يغوص الفنان زهير خليفة في أعماق بحار أفكاره وخيالة الخصب ويستخرج منها أشكالاً وأنماطاً مختلفة من الأسماك، طبع أشكالها بأدواته النحتية البسيطة على صخور مختلفة الأشكال والألوان ليخلق منها أسماكاً تبدو كأنها حقيقية، جمع هذه المنحوتات الإبداعية في معرض «مئة سمكة وسمكة» الذي أقيم مؤخراً في صالة عامر علي للفنون الجميلة في جبلة.
اختار الفنان خليفة العنوان «مئة سمكة وسمكة» كنوع من التحدي بأنه عندما نشغل الخيال يمكن من عنوان واحد أن نعمل أعمالاً كثيرة لا حصر لها تتجاوز المئة وربما الألف، وكل عمل لا يشبه الآخر من حيث الشكل ولا الوزن ولا اللون، والشيء المثير للانتباه أن الفنان ليست لديه خبرة بأنواع الأسماك الموجودة في البحر، ومن ير أعماله يخيل إليه أن هذا الشخص يقضي كل وقته في المياه، علماً كما يؤكد الفنان خليفة أن معظم منحوتاته هي من بنات أفكاره وخياله.
لا يأتي اختيار الصخور عند الفنان زهير بالمصادفة بل هو نتيجة للبحث عن الكتل الصخرية المناسبة في جبال ريف اللاذقية وجبلة الغنية بأنواع رائعة الجمال بتكويناتها وألوانها، ويرى أنه خلال رحلات البحث اكتشف أنواعاً جديدة من الحجر مثل حجر الصوان المتعدد الألوان (الأحمر والبرتقالي والوردي القاسي جداً…. وغيرها)، وهناك أحجار ليست رخامية بلون أخضر ومشتقاته، وأخضر تتخلله خطوط روعة في الجمال، معظم الصخور المستخدمة في منحوتاته الموجودة في المعرض هي لحجر يدعى بالعامية «دب الملح» وعالمياً يدعى أونيكس.
واضطر الفنان زهير إلى حمل الكتل الصخرية المختارة على أكتافه مسافات بعيدة لأنه لا يمكن الوصول إلى تلك الأمكنة بالآليات أو السيارة، وأمام إغراءات الحجر لا يمكنه التخلي عنه.
علاقته مع الحجر حميمية جداً لدرجة أنه عندما يعاني التعب يرى الراحة بين أحضان الحجر، فمن خلال النحت والعمل معه يشعر بالراحة والمتعة والسعادة، البعض يتهم الحجر بأنه صلب وقاسٍ وعديم الإحساس، ويرى زهير أن هذه التهمة خطيرة ولا تليق بالحجر، ومن خلال العمل والاحتكاك معه يمكن أن ترى كم هو حساس ومرهف من خلال اللمسة التي تضفيها عليه، فالحجر كله روح وحيوية ونعومة ويتبين ذلك جلياً بعد انتهاء العمل، فالمنحوتة تكاد تتكلم.
ويضيف الفنان خليفة أنه من خلال الخبرة تصبح قادراً على اختيار الحجر المناسب الذي يستجيب لأفكارك،وهذا يتعلق بالعلاقة مع الحجر وفهمك له وتشعر كأن الحجر يستجيب كعجينة بين يديك، ولا تشعر بأن هناك خطورة حتى مع الآلة التي تنحت بها.
الطبيعة كانت دائماً لجانب الفنان زهير فهو يقول إنها منحته قوة حقيقية وطاقة إيجابية لذلك اختار أن يكون منحته بين أحضانها، وهو مجموعة من المصاطب الطبيعية بين الصخور والأشجار يتلاعب به الغيم والضباب والنسمات العليلة في أعالي جبال بيت ياشوط، وأي لحظة فراغ لديه مخصصة للنحت والمتعة مع الحجر، ولديه متعة خاصة في العمل تحت ضوء القمر، وأحياناً كثيرة تأخذه الحالة الحميمية مع الحجر وينسى نفسه بالعمل والنحت حتى شروق الشمس.
ويأمل الفنان زهير خليفة أن يتجه الجيل الجديد باتجاه الفن بكل أنواعه لأنه من خلال الفن والإبداع والعلم ترتقي الشعوب ويمكن أن نصنع بلداً علمانياً متطوراً وحديثاً، فإذا اتجه هذا الجيل نحو التذوق الفني فتحت له عوالم الضوء والإبداع، ومن دون ذلك سنذهب في متاهات الجهل والتخلف.
لذلك فتح الفنان زهير خليفة أبواب منحته أمام الجميع وخاصة الأطفال الذين يحبون تعلم النحت ومجاناً…!!!
Views: 4