ماذا يعني نجاح الأمن الإيراني في تفكيك عدّة خلايا تجسّس إسرائيليّة في طِهران وأكثر من مدينة؟ وهل ستُؤدّي زيارة نِتنياهو الوشيكة لواشنطن إلى الحُصول على الضّوء الأخضر لضرب المُفاعلات النوويّة؟
كشفت وكالة “تسنيم” الإيرانيّة شِبه الرسميّة نقلًا عن وزارة الأمن اعتقال خليّتين بتُهمة التجسّس لصالح دولة الاحتِلال الإسرائيلي قبل يومين بهدف الإعداد لأعمالٍ تخريبيّةٍ في العاصمة ومُدُن إيرانيّة أُخرى لم يكن مُفاجئًا بالنّسبة إلينا والكثيرين غيرنا من الذين يُتابعون هذا المِلف عن كثب، لأنّ الحُكومات الإسرائيليّة وأجهزتها الأمنيّة تضع إيران على قمّة الدّول المُعادية لها، وتعتبر برنامجها النووي يُشَكّل خطرًا وجوديًّا يُهدّد أمن واستِقرار الدولة العبريّة.
وبهذا الاكتِشاف يرتقع عدد الخلايا إلى ستّة، ويصل عدد المُعتقلين إلى 14 شخصًا بين نُشطاء عمليّاتيين أو داعمين، في مُحافظات طِهران وأصفهان ويزد وأذربيجان الغربيّة، الأمر الذي يُسَلّط الأضواء على حجم التّجنيد والاستِهداف، وضخامة المُخطّط التّخريبي.
السّلطات الإسرائيليّة لا تُنكر هذا الاستِهداف بل تتباهى به، ولم تتملّص من مسؤوليّتها ووقوفها خلف خلايا مُماثلة، نجحت في اغتيال عدد من العُلماء النوويين، أو ضرب مقرّات نوويّة إيرانيّة، وسرقة وثائق من الأرشيف النووي في السّنوات الماضية، مع فارقٍ أساسيّ وهو أنّ حجم الاختِراقات تراجع في الأشْهُر الأخيرة بسبب تشديد الإجراءات الأمنيّة، وإحباط مُعظم المُخطّطات في هذا المِضمار.
الولايات المتحدة الأمريكيّة لم تكن بعيدةً عن هذه المُخطّطات، ولا نستغرب أنها كانت على علمٍ بها فقط، وإنّما داعمة لها أيضًا، وسمعنا الرئيس الأمريكي جو بايدن بَعظْمَةِ لسانه وهو يُؤكّد مُساندته للاحتِجاجات الأخيرة التي تفجّرت على أرضيّة مقتل إحدى النّاشطات في مخفر للأمن، وتوعّده بتغيير النظام الإيراني.
جيك سوليفان مُستشار الأمن القومي الأمريكي سيقوم بزيارةٍ إلى تل أبيب في الأيّام القليلة القادمة لمُناقشة برنامج إيران النووي مع المسؤولين الإسرائيليين والتّنسيق لزيارة بنيامين نِتنياهو رئيس الحُكومة الجديدة لواشنطن لبحث التّهديدات التي تُشكّلها طِهران للبلدين حسب البيان الرسمي الأمريكي.
مُفاوضات فيينا حول العودة إلى الاتّفاق النووي فشلت ولم تتوصّل إلى أيّ نتيجةٍ بعد 18 شهرًا من اللّقاءات غير المُباشرة، وبرعاية الاتّحاد الأوروبي، والعُقوبات الاقتصاديّة لم تنجح في تركيع السّلطة، واستِسلامها بالتّالي، والاحتِجاجات الصّاخبة التي سادَت مُعظم أنحاء البِلاد طِوال الشّهرين الماضيين عجزت عن إسقاط النظام رغم ضخامتها، والدّعم المالي والإعلامي لها، ولهذا من البديهي أن يُركّز الجانبان الإسرائيلي والامريكي على تجنيد خلايا لضرب العمق الإيراني، وزعزعة أمن واستِقرار البلاد.
ومثلما فشلت العُقوبات الاقتصاديّة والاحتِجاجات، ومُفاوضات فيينا، من الطّبيعي أن يكون الفشل هو مصير مُعظم الخلايا التجسّسيّة الإسرائيليّة، إن لم يكن كلّها، ومن غير المُستَبعد أن يتلو ذلك أعمال انتقاميّة ضدّ أهدافٍ إسرائيليّة سواءً في فِلسطين المُحتلّة أو في الخارج على غِرار الهجمات السيبرانيّة أو حرب السّفن.
ايران أصبحت قُوّةً إقليميّةً عُظمى، اتّفق البعض معها أو اختلف، ونجحت في توظيف الحِصار الأمريكي لتطوير صناعاتٍ حربيّة، مُتطوّرة تُحقّق لها الاكتِفاء الذّاتي، وأبرز مِثال في هذا الصّدد تصنيع طائرات مُسيّرة استعانت بها روسيا في حربها الحاليّة في أوكرانيا (إيران اعترفت ببيعها لموسكو ولكن قبل هذه الحرب)، وكذلك منظومات صاروخيّة دقيقة، إحداها أسرع من الصّوت.
“إسرائيل” تلعب بالنّار، وخسرت حتّى الآن مُعظم حُروبها السريّة والعلنيّة ضدّ إيران أو أذرعها العسكريّة الضّاربة في أكثرِ من دولةٍ في المِنطقة أو خارجها، وستكون خسارتها أكبر بكثير إذا ما حاولت إرسال طائراتها، بدَعمٍ أمريكيّ لضرب طِهران، وتنفيذ تهديداتها بتدمير المُفاعلات النوويّة الإيرانيّة.
“رأي اليوم”
Views: 3