وما هي الصّفعة التي وجّهتها المملكة للوزير بلينكن في ختامِ زيارته لها وخاصّةً “التّطبيع”؟ وأين صدق بوتين وفشل بايدن؟
كشفت أحد وثائق “ديسكورد” التي نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” قبل يومين، أنّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحاكِم الفِعلي لبلاده، هدّد بفرض عُقوبات اقتصاديّة مُؤلمة على الولايات المتحدة إذا ما نفّذ الرئيس جو بايدن تهديداته بتطبيق قانون “منع الاحتكار” وفرض الحِصار على الدّول التي التزمت بقرار “أوبك بلس” وخاصّةً على السعوديّة وروسيا اللّتين قادَتا هذا التوجّه بتخفيض الإنتاج النفطي لرفع الأسعار، في تَحَدٍّ للرئيس الأمريكي الذي طالب بعكس ذلك.
التسريبات الأمريكيّة، وخاصّةً من “الواشنطن بوست” أكّدت أن الرئيس بايدن تراجع عن تهديداته هذه التي أطلقها قبل الانتخابات النصفيّة في تشرين ثاني (نوفمبر) الماضي لإدراكه بخُطورة الرّد السعودي، وانعِكاساته السيّئة المُحتملة على الاقتصاد الأمريكي، وسارعت إدارته بتبنّي سياسة مُعاكسة عُنوانها الأبرز “التودّد” بدل “التّهديد” لوليّ العهد السعودي وحُكومته، وهذا ما يُفسّر الزّيارات المُتناسلة من قِبَل المسؤولين الأمريكيين للرياض في الفترة الأخيرة، وكان آخِرها زيارة أنتوني بلينكن للرياض يوم الثلاثاء وغادرها الخميس الماضي.
كان لافتًا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سارع بمُهاتفة وليّ العهد السعودي يوم الأربعاء الماضي، أثناء وجود بلينكن في الرياض بهدف تكذيب الأخبار التي تحدّثت عن خلافاتٍ سعوديّةٍ روسيّةٍ حول تطبيق الوجبة الثانية لاتّفاق “أوبك بلس” بتخفيض الإنتاج، ومُبادرة السعوديّة بتخفيض إنتاجها بحواليّ مِليون برميل يوميًّا، وتأييد روسيا عمليًّا لهذه الخطوة بتخفيض إنتاجها بنِصف مِليون برميل حسب الاتّفاق.
لا نعرف مدى صُدقيّة هذه الوثيقة، والتّهديدات التي وردت فيها، ولكن بالنظر إلى الخطوات العمليّة “الانتقاميّة” التي اتّخذتها السّلطات السعوديّة ضدّ واشنطن، مِثل تخفيض إنتاج النفط للمرّة الثانية، وتوسيع التبادل التجاري مع الصين، خاصّةً نوايا السعوديّة لشِراء طائرات بُدون طيّار وصواريخ كروز، وأنظمة مُراقبة جماعيّة تؤكّد بطريقةٍ غير مُباشرة ما ورد فيها، والأهم من ذلك أن “البنتاغون” الأمريكي الذي صدرت عنه الوثائق اعترف بمِصداقيّة مُحتواها، وتمّ اعتقال أحد مُسرّبيها وهو مُوظّفٌ عسكريّ.
ad
زيارة بلينكن للرياض، والإجماع على فشلها في تحقيق مُعظم أهدافها، وخاصّةً التطبيع السعودي الإسرائيلي، وعدم تخفيض إنتاج النفط، وعدم السّير قُدُمًا في تنفيذ الاتّفاق بتأسيس تحالفٍ بحريّ خليجيّ إيرانيّ مُشترك لحِماية مِياه الخليج، وتعزيز العلاقات مع طِهران، هذه التّسريبات تؤكّد مجددًا اتّساع فجوة التّباعد في العلاقات السعوديّة الأمريكيّة وفُقدانها زخَمها التاريخي الذي بلغ ذروته طِوال العُقود الثمانية الماضية.
الإعلان السعودي الذي صدر اليوم السبت، وبعد يومٍ واحد من انتهاء زيارة بلينكن للرياض، يقول بأنّ العاهل السعودي قرّر توجيه دعوة ألف من أُسَرِ “الشّهداء والأسرى” الفِلسطينيين لأداء فريضة الحج كضُيوفٍ على المملكة يُشكّل صفعةً قويّةً للبند الأهم على جدول أعمال زيارة وزير الخارجيّة الأمريكي للمملكة، فاختِيار أفراد من أسر الشّهداء والأسرى يعني الدّعم لمُقاومة الاحتِلال، ورفض التطبيع بشَكلٍ غير مُباشر، ونأمَل أن يكون هذا التّفسير صحيحًا.
الخطأ الكبير والفاضح، الذي ارتكبته الإدارة الأمريكيّة الحاليّة يتمثّل في عدم إدراكها لحجم التّغييرات المُتسارعة في المملكة العربيّة السعوديّة، على أرضيّة تقديم مصالحها، أيّ السعوديّة، على أيّ مصالحٍ أُخرى، والغربيّة خُصوصًا، وكسْر الاحتِكار والهيمنة الأمريكيّة على القرار السعودي على وجه الخُصوص، علاوةً على وجود بدائل حليفة جاهزة، وخاصّةً منظومة دُول “بريكس” بزعامة روسيا والصين، وما يُؤكّد عدم الالتزام بالإملاءات الأمريكيّة والعمل عكسها، إعادة العلاقات مع إيران، واستضافة الرئيس السوري بشار الأسد في القمّة العربيّة في جدّة، تدشينًا لعودة بلاده إلى الجامعة العربيّة.
المأمول أن تستمر هذه المواقف السعوديّة وتترسّخ، خاصّةً رفض كُل أشكال التّطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وهي الخطوة التي تُعزّز مكانة المملكة القياديّة في العالمين العربي والإسلامي، والفوز باحترام مُعظم الشّعوب العربيّة والإسلاميّة وثقتها.
المملكة العربيّة السعوديّة دولة ذات سيادة مثلما قال الرئيس بوتين صادقًا، ولا تحتاج إلى مُحاضراتِ أمريكا والدول الغربيّة لإدارة شُؤونها.
“رأي اليوم
Views: 5