.. هل يُمكن عرقلة هذه الخطوة وكيف؟ ولماذا لم تُفاجئنا السيّدة تراس بهذا الانحِياز للاحتِلال؟
لم يُفاجئنا إعلان السيّدة ليز تراس رئيسة وزراء بريطانيا بأنّها تُفكّر بإيجابيّةٍ في نقل السّفارة البريطانيّة إلى القدس المحتلّة، ومُواصلة تعزيز الشّراكة مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي أثناء لقائها بيائير لابيد نظيرها الإسرائيلي على هامش اجتماعات الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة في نيويورك، لأنّها كانت وما زالت من أكثر السّياسيين البريطانيين ولاءً للدّولة العبريّة ودعمًا لاحتِلالها وجرائمها في فِلسطين المحتلّة، فقد تعهّدت للوبي الصهيوني في حزب المُحافظين الذي تتزعّمه عندما كانت وزيرةً للخارجيّة بالإقدام على هذه الخطوة، أيّ نقل السّفارة، في حالِ فوزها بالزّعامة، ووعَدت بدعم “إسرائيل” ووضع حَدٍّ لأنشطة حركة المُقاطعة لها بما في ذلك رفع كُل القُيود على البضائع والمؤسّسات الإسرائيليّة.
ويأتي هذا الموقف من السيّدة التي تتربّع على عرش السّلطة التنفيذيّة في بريطانيا في وقتٍ كانت تؤكّد في كلمتها التي ألقتها أمام الجمعيّة العامّة على دعم حُكومتها المُطلق لأوكرانيا في مُواجهة الاحتِلال الروسي، لتمكينها من تحرير أراضيها، الأمر الذي يعكس الازدواجيّة في أسوأ صُورها ومَعانيها.
كُنّا نتوقّع من السيّدة تراس أن تعتذر باسم حُكومتها للشّعب الفِلسطيني، والأُمّتين العربيّة والإسلاميّة عن دورها في ارتكاب أحد أكبر الجرائم في التّاريخ الحديث، بإقامة دولة لليهود على أنقاضِ شعبٍ آخَر، وتشريده من بلاده بقوّة الأسلحة والأموال والدّعمين السّياسي والدّبلوماسي البريطاني، عندما كان هذا الشّعب وأرضه تحت الانتداب البريطاني، ولكن ما حدث وبعد 74 عامًا من النّكبة هو العكس تمامًا، والأكثر من ذلك زيادة الدّعم للاحتِلال وجرائمه ومجازره في حقّ الشّعب الفِلسطيني المُستمرّة طِوال هذه العُقود.
هذا الموقف من السيّدة تراس لا يخدم السّلام في المِنطقة، بل يدعم الإرهاب والحرب، ويُقدّم هديّةً قيّمةً للتطرّف، خاصَّةً في هذا الوقت الذي تقف فيه مِنطقة الشّرق الأوسط برمّتها والعالم بأسْره على حافّة الحرب.
ad
جميع نكبات الشّعب الفِلسطيني، وحُروب المِنطقة، ارتكزت على وعد بلفور البريطاني واتّفاقات سايكس بيكو وبعدها سان ريمو، حيث جرى خِداع الأمّة العربيّة والتخلّي عن جميع الوعود البريطانيّة والفرنسيّة لها بمنحها الاستِقلال، إقامة الدّولة اليهوديّة وتشريد أكثر من 800 الف فِلسطيني في واحدةٍ من أكثر الطّعنات المسمومة في التّاريخ.
تطبيع بعض الحُكومات العربيّة مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي لا يعني أن الأمّة العربيّة استسلمت، وباتت تقبل بوجوده واحتِلاله في فِلسطين، فالشّعوب العربيّة تُعارض هذه الاتّفاقات بقُوّةٍ، والشّعب الفِلسطيني وبعد ثلاثين عامًا من المُفاوضات العبثيّة عادَ إلى المُقاومة بقُوّةٍ، وها هي المُقاومة اللبنانيّة تستعدّ لتحرير حُقول نفطها وغازها في البحر المتوسّط بقُوّة الصّواريخ والمُسيّرات الحربيّة، سِلمًا أو حربًا.
نقل السّفارة البريطانيّة إلى القدس المحتلّة لن يُحَسِّن وجْه الاحتِلال ويُضفي الشرعيّة على احتِلاله للقدس، وجعلها عاصمةً أبديّةً له، بل سيُصَعِّد من زَخَمِ المُقاومة، والتمسّك بالمدينة المُقدّسة وأقصاها وكنائسها.
ولعَلّ من المُفيد في هذه العُجالة أن نُذَكِّر السيّدة تراس بإمبراطوريّة بلادها التي كانت لا تغيب عنها الشّمس، وكيف انتهت، وما حدث لأمريكا في فيتنام والعِراق وأفغانستان، وجميع الاحتِلالات للدّول الإفريقيّة والآسيويّة.
الزّمن يتغيّر، والوقائع على الأرض تتغيّر، ومن المُؤسِف أن السيّدة تراس لا تستوعب هذه التّغييرات ولا تستوعب دُروس التّاريخ، وتتّخذ سياسات تُلحِق أضرارًا ببلدها، ومصالح شعبها على المدى البعيد.
“رأي اليوم”
Views: 1