يعرض مركز التنبؤات الاستراتيجية ستراتفور -والمتخصص في دراسة عناصرالقوة الجيوسياسية- بإحدى طروحاته حدثا لطالما شغل العالم في تحديد موعده وأصله ومفهومه؛ ألا وهو “عيد الميلاد” وبما يُعرف بكريسماس أو نويل.
بمقالين منفصلين ل ديفيد جودسون رئيس قسم التحرير بالمركز وإيان موريس المؤرخ وعالم الآثار فيه، شرحا بطريقة علمية محايدة سبب اعتماد 25 كانون الأول/ديسمبر من كل عام يوما للاحتفال بالعيد وكيف اختلفت دول العالم حول طريقة الاحتفال به.
قبل وقت طويل من ظهور المسيحية في القرن الأول كان العالم الوثني يحتفل بالانقلاب الشتوي وهو أقصر يوم في السنة وهو اليوم نفسه الذي يصادف به عيد الشمس. ونظراً لعدم التمكن من تحديد موعدٍ دقيق لولادة السيد المسيح، فقد اعتمد آباء الكنيسة عيد الشمس كموعدٍ للذكرى رمزاً لكون المسيح “شمس العهد الجديد” ونور العالم.
لم يكن العالم الذي وُلد فيه المسيح صديقا للديانة التي أتى بها صاحب هذه الرسالة وتلاميذه الذين بشّروا بها من بعده إذ تم اضطهاد كل من تبعهم وجرت حملات القمع في العام 64 بعد الميلاد زمن حكم الامبراطور نيرون واستمرت لأكثر من قرنين حيث كان عقاب كل من يشهر مسيحيته اطعامه للوحوش، وهو العقاب الذي كان مقتصرا على المجرمين والعبيد. لكن الامبراطورية شهدت في العام 312 تغيرا جذريا حين انتصر الامبراطور قسطنطين في معركة جسر ملفيان وسيطر على الجزء الغربي من الامبراطورية واعتنق المسيحية وأعلنها ديانة رسمية في الوقت الذي كان يعيش القديس نيكولاس (والذي كان الرمز الأساسي لبابا نويل أو سانتاكلوز) كراهب في بيت لحم. وهو نفسه الذي أصبح فيما بعد الراعي والشفيع ليس فقط للأطفال الفقراء والمعوزين بل للجميع.
لم يكن هذا التوقيت مهمّا إلأ بعد عام 800 بعد الميلاد عندما قام بابا الفاتيكان ليو الثالث بتتويج الملك تشارلزالفرنسي (شارلمان) في روما ليكون أول امبراطور روماني مقدس، الأمر الذي أدى لانتشار السلطة العلمانية للكنيسة الكاثوليكية في كل اوروبا. أصبح العيد بالقرون التي تلت ذلك ،مناسبة بارزة خاصة في انجلترا بالرغم من أن البلد كان قد تخلّى عن الكاثوليكيّة في أوائل ثلاثينات القرن 16.
قام “التطهيريون” puritans في اربعينيات القرن 17 في برلمان انجلترا ومعهم التطهيريون في الأمريكيتين بشجب ومحاربة هذه الطقوس ووصفوها بالوثنية. بعدها اختفى هذا العيد من أمريكا الشمالية وبريطانيا حتى القرن 19 الذي جلب معه إحياءً لهذا العيد ففي المانيا واسكندنيفيا، وتم ادراج أشجار الصنوبرالمستمدة من الوثنية وغزال الرّنة واكسسوارات الزينة.
كذلك اعاد الهولنديون احياء القديس نيكولاس السلف المبكر لسانتاكلوز. وقد ساهمت قصص الأمريكي “واشنطن ايرفينغ” الخمسة عن عيد الميلاد جذريا في إعادة الحياة لعيد الميلاد في عشرينات القرن 19 وقدّم فيها القديس نيكولاس أكياس هداياه اوالجوارب المعلقة جانب المدخنة. ثم انضمت فرنسا في أواخر القرن 19 وأصبحت شخصية سانتاكلوز مندمجة مع العيد ودخلت شركة كوكاكولا في حملة إعلانية عام 1932 لسانتا ذي اللحيّة البيضاء واللباس الأحمر، ثم انتشر هذا السانتا في جميع أنحاء العالم المسيحي وغير المسيحي ليكون عنوانا للعطاء والفرح.
في خضم الفساد والاضطراب اللذين يعيشهما عصرنا الحديث، يبقى الميلاد رمزأً للسلام والمحبة يتشارك فيه كل العالم بالرغم من عدم رضى البعض عنه ومحاربتهم له، ولا شك انه من اجمل لحظات السنة خصوصا انه جامع للعائلات ، ناثر للفرح، مبهج بزينته وطقوسه.
كل عام وعالمنا بألف خير.
الكاتب
روزيت الفار عمّان
الكاتب:روزيت الفار- عمّان
Views: 0