كان الربيع حارقاً في منطقة البحر الأبيض المتوسط هذا العام؛ حيث شهدت موجة الحر في نيسان درجات حرارة أعلى من المعتاد بنسبة 20 درجة مئوية في الجزائر والمغرب والبرتغال وإسبانيا، كما تقول مجلة The economist البريطانية.
وخلال الأشهر التالية، شهدت أجزاء كبيرة من جنوب أوروبا وشمال إفريقيا درجات حرارة قصوى تزيد على 40 درجة مئوية، وقد أدت لاندلاع الحرائق ووفاة الآلاف، في موجة حر أطلق عليها اسم “سيربيروس”.
تم اتخاذ تدابير طارئة في العديد من البلدان، حيث من المقرر أن تصل درجات الحرارة في أجزاء من أوروبا المطلة على البحر الأبيض المتوسط، إلى 45 درجة مئوية.
وقد تم نشر تنبيهات الطقس في جميع أنحاء جزر الكناري الإسبانية وإيطاليا وقبرص واليونان، حيث تتوقع السلطات اليونانية أن تصل درجات الحرارة إلى 43، وهي أرقام غير مسبوقة بالنسبة لتلك المناطق من العالم.
واعتاد العلماء على التردد في إلقاء اللوم على جزء معين من الطقس على تغير المناخ، لكن هذه الأيام هم أكثر ثقة في رأيهم، حيث تعتقد منظمة World Weather Attribution، وهي شبكة من الأكاديميين المتعاونين حول العالم، أن احتمال حدوث الموجة الحارة يزيد بنحو 100 مرة بسبب غازات الاحتباس الحراري التي تتراكم في الغلاف الجوي.
لماذا ستصبح درجات الحرارة فوق 45 مئوية أكثر شيوعاً حول البحر الأبيض المتوسط؟
في ورقة بحثية نُشرت في 26 أيار 2023 في مجلة Nature العلمية، ألقى نيكولاوس كريستيديس، عالم المناخ في مركز هادلي، التابع لمكتب الأرصاد الجوية البريطاني، نظرة على ما يمكن أن يخبئه البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط في المستقبل لدول تلك المنطقة مناخياً. وكان الباحثون مهتمين بشكل خاص بعدد المرات التي يمكن أن تتوقع فيها المنطقة أن ترى أياماً يرتفع فيها مؤشر الحرارة فوق 50 درجة مئوية.
تقول مجلة الإيكونومست إن الدكتور كريستيديس وزملاءه استخدموا بيانات من عشرات المواقع في جميع أنحاء المنطقة، من تركيا وإسبانيا إلى مصر وقطر. وقاموا أولاً بمحاكاة عالم ما قبل الصناعة، حيث لم يبدأ البشر بعد في تغيير الغلاف الجوي بشكل كبير.
ووجد الباحثون أن درجة 50 مئوية كان مستحيلاً تسجيلها فعلياً في ظل تلك الظروف. فقط في المملكة العربية السعودية وعلى الساحل التونسي يمكن أن تحدث، وقد تكون حدثت مرة واحدة فقط كل قرن أو نحو ذلك.
ثم أعاد الفريق تشغيل نماذجهم باستخدام سيناريو “منتصف الطريق” القياسي للانبعاثات المستقبلية. ويفترض هذا النموذج أن الدول ستبذل بعض الجهود للحد من تغير المناخ، لكن القليل من التعديلات الجذرية ستحدث حقاً.
من المحتمل حدوث ارتفاعات فوق 45 درجة مئوية كل عام بحلول منتصف القرن
في هذا النموذج، انخفض مستوى ثاني أكسيد الكربون في الهواء عند حوالي 600 جزء في المليون بحلول عام 2100، ارتفاعاً من حوالي 420 جزءاً في المليون اليوم.
ووجد الباحثون أن احتمال تجاوز يوم واحد على الأقل كل عام 50 درجة مئوية زاد بسرعة بحلول منتصف القرن في جميع المواقع، باستثناء بعض مناطق البحر الأبيض المتوسط، مثل إسبانيا.
وبحلول عام 2100، ستصبح مثل هذه الأيام أحداثاً تحدث مرة كل عقد عبر البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، ومن المحتمل حدوث ارتفاعات فوق 45 درجة مئوية كل عام.
وهذا يعني المزيد من موجات الجفاف والحرائق في الطريق. وكان عام 2022 ثاني أسوأ موسم حرائق غابات في أوروبا على الإطلاق، وكان معظمه في البحر الأبيض المتوسط.
تعمل الحرارة الشديدة على إذابة الطرق، وتشابك السكك الحديدية، وتجعل العمل في الهواء الطلق خطيراً. وتتسبب موجات الحر بالفعل في 8٪ من جميع الوفيات المرتبطة بالطقس.
كما يمكن لدرجات الحرارة والرطوبة العالية جداً أن تمنع الأشخاص من إطلاق الحرارة من أجسادهم من خلال التعرق، والذي يمكن أن يقتلهم في النهاية. وصحيح أن دول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط معتادة على الحرارة، لكن المستقبل سيكون مختلفاً تماماً عن الماضي، كما يقول العلماء والباحثون المتخصصون
Views: 14