الذي تسير فيه حُكومات عربيّة على الطّريق نفسه، وبعضها بدأ الخطوات الأولى بإعادة فتْح السّفارات ولم يبق إلا القليل مع اقتراب السّنوات العشر السّوداء من نهايتها.
“رأي اليوم”
Views: 2