حول قلقه من حُكومة نِتنياهو وتحذيره من الانتِفاضة القادمة
عبّر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن قلقه الشّديد من جرّاء عودة بنيامين نِتنياهو إلى السّلطة على رأس حُكومة يمينيّة مُتشدّدة تتعهّد بتوسيع المُستوطنات، وتضم حزبين فاشيّين يُعارضان قِيام دولة فِلسطينيّة ويتبنّيان برنامج عمل بضم الضفّة الغربيّة المُحتلّة، وطرد سُكّانها إلى الأردن اللّذين يعتبرانه “الوطن البديل”.
انعكس هذا القلق بوُضوحٍ في حديث العاهل الأردني الذي خصّ فيه قناة “سي إن إن” في قوله “لدينا خُطوط حمراء” وإذا ما أرادَ أحد تجاوزها فسنتعامل مع ذلك، وأضاف “نحن مُستعدّون جيّدًا للمُواجهة إذا ما أرادها أيّ طرف”.
العلاقة الشخصيّة بين العاهل الأردني ورئيس وزراء دولة الاحتِلال الجديد (نِتنياهو) لم تكن جيّدةً على الإطلاق، لأنّ الأخير كانَ وما زال يُريد إلغاء الوصاية الهاشميّة على المناطق الإسلاميّة والمسيحيّة المُقدّسة في القدس المُحتلّة، ويُروّج لصفقة القرن التي أبرز عناوينها ترحيل الفِلسطينيين إلى الأردن، وإقامة الدّولة الفِلسطينيّة على أرضه، ومن الطّبيعي أن تتصاعد هذه المخاوف مع حُصول نِتنياهو على أغلبيّةٍ مُريحةٍ في الكنيست اعتِمادًا على أحزابٍ يمينيّةٍ فاشيّة.
نِتنياهو لا يحترم الخُطوط الحمراء التي تحدّث عنها العاهل الأردني، ولا يعترف أساسًا بوجود دولة اسمها الأردن، وكان يتعمّد دائمًا الإساءة للعاهل الأردني شخصيًّا بإقدامه على مواقف وإجراءات استفزازيّة، تمثّل إحداها في استِقبالٍ حافلٍ لحارس السّفارة الإسرائيليّة بالعاصمة الأردنيّة قتل مُواطنين أردنيين بدَمٍ بارد.
ad
نُؤيّد في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” هذه المواقف الصُّلبة و”غير المسبوقة” في مُواجهة غطرسة الحُكومة الجديدة وسِياساتها الفاشيّة، والتصدّي بحَزمٍ إلى أيّ مُحاولةٍ من جانبها لاختِراق الخُطوط الأردنيّة الحمراء، ولكنّنا نختلف معها، وصاحِبها، في كيفيّة هذا التصدّي، وأدواته، والأسلحة السياسيّة والعسكريّة والدبلوماسيّة التي يُمكن استِخدامها في هذا المِضمار لحِماية الأردن، ونِصفه الفلسطينيّ العربيّ الآخَر.
نشرح أكثر ونقول إنّ الجُملة التي وردت في حديث العاهل الأردني للمحطّة المذكورة وحذّر فيها “من اندلاعِ انتفاضةٍ جديدةٍ في الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة، لأنّها لن تكون في صالح الفِلسطينيين والأردنيين معًا” قد جانبت الحقيقة، وربّما تُؤدّي إلى إضعاف الموقف الأردني في مُواجهة هذه التّهديدات الإسرائيليّة “الوجوديّة” بدلًا من أن تُعزّزه.
الانتفاضة التي تتبلور في الأراضي المُحتلّة هذه الأيّام هي الخِيار الصّحيح، وربّما الوحيد بالنّسبة للشّعب الفِلسطيني تحت الاحتِلال الإسرائيلي في جميع المناطق الفِلسطينيّة وليس في الضفّة الغربيّة فقط، وتأتي بعد 20 عامًا من مُفاوضاتٍ عبثيّةٍ مُهينةٍ، وانخِراط قوّات الأمن الفِلسطينيّة في التّنسيق الأمني لحِماية المُستوطنين المُحتلّين وجيشهم القمعي في أكبرِ خيانةٍ في التّاريخ.
نتّفق مع العاهل الأردني في أنها، أيّ الانتِفاضة، لن تكون في صالح الإسرائيليين، لأنّ هذه الانتِفاضة المُسلّحة التي بدأت إرهاصاتها تنعكس في عمليّات مُقاومة مُتطوّرة تستهدف الاحتِلال وجيشه ومُستوطنيه هي الرّد الطّبيعي على الجرائم والمجازر، والإهانات، التي يُلحِقها هذا الاحتِلال العُنصري بالمُواطنين الفِلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين بعد أن تمّ قتْل عمليّة السّلام، وحلّ الدّولتين، والدّولة الفِلسطينيّة المُستقلّة، بل ومبدأ التّعايش والمُساواة.
الانتِفاضتان الأولى (الحجارة)، والثانية المُسلّحة، هُما اللّتان تصدّتا للدّفاع عن الأقصى والمُقدّسات العربيّة والمسيحيّة الأُخرى، لأنّ هذا العدوّ لا يعرف غير لُغَة القُوّة، والانتِفاضة الثالثة التي تتجمّع ألسنة لهبها حاليًّا، ستُكمِل الطّريق نفسه حتمًا، وبطَريقةٍ أكثر قُوّةً وفاعليّة، بسبب بأس شبابها القويّ، وتطوّر قُدراتهم القتاليّة، واستِعدادهم للشّهادة من أجل حِماية شعبهم والتصدّي لجرائم الاحتِلال، وهذه الانتِفاضة وعُنوانها “عرين الأسود” و”كتائب جنين” و”كتائب بلاطة”، يجب أن تحظى بالدّعم من الأردن لأنّها تتصدّى لمُؤامرة الوطن البديل، وتُعزّز موقف الأردن والحِفاظ على هُويّته، وتَسْلِب الاحتِلال الإسرائيلي من أهم دعائم استِمراره، أيّ الأمن والاستِقرار، وجعل الاحتِلال (الخمْس نُجوم) مُكلفًا جدًّا ماديًّا وبشريًّا.
مُعظم، إن لم يكن كُل، الازمات الحاليّة التي يَمُر بها الأردن ناجمة عن التّعاطي الأردني بـ”نُعومةٍ” مع الاحتِلال الإسرائيلي، والرّهان على السّلام مع دولةٍ عُنصريّةٍ لا تُريده، ولا تحترم كُل الاتّفاقات ومبادئ الشرعيّة الدوليّة، وتأخُذ أمْنًا واستِقرارًا واعترافًا مجّانيًّا دون أن تُقدّم أيّ بَديلٍ في المُقابل، فالعرب تخلّوا عن الأردن، وأوقفوا مُساعداتهم، وأنهوا دوره، واستغلّوا تطبيعه مع دولة الاحتِلال لتجاوزه، والتّفاوض معها مُباشرةً، وورّطوه في حُروب في سورية وليبيا، وعداء مجّاني مع إيران، وكُل هذا دُونَ مُقابل.
خِتامًا نقول إنه إذا جرى فرض المُواجهة من قِبَل العدوّ الإسرائيلي على الأردن، فإنّه يُسعدنا أن يكون الأردن وعاهله مُستَعِدًّا لها، وواعيًا بخطط الطّرف الآخَر، وجاهِزًا للدّفاع عن كرامة هذا الوطن، ووحدته الترابيّة والشعبيّة، والانتِصار لمظالم الأشقّاء، على الجانب الغربيّ من نهر الأردن، وهذا ما نتوقّعه ونأمَله ونُراهن عليه في كُل الأحوال.
الشّعب الأردني، شعب النّشامى والكَرامة والفِداء سيكون كُلّه أمام العاهل الأردني، وليس خلفه، أو إلى جانبه، إذا ما قرّر التّعاطي مع حُكومة نِتنياهو باللّغةِ التي يفهمها، فهل يخرج العاهل الأردني من خندق الدبلوماسيّة النّاعمة هذه، ويُسَمّي الأشياء بمُسمّياتها الحقيقيّة، ويُخاطب العدوّ باللّغة التي يفهمها استِعدادًا للمُواجهة الشّاملة والحتميّة القادمة، إذا فُرضت عليه وكضَربةٍ دبلوماسيّةٍ استباقيّةٍ لها أنياب ومخالب لأنّ السكّين الإسرائيلي وصل، أو في طريقه أن يصل للعظْم الأردني؟ نأمَل ذلك، ولنا عودة حتمًا، لأنّ حُكومة نِتنياهو حُكومة حرب وتُشَكّل تهديدًا وجوديًّا جِدّيًّا للأردن والأُمّتين العربيّة والإسلاميّة.
“رأي اليوم
Views: 13